أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً حول "الصناديق السيادية والتنمية المستدامة" تناول من خلاله مفهوم ونشأة الصناديق السيادية والهدف منها لتحقيق التنمية المستدامة، كما تناول صندوق مصر السيادي، من حيث نشأته والهدف منه وجهوده، بالإضافة إلى أهم التجارب الدولية الناجحة للصناديق السيادية.
وأوضح التقرير أن الصناديق السيادية تُعتبر أحد أدوات التمويل المبتكر والتي ظهرت نتيجة سعي الدول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيقها لفوائض مالية، ورغبة هذه الدول في استثمار فوائضها المالية من أجل الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وتعود نشأة هذه الصناديق إلى عام 1953، عندما تم إنشاء صندوق الكويت السيادي بغرض استثمار إيرادات النفط، للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من نضوب الموارد، وتبعها صندوق معاشات التقاعد الحكومي بالنرويج عام 1990، ثم توالى بعد ذلك إنشاء الصناديق السيادية على مستوى العالم حتى بلغ عددهن نحو 172 صندوق سيادي حتى عام 2022.
وأشار التقرير إلى تنوع الصناديق السيادية وفقًا للهدف الأساسي من إنشائها، ومصادر تمويلها، حيث يتم تقسيم الهدف الأساسي لإنشاء الصناديق السيادية إلى 3 أقسام؛ صناديق الاستقرار، والتي تسعي إلى حماية الموازنة العامة والاقتصاد من تقلبات الأسعار، وصناديق الادخار والتي تهدف إلى تحويل الأرصدة غير المتجددة إلى محافظ أصول متنوعة، وصناديق التنمية وهي تسعى إلى تحفيز تمويل المشروعات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
وفيما يتعلق بتصنيف الصناديق السيادية وفقًا لمصادر تمويلها، فيتم تقسيمها كالآتي: صناديق المواد الأولية وتُمثل المواد الأولية مصدر دخلها مثل النفط والغاز، كما هو الحال في الصندوق الكويتي (KIA)، وصناديق فوائض المدفوعات الجارية، ويُمثل فائض ميزان المدفوعات، وفائض الاحتياطيات لدى البنك المركزي، وفائض الميزانية العامة للدولة مصدر دخل للصندوق، مثل صناديق الصين، وصناديق عوائد الخصخصة والممتلكات العامة والتي تُمثل عوائد تطبيق برنامج الخصخصة، وحصيلة بيع الممتلكات العامة، مثل صندوق مصر السيادي.
وسلط تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، الضوء على أهداف الصناديق السيادية والتي تتمثل في؛ تمويل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق النمو المستدام، وتحقيق أهداف استراتيجية سياسية واقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، وحماية الاقتصاد والموازنة العامة، كما تتمثل مميزات الصناديق السيادية بأنها تسعى إلى استثمار الفوائض المالية، وتختلف عن صناديق المعاشات العمومية في أن موارد صناديق المعاشات تأتي من اشتراكات الأفراد بهدف تمويل معاشات الأجيال القادمة، كما تختلف الصناديق السيادية عن المؤسسات في أن المؤسسات تخضع للقانون التجاري، وتهدف بالأساس إلى تقديم السلع والخدمات، وفي المقابل تعد الوظيفة الأساسية للصناديق السيادية استثمار الأصول المالية.
وأشار التقرير إلى إطلاق الجمعية العامة للأمم المتحدة أجندة أممية للتنمية، التزمت من خلالها كل دول العالم الأعضاء في المنظمة الدولية بتحقيق نحو 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، ومع ذلك تواجه هذه الدول نقصًا بالغًا في الموارد المالية المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، كما تفاقمت المشكلة نتيجة لتداعيات كوفيد 19، والأزمة الروسية الأوكرانية، وقد قُدر حجم الفجوة التمويلية للدول منخفضة الدخل والدول ذات الدخل المتوسط الأدنى نحو 500 مليار دولار أمريكي سنويًّا، وعليه تُسهم الصناديق السيادية في التغلب على نقص الاستثمارات طويلة الأجل، وبالتالي تعتبر صناديق الثروة السيادية مصدرًا رئيسًا لرأس المال ولديها القدرة على الاستثمار في المدى الطويل في القطاعات التي تحتاج هذه الاستثمارات، ومع ذلك، هناك عدد من المشكلات التي تعوق تدفق رأس المال إلى قطاعات التنمية المستدامة، وتتمثل أبرزها في كيفية إنشاء الصناديق والعمليات المتضمنة في إجراء الاستثمارات.
وأوضح التقرير أن عدد الصناديق السيادية حول العالم بلغ نحو 172 صندوقًا في 87 دولة، وذلك حتى عام 2022، وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم تستحوذ على صناديق سيادية بنحو 23 صندوقًا، تليها الإمارات العربية المتحدة بنحو 10 صناديق سيادية، ثم الصين بعدد 6 صناديق سيادية، وأستراليا 5 صناديق، وكندا 4 صناديق، والسعودية والكويت وروسيا بعدد 2 صندوق بكل دولة منهم، فيما تمتلك مصر صندوقًا سياديًّا واحدًا.
وأوضحت مؤسسة Global Sovereign Wealth Fund (SWF) في تقريرها السنوي لعام 2022 أن حجم استثمارات الصناديق السيادية على مستوى العالم قد سجل نحو 10.5 تريليونات دولار أمريكي في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 17.7 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
وذكر التقرير أن حجم استثمارات صناديق الثروة السيادية شهد ارتفاعًا بنسبة 6٪ على أساس سنوي في عام 2021، وتجاوز حاجز الـ 10 تريليونات دولار أمريكي لأول مرة في التاريخ، ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار الأسهم، وانتعاش أسعار النفط، والتي أدت إلى التوسع في استثمارات صناديق الثروة السيادية عالميًّا. وقد جاء صندوق التقاعد النرويجي في المركز الأول بين الصناديق السيادية وفقًا لحجم الاستثمارات، والتي بلغت نحو 1,332 تريليون دولار أمريكي، تليه شركة الصين للاستثمار بحجم استثمارات بلغت نحو 1,222 تريليون دولار أمريكي، وفي المركز الثالث جاء جهاز أبو ظبي للاستثمار بحجم استثمارات بلغت نحو 829 مليار دولار أمريكي.
واستحوذ قطاع التكنولوجيا على النصيب الأكبر من الاستثمارات التي تم توجيهها من قِبل الصناديق السيادية، وذلك بنحو 22% في عام 2021، مقارنة بنحو 10% في عام 2016، يليه قطاع العقارات بنحو 18% في عام 2021، مقابل نحو 27% في عام 2016، ثم قطاع البنية التحتية بنحو 15% في عام 2021، مقابل نحو 24% في عام 2016.
وعلى مستوى الوطن العربي، جاء جهاز أبو ظبي للاستثمار في المركز الأول بين الصناديق السيادية العربية بحجم استثمارات بلغ نحو 829 مليار دولار في عام 2021، تليه الهيئة العامة للاستثمارات الكويتية بحجم استثمارات بلغ نحو 693 مليار دولار في عام 2021، ثم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بحجم استثمارات بلغ نحو 480 مليار دولار، وجاء صندوق مصر السيادي في المركز الرابع عشر عربيًّا بحجم استثمارات بلغ نحو 11 مليار دولار.
وسلط التقرير الضوء على صندوق مصر السيادي والذي أنشئ بغرض خلق ثروات للأجيال القادمة من خلال تعظيم العائد من الأصول غير المستغلة للدولة، وجذب المستثمرين من الداخل والخارج، بالإضافة إلى الاستثمار في القطاعات الهامة مثل توطين وتعميق الصناعة والتحول الرقمي وخلق كيانات رائدة في شتى المجالات، كما يُعد الشريك الأمثل للقطاع الخاص، نظرًا لأن لديه قانوناً خاصاً به، والذي يمنحه المرونة في الاستثمار دون التقيد باللوائح الحكومية، كما يساعد الصندوق على تسهيل الإجراءات الحكومية والحصول على التراخيص اللازمة.
