ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن الزعماء الأفارقة يتوجهون إلى واشنطن لحضور قمة كبرى يستضيفها الرئيس جو بايدن -وهي أحدث حملة دبلوماسية من قبل قوة أجنبية عظمى تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع إفريقيا، وهي القارة التي نما نفوذها الجيوسياسي بشكل كبير خلال العقد الماضي.
وقالت الصحيفة -في تقرير عبر موقعها الإليكتروني اليوم /الثلاثاء/- إن دائرة الصراع الدولي على المصالح العسكرية والتجارية والدبلوماسية في إفريقيا -التي هيمنت عليها الصين لفترة طويلة- قد اتسعت، في السنوات الأخيرة لتشمل قوى أخرى مثل روسيا وتركيا.
ويرى المحللون أن الولايات المتحدة غالبا ما تتخلف في هذه المنافسة الشديدة -وهو التراجع الذي تأمل إدارة بايدن في عكس مساره مع قمة القادة الأمريكية-الأفريقية التي تبدأ اليوم.
وتعليقا على ذلك نسبت الصحيفة إلى مسؤولي البيت الأبيض قولهم إن الاجتماع الذي يستمر ثلاثة أيام سيتضمن اجتماعات رفيعة المستوى وإطلاق مبادرات جديدة وصفقات تجارية وحفل عشاء في البيت الأبيض. لكن الزعماء الأفارقة اعتادوا على أن يتودد لهم الأجانب، وأصبحت واشنطن المحطة الأولى لما أصبح دائرة عالمية لقمم إفريقيا التي تعقدها الصين وروسيا وتركيا وفرنسا واليابان والاتحاد الأوروبي.
وطرحت الصحيفة تساؤلا قائلة، بينما تهبط طائرات أكثر من 40 رئيس دولة أفريقية إلى واشنطن، يلوح في الأفق سؤال: ما الذي يمكن أن يقدمه بايدن كما يريدون؟
ونقلت الصحيفة عن موريثي موتيجا، وهي مديرة قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية قولها: "لقد اعتادت الولايات المتحدة على النظر إلى إفريقيا على أنها مشكلة يتعين حلها.. لكن منافسيها ينظرون إلى إفريقيا على أنها مكان للفرص، وهذا هو سبب تقدمهم.. ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا المؤتمر سيغير ذلك".
من جانبه قال ماكي سال رئيس السنغال، ورئيس الاتحاد الأفريقي، إنهم -قبل كل شيء- يريدون أن تكون أصواتهم مسموعة.
وأضاف في مقابلة في داكار يوم الخميس الماضي: "عندما نتحدث، غالبا ما لا يتم الاستماع إلينا أو على أي حال، ليس بما يكفي من الاهتمام.. هذا ما نريد تغييره. وألا يقول أحد لنا، لا تعمل مع فلان، فقط اعمل معنا.. نريد العمل والتعامل مع الجميع".
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن الكثير قد تغير منذ عقد القمة الأمريكية الأفريقية الأولى، التي استضافها الرئيس باراك أوباما في عام 2014، فقد استمرت التجارة الصينية مع إفريقيا في النمو -حيث سجلت رقما قياسيا العام الماضي بلغ 261 مليار دولار - وكذلك ديون الدول الأفريقية المستحقة للصين، وفي المقابل، تضاءلت التجارة الأمريكية مع إفريقيا إلى 64 مليار دولار - بما يمثل مجرد 1.1 في المائة من التجارة العالمية للولايات المتحدة.
كذلك برزت روسيا كأكبر تاجر أسلحة في القارة وأصبحت قوة عبر رقعة من القارة، في حين قامت تركيا ببناء العشرات من السفارات الجديدة، وكانت الشركات التركية في حالة اندفاع حيث قامت ببناء المطارات والمساجد والمستشفيات والملاعب الرياضية حتى في مناطق الصراع غير المتوقعة مثل الصومال.
ونوهت الصحيفة بأن القضايا التي أعاقت تقدم أفريقيا لفترة طويلة ما زالت قائمة، بما في ذلك الفقر والصراع والمجاعات المهددة والفساد. لكن القارة تتمتع أيضا بالعديد من نقاط القوة الجديدة التي تجذب القوى الأجنبية.
فمع انخفاض معدلات المواليد في أماكن أخرى، بات من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا بحلول عام 2050، عندها ستمثل القارة السمراء ربع سكان العالم ويحتمل أن تكون سوقا ضخمة وقتها. وستكون هناك حاجة لاحتياطيات إفريقيا الضخمة من المعادن النادرة لتشغيل السيارات الكهربائية في المستقبل.
ومن بين هذه النقاط أيضا الغابات الشاسعة التي تزخر بها في إفريقيا، وهي من بين أكبر بالوعات الكربون في العالم كما أن بصمتها الثقافية آخذة في التوسع.
أما موسيقى أفروبيتس النيجيرية، تحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، وتنمو صناعة الأفلام فيها، في حين برز قطاع تكنولوجي مزدهر في بلدان مثل كينيا كمصدر للابتكار والمواهب البرمجية الرخيصة.
ورأت الصحيفة أن هذه القوة الجديدة قد غيرت من طابع علاقة أفريقيا مع الدول الغربية الثرية. إذ يؤكد المسؤولون الأمريكيون هذه الأيام، الشراكة والمصالح والقيم المشتركة مع أفريقيا.. واستشهدت الصحيفة في ذلك بما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في أغسطس الماضي، بأن إفريقيا باتت "قوة جيوسياسية رئيسية.. وقد شكلت ماضينا وتشكل حاضرنا ومستقبلنا".
وأشارت إلى أن الأمر الأقل وضوحا هو ما إذا كانت قمة هذا الأسبوع ستتماشى مع هذا الخطاب المتصاعد.
وفي سلسلة من الإحاطات، قال المسؤولون الأمريكيون إن القمة ستضم سلسلة من الصفقات التجارية بين الشركات الأفريقية والأمريكية ومبادرة لتعزيز "الاقتصاد الرقمي" للقارة.. وسيعلن الرئيس بايدن الدعم الأمريكي لمقعد الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، وكذلك لصالح تمثيل أفريقي أكبر في المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي.
وستكون هناك مبادرات للاستفادة من الشتات الأفريقي للحصول على أفكار جديدة في التعليم العالي والصناعات الإبداعية والبيئة وللتعاون مع وكالة ناسا في برامج الفضاء.
وقال جود ديفيرمونت، وهو مدير قسم إفريقيا في مجلس الأمن القومي إن نهج بايدن في هذه القمة أوسع نطاقا، ومدفوع بعنوان "بناء شراكات القرن الحادي والعشرين".
وأضاف ديفيرمونت أن العقد القادم سيعيد تشكيل النظام العالمي وستكون الأصوات الأفريقية حاسمة في هذه المحادثة.
من جانبها أشارت ميشيل دي جافين، الزميلة البارزة لدراسات إفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية: "إن ما تريده الدول الأفريقية هو تخفيف عبء الديون. يريدون التعويض عن الخسارة والضرر".