الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

استراتيجية اليابان الشاملة نقطة تحول رئيسية في سياستها الدفاعية

الجيش الياباني
الجيش الياباني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وصفت مجلة "ذا ديبلومات" الأمريكية، المتخصصة في الشئون الآسيوية، تصديق الحكومة اليابانية على ثلاث وثائق أمنية مهمة، الجمعة الماضية بأنه "نقطة تحول رئيسية" في سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان والتي دائما ما كان الدفاع هو محورها الرئيسي.
وأوضحت المجلة في تقرير لها أن موافقة مجلس الوزراء الياباني بقيادة رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، على الوثائق الأمنية الثلاث الرئيسية للبلاد، يعني أن اليابان في طريقها لتصبح "دولة طبيعية" مرة أخرى على المدى الطويل من خلال السماح بامتلاكها، وربما استخدامها للقدرات الهجومية لضرب قواعد صواريخ العدو في حالة وقوع هجوم مسلح على طوكيو.
وأشارت إلى أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان، إحدى الوثائق الأمنية الثلاث، تنص على أن طوكيو "تقع في وسط بيئة أمنية هي الأكثر قسوة وتعقيدا منذ الحرب العالمية الثانية.. وفي ظل رؤية حرية وانفتاح منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فمن المهم للغاية لأمن اليابان التعاون مع الحلفاء والدول ذات العقلية المماثلة لضمان السلام والاستقرار في المنطقة"، مثل: الولايات المتحدة وأستراليا والهند والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى دول أخرى.
وأشارت المجلة إلى أن الوثيقتين الأخيرتين هما استراتيجية الدفاع الوطني وبرنامج البناء الدفاعي، اللذين جرت الموافقة عليهما في الوقت نفسه مع استراتيجية الأمن القومي للمرة الأولى، لتشكل تلك الوثائق الثلاث معا استراتيجية اليابان الشاملة وسياستها وأهدافها الدفاعية، حيث توفر استراتيجية الأمن القومي أعلى مستوى من التوجيه الاستراتيجي للأمة في الشئون الدبلوماسية والدفاعية والأمن الاقتصادي والتكنولوجيا والأمن الإلكتروني والاستخبارات على مدار العقد المقبل، فيما تحدد استراتيجية الدفاع الوطني الأهداف الدفاعية وتقدم طرقًا ووسائل لتحقيقها، بينما يحدد برنامج البناء الدفاعي إجمالي نفقات الدفاع وحجم المشتريات للمعدات الرئيسية خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
ونوهت المجلة بأن برنامج البناء الدفاعي الجديد سيرفع ميزانية الإنفاق الدفاعي للبلاد إلى 43 تريليون ين (314 مليار دولار أمريكي) من السنة المالية 2023 إلى 2027، في زيادة بنسبة 56.5% من 27.47 تريليون ين في الخطة الخمسية الحالية (2019 إلى 2023)، مما سيرفع الإنفاق الدفاعي لليابان بحلول عام 2027 إلى مستوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي ليتوافق مع معايير حلف الناتو، كما سيسمح لليابان بالحصول على العديد من صواريخ المواجهة التي يمكن استخدامها لتوجيه ضربات مضادة، بما في ذلك صواريخ "توماهوك" أمريكية الصنع.
وترى"ذا ديبلومات" أن سبب سعي اليابان للحصول على مثل تلك القدرات المضادة، يرجع إلى تأكيد المسئولين الحكوميين في طوكيوعلى تطور قدرات الضربات الصاروخية في المنطقة من الناحيتين النوعية والكمية، وهو ما يدفع طوكيو إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الصاروخية بطبيعة الحال، حيث رأى المسئولون أنه إذا استمرت اليابان في الاعتماد فقط على الدفاعات الصاروخية الباليستية، سيصبح من الصعب عليها التعامل بشكل كامل مع التهديدات الصاروخية من خلال شبكة الدفاع الصاروخية الحالية.
ويشدد المسئولون الحكوميون اليابانيون أيضا على أن القدرة على الهجوم المضاد مسموح بها في الدستور الياباني السلمي والقانون الدولي، ولن تغير مفهوم السياسة الدفاعية اليابانية، كما أشاروا إلى أن أي قدرة هجومية لدى جيش بلادهم لن يتم استخدامها إلا في حالات معينة وتحت ثلاث شروط جديدة تم تضمينها في الاستراتيجية الأمنية، بجانب أنه لم يتم إجراء أي تغيير في حظر اليابان من شن الضربات الاستباقية.
وأوضحت المجلة أن الشروط الثلاثة لاستخدام طوكيو للصواريخ المضادة، هي: وجود تهديد بهجوم مسلح ضد اليابان أو دولة أجنبية تربطها علاقات وثيقة بطوكيو، إذا لم تكن هناك إجراءات مناسبة أخرى لردع التهديد، إذا كان استخدام القوة مقتصرا على الحد الأدنى الضروري.
وبحسب "ذا ديبلومات" فإن التركيز الأكبر في الوثائق الأمنية الثلاث انصب على كيفية التعامل مع الصين كقوة صاعدة، سواء كان دفاع اليابان عن نفسها في مواجهة الصعود العسكري السريع للصين، أو مقدار القدرة الدفاعية وميزانية الدفاع التي ستحتاجها اليابان لمواجهة الصين. 
وعلى الرغم من عدم ذكر هذه المسائل بشكل صريح في الوثائق، إلا أنها كانت واضحة، حيث جرى وصف الصين في الاستراتيجية الجديدة بأنها "التحدي الاستراتيجي الأكبر" لليابان، مقارنة بوصفها في الاستراتيجية القديمة عام 2013 بأنها "قضية تهم المجتمع الدولي".
ونبهت إلى أن اليابان تجنبت وصف الصين بأنها "تهديد" حتى في الوثائق المحدثة، مُرجعة ذلك إلى اعتبارات سياسية داخلية للحزب الليبرالي الحاكم، إلى جانب تأكيد رئيس الوزراء الياباني كيشيدا مرارا وتكرارا على ضرورة "بناء علاقات بناءة ومستقرة مع الصين"، بالإضافة إلى ذلك شدد مسئول كبير من أمانة مجلس الوزراء اليابانية على أن الحكومة بحاجة إلى النظر إلى الصين من وجهات نظر متعددة.
وأوضح المسئول، بحسب ما نقلت المجلة، أنه "بينما يجب على اليابان تطوير قدراتها الدفاعية من خلال مراقبة الأهداف الوطنية والاتجاهات والقدرات العسكرية للصين عن كثب، فإن بكين تظل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذلك نحن بحاجة إلى تشجيعهم على الانخراط بقوة في الإطار الدولي.. فعند النظر في جوانب مختلفة مثل الجوانب العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، ليس من الجيد ببساطة استخدام كلمة تهديد تجاه الصين".
وحذرت "ذا ديبلومات" من أن الازدواجية، مثل اعتبار بلد آخر أنه "تهديد" أو "ليس تهديدا" (على غرار الولايات المتحدة في وصفها للصين)، قد تؤدي إلى إثارة المواجهة وعدم الاستقرار، خاصة عندما تتشابك مع القضايا الإقليمية والتاريخية، وقد تدفع إلى زيادة القومية والوطنية في كل بلد وفقدان ضبط النفس.
لكن من ناحية أخرى فإن المواقف الغامضة (على غرار سياسة اليابان في التعامل مع الصين)، قد تُضعف الردع ضد البلدان الأخرى وقد يزيد من مخاطر الصراع، وفقا للمجلة كما يمكن أن تؤدي الإستراتيجية الغامضة إلى سوء فهم وصراعات غير متوقعة ما قد يتسبب في مواقف خطيرة.
وأكدت أنه على النقيض من ذلك، فإن الاستراتيجية الواضحة تنتشر بسهولة بين المؤسسات الوطنية وتعزز القدرة على تنفيذ السياسات، وتزيد من الشفافية الداخلية والخارجية، مشيرة إلى أن التساؤل حول كيفية تعامل اليابان مع الصين سيظل متداولا في اليابان، حيث ستستمر طوكيو في مواجهة هذا السؤال خلال العقد القادم.