وأشار التقرير إلى أن أولويات خطة صندوق مصر السيادي الاستثمارية تتمثل في تعظيم العوائد من أصول الدولة من خلال إدارة تلك الأصول وتطويرها، وتوطين الصناعات والتكنولوجيا، كما يُعد جذب المستثمرين الأجانب أو المحليين من أهم أولويات تلك الخطة، وبالفعل نجح الصندوق في جذب مستثمرين وشركاء من الداخل والخارج، وتم توقيع عدة اتفاقيات للدخول في شراكات متعددة، وشهدت الدولة بداية انطلاق النشاط الاستثماري للصندوق، مع عقد الشراكات الاستثمارية على كافة المستويات، سواء المحلية أو العربية أو الدولية، وذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية الكبيرة، والتي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة.
كما تمت الإشارة إلى إنشاء خمسة صناديق فرعية لصندوق مصر السيادي، وتتمثل في؛ صندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري، وصندوق مصر الفرعي للمرافق والبنية الأساسية، وصندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية، وصندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية، وصندوق مصر الفرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي، وصندوق مصر الفرعي لإدارة وإعادة هيكلة الأصول ذات الإصدارات المتعددة.
وأبرز التقرير جهود صندوق مصر السيادي والتي تمثلت في نجاحه تنفيذ ١٠ مشروعات خلال عام ٢٠٢١ بإجمالي استثمارات بلغت 25.5 مليار جنيه، وقد بلغت حصة الصندوق منها نحو 3.9 مليارات جنيه، وحصة القطاع الخاص المحلي نحو 6.1 مليارات جنيه، وحصة القطاع الخاص الأجنبي نحو 15.4 مليار جنيه، كما قام الصندوق بالعديد من الأنشطة في عدد من القطاعات كالسياحة بهدف تعظيم أعداد السائحين الوافدين إلى مصر، والتعليم من خلال الاستثمار في صندوق التعليم الذي يسعي لتقديم تعليم متميز للطبقة المتوسطة، والخدمات الصحية عن طريق الاستثمار في مختلف المستشفيات العامة والمتخصصة، والابتكار والخدمات المالية والتحول الرقمي، والمرافق والبنية الأساسية المتمثلة في محطات تحلية المياه ومحطات الرياح لتوليد الكهرباء، وقطاع اللوجستيات، والتوسع في مراكز البيانات والسلاسل اللوجستية لخدمة التجارة الإلكترونية.
ومن المتوقع أن يستمر الصندوق في تحقيق المزيد من النجاحات في ظل تعدد المشروعات الجاري دراستها خلال السنوات الخمس المقبلة؛ حيث يوجد لديه 44 مشروعًا جارٍ دراستها في 7 قطاعات مختلقة بإجمالي قيمة استثمارات تبلغ نحو 140 مليار جنيه، وتبلغ حصة الصندوق المستهدفة من هذه المشروعات نحو 31.8 مليار جنيه، كما يدعم خطة الدولة المصرية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال تعاونه مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة والهيئة العامة لقناة السويس وبعض الشركات العالمية المتخصصة؛ لتنفيذ مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما يعزز مساعي الدولة المصرية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة الخضراء بما يتسق مع أهداف رؤية مصر ٢٠٣٠، كما استطاع صندوق مصر السيادي أن يرسخ مكانته كشريك استثماري متميز من خلال تعاونه مع مؤسسات دولية، حيث انضم الصندوق إلى عدة تحالفات وتكتلات دولية رغم حداثته وصغر حجم رأس ماله مقارنة بالصناديق السيادية العالمية الأخرى، حيث يعد الصندوق عضواً في المنتدى العالمي لصناديق الثروة السيادية مما يعكس ثقل مصر الاقتصادي والسياسي عالميًّا، ويفتح مجالات استثمار وشراكات جديدة، ويُعزِّز من حوكمة ومصداقية الصندوق كمستثمر.
