لم يكن اعتداء جماعات الإسلام السياسي مقصورا على المناطق التي سيطروا عليها في ظل الانفلات الأمني والفوضى في بلاد مثل سوريا وليبيا والعراق ودول أفريقية فقيرة، بل امتد الاعتداء ليشمل الفكر واللغة العربية التي كانت ميدانا للتنافس الجمالي بين الشعراء والنثريين العرب قبل بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
«البوابة نيوز» في اليوم العالمي للغة العربية، تلقي الضوء على جناية الجماعات الإرهابية والمتطرفة على اللغة العربية وتحويلها من لغة للفن والذوق الرفيع والجمال وعلوم الطبيعة والفلسفة والفلك والطب إلى لغة تتسم بعبارات مسكوكة للعنف والقتل والذبح، وتحويلها إلى أداة في التحريض وإثارة عواطف الناس بالنبرات الخطابية، لتصبح لغة متسمة بميراث المتطرفين والإرهاب، حتى باتت أشهر المؤلفات في التنظير للتطرف صادرة باللغة العربية.
لغة ثرية تستوعب الاختلافات
من جانبه، أشاد الدكتور محمد عجيلة، أستاذ العلوم اللغوية وعميد كلية دار العلوم بجامعة الفيوم، بثراء اللغة العربية وقدرتها على استيعاب تراث مختلف الثقافات والديانات، فهي أولًا لغة القرآن الكريم، ومن أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدث بها ما يقرب من ٥٠٠ مليون فرد على مستوى العالم، يكتب ويتحدث بها المسيحيون ويقيمون بعض الشعائر بها، كما أن بعض الكتب والمؤلفات اليهودية دونت باللغة العربية.
وقال «عجيلة» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، إن اللغة العربية غنية على المستويات اللغوية كافة صوتيًا وصرفيًا ونحويًا ومعجميًا ودلاليًا، وهي لغة اشتقاقية بألفاظها وأفعالها ومصادرها، وتجمع بين الحقيقة والمجاز، ففيها الترادف والتضاد والمشترك اللفظي والتشبيه والاستعارة والكناية والسجع والجناس وغيرها من المصطلحات، كما أنها لغة قادرة على العطاء والتأثير والإقراض والاقتراض، ولها تأثير واضح في أغلب اللغات ومنها التركية والإنجليزية والفرنسية والإندونيسية والفارسية والعبرية والسواحيلية ولغة الهوسا وغيرها، فاللغة العربية لغة قوية صلبة متينة تتناسب مع متطلبات العصر ولديها القدرة على التجديد والتطوير، فهي لغة موسيقية في مبناها وفي معناها، وفي شكلها وفي مضمونها. وتابع أستاذ العلوم اللغوية، أنه من المبادرات الرائعة مبادرة «اتكلم عربي» التي جاءت برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لما لها من أثر واضح كبير في العناية والاهتمام باللغة العربية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعلميًا.
متطرفون يرفعون لواء الفصاحة
وحذَّر «عجيلة» من التباطؤ في مواجهة جناية الجماعات الإرهابية على اللغة العربية، بوصفه شيئًا خطيرًا ولافتًا للنظر، يحتاج إلى مزيد من البحث والدرس، حيث استعمال اللغة العربية الفصحى بألفاظها ومعانيها وتنغيمها الصوتي وجرسها الموسيقي في نشر أفكار غريبة متطرفة ومفاهيم مغلوطة ذات دلالات أيديولوجية إرهابية، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة من الذين يرفعون لواء الخطابة والفصاحة والبيان لنشر الأفكار الهدامة والآراء الخاطئة في كيان الشعب المصري العظيم، مستغلين اللغة العربية في السيطرة على عقول الشباب والرجال والنساء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وكذلك من خلال اللقاءات والمحاضرات والندوات والاجتماعات المختلفة، وذلك لنشر الأفكار الداعشية الإرهابية في ربوع المجتمع المصري وخصوصًا في المناطق الفقيرة من الريف المصري.
ولفت «عجيلة» إلى ضرورة التصدي لمثل هذه الظواهر الغريبة التي تقوم على تطويع العربية الفصيحة نطقًا وحوارًا ومناقشة وكتابة في نشر الفكر المتطرف في المدارس والمعاهد والجامعات وغيرها من المؤسسات المختلفة، فهناك فئة من الكتاب والدعاة والخطباء والمثقفين والمعلمين وغيرهم من المتطفلين على العربية الفصحى ينتهجون العربية منهجًا لتحطيم المجتمع فكريًا وعلميًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، واللغة العربية العظيمة بريئة من هؤلاء.
وطالب عميد دار العلوم، الدولة المصرية من خلال مؤسساتها المختلفة وفي مقدمتها الأزهر الشريف والأوقاف والإعلام المصري، أن تتخذ كل الإجراءات في محاربة الفكر المتطرف الإرهابي الذي يستعمل العربية الفصحى سلاحًا له في تخريب العقول وتشويه الهوية العربية والإسلامية، وأنه من الواجب الاهتمام باللغة نُطقًا وكتابة وأن نحرص على قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي الفصيح الموزون المقفى والنثر العربي الفصيح، وأن يكون للإعلام المقروء والمسموع والمرئي دور كبير في الاهتمام بالعربية، ويجب علينا الإكثار من عقد المؤتمرات والندوات التي تعنى بالعربية مع مكافأة المهتمين بها، مع تدوينها وكتابتها في كل ما يحيط بنا حتى نراها دوما في أعيننا صورة وفي قلوبنا وعقولنا مدونة محفوظة.
سياسة
عميد دار العلوم بالفيوم: بعض رافعى لواء الفصاحة والبيان يتعمدون نشر أفكار متطرفة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق