الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

القمة العربية الصينية.. ترسيخ للصداقة واستشراق للمستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يأتي انعقاد القمة التاريخية العربية الصينية في الرياض بالمملكة العربية السعودية بحضور الزعيم الصيني "شي جين بينج" مع قادة الدول العربية الخليجية ليمثل حدثًا سياسيًا كبيرًا سوف يلقى بظلاله وتأثيراته على شعوب العالم أجمع، وفي نفس الوقت يبشّر بميلاد شراكة استراتيجية شاملة تؤسس لبناء مجتمع العيش والمصير المشترك بين الصين العرب. 
حيث يأتي انعقاد هذا المؤتمر بعد القمة العربية الأمريكية التي عُقدت في شهر يوليو الماضي التي مُنيت بالفشل الذريع في تحقيق أهدافها سواء فيما يتعلق بأمن الطاقة وتوسيع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل وتجييش الشرق الأوسط في تحالف ضد إيران حيث لم تحصل أمريكا على ما تريده، ولم تجد من العرب أذان صاغية، بل على العكس جاء ليبرهن أن لحظة الحقيقة قد حانت بعد غياب طويل، وأن أمريكا لم تسهم في أزمات المنطقة بشكل إيجابي على الأقل: لذلك أعتقد أن انعقاد هذا المؤتمر هو بمثابة صحوة عربية في السياسة الدولية؛ حيث استفاق العرب بعد غفلة من الزمن هذه المنطقة هي منطقة النفوذ الأمريكي والغربي حيث تأكد العرب أن مؤتمر القمة العربية الصينية هو نقطة تحول في المنطقة العربية يجب استثمارها جيدا للتخلص من الوصاية الأمريكية إلى وضع أكثر توازنا يعتمد على حسابات المصالح الحيوية للمنطقة العربية بدلا من الاستمرار في المراهنة الخاسرة على جدوى، وأهمية الدور الأمريكي المتراجع عالميا والاعتماد عليه في حماية أمن الخليج من التهديد الإيراني حيث ثبت بالدليل القاطع أن هذا النهج ما هو إلا نوع من الحرب النفسية لتخفيف الضغط الإسرائيلي على صانع القرار في البيت الأبيض واضعًا نصب عينيه على أصوات الناخبين اليهود الأمريكان، وبالتالي فإن إدراك القادة العرب أن السياسة الأمريكية هي سياسة مراوغة أشبه ما تكون بالسراب الخادع الذي لا جدوى منه في الدوران في فلكه فلا الإرهاب اختفى ولا الفوضى الخلاقة توقفت، ولا الصراع العربي الإسرائيلي وجد طريقا للحل بعد مرور 70 عامًا على بداياته. 
لذلك اعتقد أن انعقاد هذه القمة جاء للتعامل بواقعية مع تضاريس هذه المنطقة التي تمثل قلب العالم وليثبت أن النظام العالمي وميزان القوة العالمي الآن ليس صالح الغرب وأن قوة التنين الصيني العملاقة هي العامل الموازن أو رمانة الميزان للقوة الأمريكية وأن قدرة المنطقة العربية الخليجية على تحسين موقفها في مواجهة الغرب لن يتحقق بدون روابط قوية مع التنين الصيني بشكل خاص. 
فالتعاون العربي الصيني ليس وليد اللحظة، ولكن جذوره ضاربة في جذور التاريخ حيث بدأ بالتجارة عبر طريق الحرير ليشهد موجات مد وجزر عبر الأزمنة المختلفة وليشهد تفعيلا آخر من نهاية الخمسينيات حتى بداية ثمانينات القرن العشرين حيث كان الزخم السياسي للعلاقات الصينية العربية واضحا وكان ذلك ينسجم مع طبيعة النظام الدولي آنذاك وخطوط التحالفات والإيدلوجيات السائدة أفكار التحرر الوطني خاصة في قارتي آسيا أفريقيا والعزلة التي حالت أمريكا فرضها على الصين الجديدة عند تأسيسها عام 1949م. 
فكان الدعم السياسي المتبادل ركيزة أساسية للعلاقات بين الصين والدول العربية، قبل أن يغادر القرن العشرون بات الاقتصاد يلعب دورا متزايدا في العلاقات الصينية العربية حيث أظهرت بيانات وزارة التجارة الصينية عام 2022م أن التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وصل إلى 300 مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها بلغت 30% سنويا. 
إن حجم الواردات من الدول العربية 146 مليار دولار أمريكي وصادرات الصين إلى الدول العربية 120 مليار دولار أمريكي، وأن الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية بأكملها بلغت مليارًا و24 مليون دولار بزيادة سنوية عن عام 2019م تبلغ نسبتها 18.4%. 
فإنعقاد القمة العربية الصينية يعكس المستوى الرفيع الذي وصلت إليه العلاقات العربية الصينية كما يعكس المساندة والتضامن الذي فرضته الظروف الدولية شديدة التعقيد على الجانبين. 
فكل الدول العربية ترحب بالتعاون مع الصين وأن كل الدول قد انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الزعيم الصيني عام 2013م حيث جاءت المبادرة مشروعا مقبولا تقدمه الصين من أجل تحسين أداء الاقتصاد العالمي، وكحل مبتكر للعديد من القضايا العالمية مثل انتكاس العولمة وتغيير المناخ والهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب. 
وأن نجاح الصين في تجربة الإصلاح والانفتاح والنهضة التنموية التي حدثت أصبحت ملهمة لكل الدول العربية لتحذو حذوها، كما أن انعقاد هذا المؤتمر يبرهن على أن الصين قد إنتقلت في سياستها الخارجية من سياسة خارجية تتسم بالجذر وذات بُعد إقليمي إلى سياسة شاملة متعددة المحاور والارتكازات. 
وبناء عليه فأعتقد أن العرب أمامهم فرصة تاريخية للاستفادة من الصين في تطوير بنياتها التحتية وجذب مزيد من الاستثمارات الصينية إلى القطاعات الحيوية مثل الزراعة ومكافحة الفيروسات وتوطين الصناعة والتكنولوجيا توليد الطاقة والفضاء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الرقمية.
فالصين عندها العلاج الناجح لكل مشاكل المنطقة، فعلينا أن نستثمر هذه الفرصة الذهبية ونحن مطمئنون لأن كلا الجانبين يحترم الآخر؛ حيث تجمعهم الثقافة الشرقية في بوتقة واحدة وهي ثقافة السلام والاستقرار والازدهار والمصير المشترك. 
وكلنا أمل أن تحقق هذه القمة ما تصبوا إليه الشعوب من تعاون مثمر بين الصين والدول العربية.