وتطرق التقرير إلى إبراز عدد من التجارب الدولية الناجحة في التعامل مع الصناديق السيادية، ومنها؛ "النرويج" وقد جاء صندوق التقاعد الحكومي لها في المركز الأول بحجم استثمارات بلغ نحو 1.332 مليار دولار أمريكي خلال عام 2022، وقد استحوذ قطاع الأسهم على النصيب الأكبر من استثمارات صندوق التقاعد الحكومي بالنرويج بنحو 68.5% بنهاية النصف الأول من عام 2022، يليه السندات بنحو 28.3%، وجاءت العقارات في المركز الثالث بنحو 3%، وفي المركز الرابع والأخير حصل قطاع الطاقة المتجددة على نصيب بلغ 0.1%.
أما "الصين" فقد أتت مؤسسة الاستثمار الصينية في المركز الثاني بين الصناديق السيادية عالميًّا بحجم استثمارات بلغت نحو 1.222 مليار دولار أمريكي، وقد تم تأسيس مؤسسة الاستثمارات الصينية (CIC) في 29 سبتمبر 2007 كصندوق ثروة سيادي صيني تم تأسيسه وفقًا لقانون الشركات الصيني، برأس مال مسجل قدره 200 مليار دولار، وقد تم تأسيس الشركة بهدف تنويع حيازات العملات الأجنبية في الصين، وتحقيق أقصى عوائد لمساهميها في حدود تحمل المخاطر المقبولة.
وفي الإمارات، جاء جهاز أبو ظبي للاستثمار في المركز الثالث بين الصناديق السيادية عالميًّا بحجم استثمارات بلغ نحو 829 مليار دولار أمريكي، وقد تم تأسيس جهاز أبو ظبي للاستثمار عام 1976 كمؤسسة استثمارية عالمية ذات أصول متنوعة تعمل على استثمار الموارد المالية نيابة عن حكومة أبو ظبي عبر منهجية محكمة، ومن خلال استراتيجية تركز على تحقيق العائدات على المدى الطويل، ويمتلك الجهاز محفظة متنوعة للغاية تغطي مناطق جغرافية متعددة وفئات وأنواع مختلفة من الأصول؛ مما يمكّنه من تحقيق عائدات ثابتة وطويلة الأجل خلال دورات الأسواق، ويوزع الصندوق استثماراته على عدة مناطق، وقد استحوذت أمريكا الشمالية على نسبة تتراوح بين (35%-50%) من إجمالي الاستثمارات، تليها أوروبا بنسبة (20% - 35%)، ثم الأسواق الناشئة (15% - 25%)، وأخيرًا آسيا المتقدمة (5% - 15%).
فيما يأتي صندوق الاستثمارات العامة السعودي في المركز الثامن بين الصناديق السيادية عالميًّا بحجم استثمارات بلغ نحو 480 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ويعمل الصندوق على تحقيق مستهدفات رؤية 2030، واتخذ عدة آليات ممنهجة، أسهمت في خلق العديد من القطاعات الواعدة، وخلق فرص عمل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة محافظ استثمارية رائدة ترتكز بالأساس على الاستثمار على المستوى المحلي والدولي؛ نظرًا لأنه أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، حيث تمكن الصندوق من إنشاء 55 شركة في 13 قطاعًا استراتيجيًّا، واستحداث أكثر من 500 ألف وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر، وبلغ حجم الأصول تحت إدارة الصندوق نحو 2.3 تريليون ريال بنهاية الربع الأول من عام 2022.
واستطاع الصندوق أن يطور ست محافظ استثمارية؛ منها: أربع محافظ محلية، واثنتان عالميتان. وتتمثل هذه المحافظ في كل من: محفظة الاستثمارات العالمية المتنوعة، ومحفظة الاستثمارات العالمية الاستراتيجية، ومحفظة المشاريع السعودية الكبرى، ومحفظة الاستثمارات في المشاريع العقارية ومشاريع تطوير البنية التحتية السعودية، ومحفظة الاستثمارات الهادفة إلى القطاعات الواعدة وتنميتها، ومحفظة الاستثمارات في الشركات السعودية.
وتتمثل مصادر تمويل الصندوق في ضخ رؤوس الأموال من الحكومة، والأصول الحكومية المحوَّلة إلى صندوق الاستثمارات العامة، والقروض وأدوات الدين، والأرباح المحتجزة من الاستثمارات.