تعد الألحان القبطية جزءًا مهمًا في تراث التسبيح والترنيم الذي حفظته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدار نحو ألفيّ عام، والتي انتقلت وآلت إلينا عبر القرون السابقة وذلك بالتواترُ بين الأجيال من خلال التقليد الشفاهي.
ونظرًا لاهتمام الكنيسة بهذا الإرث أوجدت الكنيسة القبطية ما يعٌرف ب"المُرَتلين"، وفي غالبية الأحيان يتسم هؤلاء بأن يكونوا من المكفوفين لما يهب الله لهم من قدرة هائلة في اختزان الذاكرة لقدر كبير من الألحان والتي قد يصل عددها نحو 575 لحنًا.
وفي ضوء الاهتمام بالألحان عكف الباحثون على دراستها من ناحية أسس علمية حسبما أورد موقع الكنيسة المعروفة ب" تكلاهيمانوت"، بأن الدراسة شملت قواعدها الموسيقية من حيث الأوزان والضروب والمقامات والقفلات الموسيقية والتكوين السليم المتوازن للجملة الموسيقية.
وعادة ما يصاحب أداء بعض الألحان استخدام الآلات مثل "الناقوس والمثلث لِضَبطْ الإيقاع". ومن بين زخم الألحان القبطية العتيقة يوجد ألحان مثل "غولغوثا و إبؤرو و بيك اثرونوس" لها جذور تمتد حتى الحضارة الفرعونية وتعود إلي آلاف السنين.
وتتنوع الألحان ما بين المسميات والنغمات الفرحة والحزينة فإن هناك لحنا يسمى "الكيهكي"يستخدم خلال شهر كيهك فقط حتى البرامون، بالبرامون طقس سنوي، وأيضًا هناك اللحن الفرايحي وعادة ما يردد في الأعياد السيدية والخمسين ومن النيروز وحتى الصليب ومن عيد الميلاد إلى عيد الختان.
أما عن لحن الصيامي فيقال في صوم يونان، والصوم الكبير حتى جمعة ختام الصوم، أما سبت لعازر له طقس سنوي واللحن الصيامي يردد داخل الكنيسة القبطية في أيام السبت والأحد يختلف عن اللحن الصيامي في باقي أيام الأسبوع من الإثنين للجمعة، ولأحد الشعانين الذي يسبق العيد الكبير وسبت الفرح لحن يسمي "الشعانيني" ويردد في أحد السعف وعيدي الصليب وفي مدائح القديسين والأبرار.
اما اللحن الأدريبي أو الحزايني فيسود الكنائس مع إكسائها بالستائر السوداء في أسبوع الآلام الذي
يسبق العيد الكبير ويسمى صلوات التجنيز ويردد في الجنازات على الموتي، ولا صدى صوت له في
الخماسين والأعياد السيدية الكبري بالكنيسة.
ومن الألحان القبطية هناك اللحن السنوي: يقال في باقي أيام السنة العادية. كيهك شهر التسبيح والألحان
يحتل “كيهك” نصيب الأسد من حيث المكانة خاصة في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، رتبت فيه الكنيسة الصلوات والتسبيحات وحتى تسبحة نصف الليل، وعبارة عن صلوات خاصة لهذا الشهر، وذلك إحياء لذكرى تجسد المسيح وتعظيمًا لوالدته السيدة مريم العذراء، ولذلك لقبوه بالشهر المريمي.
وبشأن تاريخية المعلومات عن شهر كيهك والتراتيل، يقول الباحث “كيرلس كمال”، صاحب قناة “حكاوي قبطية”، والتي يشرف عليها الأنبا إيلاريون أسقف عام غرب الإسكندرية إن التسبحة تعني إعان الفرح الروحي، فنجد أن القديس يعقوب الرسول يقول في رسالته “أمسرور أحد؟ فليرتل” ( يع ٥ : ١٣ ) ويضيف أن التسبيح موجود منذ العهد القديم، حيث نجد أول إشارة للتسبيح بسفر الخروج ١٥، وهي تسبحة موسى النبي، وسنجد أيضًا تسبحةدبورة، تسبحة حنة أم صموئيل، وتسبحة إشعياء والثلاثة فتية، وتسبحة حبقوق، بالإضافة لمزامير داود، وهذه المزامير كان لها دور كبير في التسبيح بالعهدين القديم والجديد.
