السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

تامر أفندي يواصل حلقات السلطنة مع أم كلثوم «3»| كوكب الشرق ومرسي جميل عزيز وبليغ و«إيقاف عقارب ساعة الحب»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يا حبيبة الملايين وكل معنى كريم يا أم كلثوم.. أيها الصوت من السماء.. إن الشعب الذي يُصغي إليك بحواسه كلها مكبوت، وعندك يجد متنفسًا.. إنه ليس أمام مُغنية ولكنه يعتقد بإحساسه أنك قيثارة الله.

أيها الصوت من السماء، لقد كانت الشهور العربية حتى ظهورك بيننا تتيه باستهلالها مع بزوغ الهلال في السماء، فإذا بالشهور الأخرى تنافسها بسطوع بدر باهر السناء..


حسبنا من زماننا عذب نشيدك
وحسبنا من دنيانا حلو تغريدك
أيها الصوت من السماء 
لا حرمناك تترسل بيننا لحنا لحنا


في الحقيقة لقد تعودت أن أكتب مقدمات لأي حلقات أشرع في كتابتها، لكنني لم أجد أجمل من هذه الكلمات لأبدأ بها حلقة جديدة من حلقات السلطنة، وتعجبت كثيرًا أن هذه الكلمات كانت بين خطاب أرسلته إحدى الطالبات إلى سيدة الغناء العربي، وفكرت مليًّا في هذا العصر فلا عجب أن يأخذ الحنين والزهو به فلك أن تتخيل كيف كانت مصر حينها، حين تكتب فتاة جامعية رسالة بهذه العذوبة إلى كوكب الشرق، ليس أنا وحدي الذي وقعت في غرام سطور الرسالة ولكن أم كلثوم نفسها حينما قرأت هذه الرسالة قالت: «لقد كتب لي وعني كتاب وشعراء وخطباء، ولكن كلاما كهذا لم اسمعه أو أقرأه من قبل». 
هذه الطالبة الجامعية التي كانت أول طالبة تحصل على المركز الأول على مستوى مصر في امتحانات التوجيهية هي القيمة والقامة ابنة النيل صاحبة المواقف د. نعمات أحمد فؤاد، التي كبرت على حب أم كلثوم وجمعت أقصوصات عشقها في أعمال عنها كان أبرزها «أم كلثوم وعصر الفن» وسيكون لنا حديثا مفصلا عنها فيما بعد، أما الآن فنعود إلى شدو جديد مع أم كلثوم وفات الميعاد وآخر شعراء كوكب الشرق.

 

مزاج المؤشر على «فات الميعاد»

في الواقع ليس هناك ترتيب تاريخي في ذهني لحلقات السلطنة وخاصة لأم كلثوم، لكني أبدأ البحث والقراءة والكتابة حسب مؤشر الإذاعة وحكم المزاج، فلا يجوز وليس من المقبول التقيد بروتين كتابة أو تسلسل أحداث وأنا أكتب عن طبيبة الأمزجة، وقد دلنا "المزاج" هذه الحلقة على آخر الشعراء لحاقا بموكب سلطانة الطرب وهو الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز، الذي كتب لأم كلثوم ثلاثة أغنيات وهي: سيرة الحب وفات الميعاد وألف ليلة وليلة والثلاثة من تلحين العبقري بليغ حمدي، ونتحدث في هذه الحلقة عن «فات الميعاد» التي غنتها أم كلثوم 2 فبراير 1976:


فات الميعاد وبقينا بعاد
والنار بقت دخان ورماد
تفيد بإيه يا ندم 
وتعمل إيه يا عتاب
طالت ليالي الألم
واتفرقوا الأحباب 
وكفاية بقى تعذيب وشقا 
ودموع في فراق 
ودموع في لقا


