دائما ما يكون الأب بالنسبة لأطفاله هو الملاذ الآمن من مخاوفهم، درع الأمان والطمأنينة والحماية لهم، هو ذلك الشخص الذى يضحى من أجلهم ليضمن لهم حياة سعيدة ومستقبلا أفضل.
ولكن فى تلك الواقعة تغير ذلك المفهوم ليكون الأب بعد وفاة الأم آلة تعذيب لأبنائه، بل راح ليتركهم لشقيقه، العم الذى تجرد من إنسانيته وطغت قسوته على معاملته لأبناء شقيقه حتى كتب الفصل الأخير بدم أحدهما ونجاة الآخر من طوفان التعذيب الذى زج بالعم خلف القضبان.
قبل عام وعدة أشهر توفت سيدة تاركة خلفها أبناءها«حنين، آدم، محمود»، لزوج يملك سجلًا إجراميًا داخل شقة سكنية فى منطقة إمبابة شمال محافظة الجيزة، لتبدأ رحلة عذاب الأطفال، فى وصلات الضرب التى لا تنتهى حتى كسر قدم الطفل الصغير«محمود»، الذى لم يكمل عامه الخامس قبل أشهر قليلة من الآن، وادعى أنه كان يضربه بقصد تربيته لتبوله لا إراديًا؛ وكذلك كان الخوف يسيطر على الطفلة التى أتمت عامها الثانى عشر من معاملة والدها لها وتعمده ملامسة جسدها لتفر إلى منزل جدها لأمها هاربة بنفسها من ذلك الكابوس الذى بدأ ينهش فى جسدها ويصب غضبه على شقيقيها.
هربت الطفلة من جحيم والدها لتترك خلفها شقيقها«آدم» و«محمود» وسط النار التى أشعلها لهما والدهما وعمهما، اللذان كانا يتلذذان بتعذيبهما، حاولت الطفلة مد يد العون لشقيقها من خلال محاولة أهل والدتها أخذ شقيقها أيضًا، ولكن هيهات فقد رفض الأب ذلك لأن أهل زوجته كانوا يرسلون الأموال لأبنائه فكان يأخذها منهم بالقوة؛ توالت الأيام حتى كتب النهاية لعذاب الطفلين خلال الأيام الماضية عندما قام العم بتوثيق الطفلين والتعدى عليهما بالضرب والتعذيب واصطدام رأسهما بعضهما لبعض.
لم يتحمل جسدالطفل«محمود» النحيل وصلات التعذيب اليومية على يد ذلك الشيطان ودخل فى حالة إعياء وقىء لمدة دقائق وسقط جثة هامدة لتفيض روحه البريئة إلى خالقها ويترك حياة انتهت قبل بدايتها.
تفاصيل تلك الواقعة المأساوية كما دونتها سجلات ضباط مباحث قسم شرطة إمبابة بمديرية أمن الجيزة كانت بتلقى المقدم مؤمن فرج رئيس وحدة المباحث إشارة من مستشفى التحرير مفادها وصول طفل يدعى«محمود. أ. م- ٥ سنوات»، مصاب بحالة إعياء ولفظ أنفاسه خلال محاولة إسعافه، وكذلك استقبال شقيقه«آدم- ٦ سنوات» مصابًا بكدمات وسحجات متفرقة بالجسد، وادعاء تعدى شقيق والدهما ومقيمين بدائرة القسم، وبالانتقال والفحص وسؤال والد المتوفى والمصاب عاطل، اتهم شقيقه، عاطل «له معلومات جنائية مسجلة» بالتعدى على نجليه.
وأضاف بأنه تفاجأ عقب عودتها إلى المنزل بقيام شقيقه المتهم بتقييد نجليه والاعتداء عليهما ضربًا بقصد تأديبهما لشربهما السجائر، وأكد بأنه قام بفك وثاقهما وغادر، وعقب ذلك تلقى اتصالًا من المتهم يفيد بدخول نجله المتوفى بحالة إعياء وقىء بسبب وصلة الضرب وقاما بنقله وشقيقه إلى المستشفى لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة خلال ذلك، وبمناقشة الطفل المصاب أفاد بتعدى شقيق والده، عليه وشقيقه المتوفى وتقييدهما وضرب رأسهما ببعض لشربهما السجائر، وعقب ذلك أصيب شقيقه بحالة إعياء وقىء، وتم التحفظ على الجثة داخل ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.
تمكنت القوات من ضبط المتهم، وبمواجهته بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقر بارتكاب الواقعة دون قصد قتله، وبالعرض على النيابة العامة بشمال الجيزة والتى أمرت بانتداب طبيب شرعى لتشريح جثة الطفل«محمود. أ. م- ٥ سنوات»، وإعداد تقرير وافٍي عن كيفية وأسباب الوفاة كما صرحت بدفن الجثة عقب بيان الصفة التشريحية لها، وقامت النيابة بمواجهة المتهم بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقر بصحتها وارتكاب جريمة قتل ابن شقيقه وإصابة الآخر بقصد تربيتهما.
كما أمرت النيابة بحبس المتهم 4 أيام احتياطيًا على ذمة التحقيقات، وجدد قاضى المعارضات حبسه 15 يومًا، واصطحب فريقًا من النيابة العامة المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية وتمثيل جريمته، وطلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة ولا تزال التحقيقات مستمرة.
وفى سياق متصل، قالت دعاء عباس، المحامية والباحثة بمجال حقوق الإنسان ورئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل، إن المادة 230 من قانون العقوبات تنص على أنه كل من قتل نفسًا مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام، كما جاء نص 263 من القانون بأنه كل من جرح أو ضرب أحدا أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتله ولكنه أفضى إلى الموت، يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات، وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
وأضافت رئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل، أن المادة 116 مكرر من القانون رقم 12 لسنة 1996 والمعدل برقم 126 لسنة 2008، تنص على أنه يزداد مقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه أو كان خادما عند من تقدم ذكرهم.
وأوضحت المحامية، بأن الواقعة صدد الطرح يضاعف بها العقوبة المقررة على المتهمين لاستخدامه العنف ضد الطفل حتى تسبب فى وفاته، حيث يتم فى القضايا المشابهة تطبيق العقوبة على المتهمين وفقًا لقانون العقوبات، وستضاعف العقوبة وفقا لما أقره قانون الطفل فى المادة 116 مكرر، وذلك لضعف جسد الطفل وحداثة سنه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه.
وأشارت إلى أن زوج الأم للطفل يعد بمثابة ولى أمره وإقامة الطفل معه بذات السكن أمر طبيعى لزواج والدته منه، وبالتالى فإن الطفلة تعطى له الأمان وهو هنا فى تلك القضية خان الأمانة لذلك كان المشرع حريصًا جدًا على مضاعفة عقوبة من له الولاية أو السلطة على الطفل إذا كان القتل أو العنف بواسطة أحدهما.