وألمح إلى أن التسبيح ممتد في العهد الجديد في السيدة العذراء سبحت الله بتسبيحتها الشهيرة “تعظم نفسي الرب.. إلخ”، وأيضًا نجد السيد المسيح له كل المجد بعد أن صنع العشاء الرباني سبح وخرج إلى جبل الزيتون، كما أن الرسل من بعده عاشوا حياة التسبيح كما وضح سفر الأعمال. وأضاف كيرلس: ومن خال معلمنا بولس الرسول نفهم طرق العبادة والتسبيح في العهد الجديد، وهذا نراه بوضوح في “أفسس ٥ :١٩”، عندما قال لهم “مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغان روحية. السهر الليلي وأوضح أن الكنيسة تأثرت أمثال السيد المسيح وتشبهًا بالعذارى الحكيمات أدخلت الكنيسة طقس “السهر الليلي”، وكانت الكنيسة تصلي القداس في المساء، لكن مع دخول طقس السهر الليلي في بدايات المسيحية ومنذ القرون الأولى، وبدأت سهرات التسبيح وتختتم بالقداس، فتم ترتيب مواعيد السهر الليلي تزامنًا مع أعياد الشهداء والقديسين والأعياد الكبرى "القيامة والميلاد والغطاس”. أما بالنسبة للتجمعات الرهبانية فكان طقس السهر والتسبيح يوميًا.
مؤلفو مدائح كيهك هناك الكثير من الأسماء مؤلفين مدائح كيهك ومن بينهم العلامة القمص عبد المسيح
المسعودى الكبير.ترجع مواليده إلي قرية الشيخ مسعود غربي طهطا وابن أخيه المرحوم القمص عبد المسيح صليب- ترهب في دير المحرق سنة 1835 م وهو ابن 17 سنة وفي سنة 1857 م انتقل إلى
دير البرموس مع بعض الرهبان كان بينهم الراهب بولس الدلجاوى الذي رسم أسقفاً للفيوم باسم الأنبا أفرآم )تنيح في 10 / 6/ 1914 م( وكان عالما بالكتب زاهدا وقد أقامه البابا كيرلس الخامس 112 أميناً على الدير في أبريل سنة 1878 م، وكان يدعى دائماً القمص عبدالمسيح صليب المسعودي الكبير تمييزاً له عن ابن أخيه القمص عبدالمسيح صليب المسعودي البراموسي. ولما كان بدير المحرق وضع مدائح كثيرة جداً لشهر كيهك تجدها مدونة كتاب التسبحة الكيهكية طبعة القمص عطا الله المحرقي- ولما كان أميناً للدير طلب لأسقفية أسيوط فاعتفى يقبلوا عذره ولم يرسم – وفي أواخر حياته توحد 15 سنة أحياناً داخل الدير وأحياناً في مغائر صنعها خارجاً إلى أن تنيح سنة 1923 وله 88 سنة وقد سلك في سيرته ابن أخيه المرحوم القمص عبد المسيح صليب المسعودي الصغير الذي كان عالما في اللاهوت وفي طقوس الكنيسة وفي حسابات أعياد الكنيسة وفي اللغات القبطية والحبشية واليونانية والعربية وألف كتباً كثيرة نفيسة جداً لم يسبقه فيها آخر. كما لم يسبقه آخر في جيله في الزهد والتقشف وإنكار الذات والتواضع.
ترهب في دير البرموس نفسه على يد عمه المسعودي الكبير في سنة 1874 م ورسم قساً في سنة 1875 م وقمصاً سنة 1890 م وانتقل إلى الرب في ديره في الصوم الكبير في 15 / 3/ 1935 م. مديح العذراء
قام بتأليف مدائح شهر كيهك أبوالسعد الأبوتيجي "الساحر التائب من مركز أبوتيج أسيوط" وعاش في القرن 17 الميلادي، كان ساحرًا عالمًا بأسرار السحر وخفاياه حتى أعلن توبته ولن يرجع للسحر مرة أخرى بعد ذلك عدل عن رأيه ورجع لممارسة السحر مرة أخري فأصيب بالشلل.