ويقول د. حنفي المحلاوي في كتابه "شعراء أم كلثوم" عن هذه الكلمات: «إنني أكاد أجزم وفق تصور خاص لما أكتبه، أن هذه الأغنية العاطفية، التي تحدث فيها مرسي جميل عزيز عن الفراق والنارد والدخان وعن الندم وفوات المواعيد، كان يستشعر من خلالها بأحاسيسه بعض ومضات المستقبل المظلم الذي أهل علينا بالهزيمة بعد شهرين فقط من «فات الميعاد».
ووفقا لخبر انفردت به مجلة الكواكب حينها جاء تحت عنوان "أم كلثوم دفعت ألف جنيه ثمنًا لهذه الأغنية" كشف كواليس تحضير كوكب الشرق لأغنية فات الميعاد، وأوضح الموضوع أن مؤلف الأغنية تقاضى 1000 جنيها من السيدة أم كلثوم وهو أعلى أجر لمؤلف فى تاريخ الأغنية العربية فى ذلك الوقت.
ويعتبر هذا المبلغ أعلى مبلغ تقاضاه مؤلف غنائى فى تاريخ الأغنية العربية كلها. يعتبر هذا الرقم أيضا رقما قياسيا بالنسبة لمرسى جميل عزيز نفسه. أول أجر تقاضاه مرسى هو ثلاثة جنيهات وكان ذلك عن أغنية كتبها سنة 1939.
بمجرد سماع بليغ حمدي كلمات "فات الميعاد" من مرسي جميل عزيز، اعتكف لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة لتلحينها، ولم يقطع خلوته هذه سوى اتصالاته مع أم كلثوم ليطمئنها على مسار التلحين، وحينما انتهى من اللحن اتصل بعازف «القانون» محمد صالح، قائد فرقة أم كلثوم حتى تستعد الفرقة بمجرد كتابة النوتة الموسيقية.

لم تنقطع اللقاءات بين أم كلثوم وبليغ حمدي فبعد ساعات طويلة في الأستديو للتدريب مع الفرقة الموسيقية لإجراء البروفات يذهبان إلى فيلتها ليغني لها بعض المقاطع التي ترغب في أن تغنيها معه حتى فوجئت بحسن غناه للكلمات وأعجبت بصوته لتمتد اللقاءات حتى الليل لتستوعب غناء المقاطع بالكامل.
أما المفاجأة التى أذهلت أم كلثوم فكانت فى مقدمة اللحن، قبل الدخول فى الغناء، حيث استعان بليغ بعازف الساكسفون الفنان سمير سرور، الذى ظهر لأول مرة خلف أم كلثوم وأبهر الحاضرين بأدائه لهذه الآلة الجديدة فى ذلك الوقت.
وليس هناك وصف صادفني لمرسي جميل عزيز أدق من ذلك الذي كتبه الدكتور محمد الجوادي، المفكر العربي الذي جمع بين الطب والأدب حين قال: «إن مرسي جميل عزيز يمثل، في رأينا، المتوسط الرياضي لأحمد رامي وبيرم التونسي، والحقيقة أن هذا الشاعر الملهم قد قدم في نصوص أغنياته الثلاث التي لحنها بليغ حمدي لأم كلثوم كثيرًا من المعاني التي وصفناها ونكرر وصفها بأنها تعبر عن الصورة وتعدد ملامحها وزواياها».
أما عن الموسيقى فقد قد بليغ في «فات الميعاد» مفاجآت كثيرة منها تقديم المقدمة الموسيقية صولو ويشترك فى إيقاعها التمباتى والبونجز، ثم الإيقاع قاع مع القانون وإدخال آلة موسيقية جديدة مع فرقة أم كلثوم الموسيقية وهى الساكسفون الذى عزف عليه سمير سرور.


ياما كنت أتمنى قابلك بابتسامة
أو بنظرة حب أو كلمة ملامة
بس أنا نسيت الابتسام
زي ما نسيت الآلام
والزمن بينسي حزن وفرح ياما
إن كان على الحب القديم
إن كان على الجرح الأليم
ستائر النسيان
نزلت بقالها زمان
إن كان على الحب القديم وأساه
انا نسيتوا انا
يا ريت كمان تنساه


في النهاية أقول أنني عندما سمعت هذه الأغنية أدركت أن أم كلثوم ومرسي جميل عزيز وبليغ أوقفوا عقارب ساعات الحب إذ أن الأغنية لم تنته إلى لقاء وصفح بعد لوم وعتاب وإنما كان نهايتها نسيان وفراق.. فات الميعاد.