بعد ذلك تم شفاؤه ورجع إلى حضن الكنيسة وأصبح شماسًا بها وأخذ يؤلف مدائح كثيرة للعذراء مريم يمجدها فيها. ونظم مدائح العذراء والملاك ميخائيل، ومنها 9 قطع عربية لتسبحة عشية آحاد كيهك طبعت في كتاب "اللؤلؤة البهية في المدائح الروحية" سنة 1896 م. وأصبح من أوائل الشعراء الذين أدخلوا المدائح العربية الابصلمودية الكيهكية وألف مديح “يا ابنة داود وتسع قطع تفاسير عربي لقطع ثيؤطوكية السبت لتسبحة عشية الآحاد الكيهكية التي يقال فيها مرد “السلام لك يا أم الرحمة ونحن عبيدك جيرينا طوباكي يا ممتلئة نعمة عند إبنك الحبيب اشفعي فينا”.
أيضا القمص جرجس الشتراوي، من ناحية شترا مركز مغاغة كان معاصراً المعلم إبراهيم الجوهري والمتنيح "الراحل" أنبا بطرس ال 109 ألَّف بعض مدائح الثلاثة فتية القديسين )راجع الابصلمودية الكيهكية طبعة المرحوم اقلاديوس لبيب( وقام عدد كبير من المرتلين بتأليف الكثير من المدائح الكيهكية وكلهم من عهد قريب، ولا يفوتنا أن نذكر أستاذ الألحان كبير مرتلي الكنيسة المرقسية الذي خدم الكنيسة سبعة وستين عاماً وتخرج علي يديه جميع المرتلين القدامى الحاليين والذي شهد له أستاذ الموسيقى بجامعة أكسفورد الذي أخذ عنه الألحان وسجلها ونقلها إلى بلاده.
أما المعلم ميخائيل جرجس، فولد في 14 / 9/ 1873 م )وكان والده موظفا بالحكومة( و أصيب بالرمد وهو ابن 3 سنوات وفقد بصره وأرسله أبوه إلى كتاب “أبو السعد بالأزبكية” حيث كان يدرس المزامير والتسبحة واللغة القبطية والألحان ومن 1881 - 1885 م ألحق بالمدرسة الكبرى التي أنشأها الأنبا كيرلس الرابع ومن 1885 - 1891 مالتحق بالأزهر كمستمع فأجاد اللغة العربية. أتقن الألحان علي يد المعلم أرمانيوس والمعلم صليب ودرس الدين على يد الراحل القمص فيلوثاوس.
دخل الإكليريكية وعين مدرساً للألحان في 2/ 11 / 1893 م واهتم به البابا كيرلس الخامس الذي كان يجيد الألحان وأشرف علي تعليمه وكان من أكبر المشجعين له والذي لولاه لما وصل إلى ما وصل إليه من المعرفة بالألحان كما كان المشجع الأول للمرحوم الأرشيدياكون حبيب جرجس إذ أولاه عظيم اهتمامه ورعايته. ظل المرحوم المعلم ميخائيل يخدم كبيراً للمرتلين بالكنيسة المرقسية وفي الإكليريكية وفي معهد الدراسات القبطية وبإشرافه طبعت كتب كنسية كثيرة وتخرج على يديه جميع المرتلين القدامى.
حضر إليه العالم الموسيقى نيولاند سميث الأستاذ بجامعة أكسفورد وعنه سجل ألحانه. وإليه يرجع الفضل في الذخيرة الثمينة التي تركها للكنيسة. كان مثالاً للتقوى والتواضع والتضحية يجول من مكان إلى آخر يؤدي ألحانه لمن يريد. أخيراً رقد في الرب في صبيحة خميس العهد في 18 / 4/ 1957 م بعد أن خدم أكثرمن 67 عاماً.
أما الأنبا مرقس الثامن 108 ، فولد في بلدة طما في أواسط الجيل الثامن عشر ودعي يوحنا وترهب بدير أنطونيوس ورسم بطريركاً في كنيسة العذراء بحارة الروم 1797 م وفي أيامه نقل مركز البطريركية من حارة الروم إلى الدرب الواسع وكانت تقوى هذا البابا مقرونة بالعلم الصحيح وقد وضع جملة مواعظ ورسائل دينية منوعة كما قام بتأليف عدد كبير من المدائح الكيهكية مدونة بكتاب التسبحة الكيهكية.
وانتقل إلي الرب في سنة 1810 م وهو أول من دفن من البطاركة في الكنيسة البطريركية الصغرى بالدرب الواسع التي كرسها هو على اسم القديس استفانوس رئيس الشمامسة.