احتفل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد الجلَيان (الوحي) ليوسف، وعيد القديسَين مار بهنام وأخته سارة الشهيدَين، وذلك في كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، لبنان.
عاونه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين في لبنان. وشاركت في القداس الراهبات الأفراميات، وخَدَمَهُ جوق الرعية، وأشرفت على التنظيم حركة مار بهنام وسارة وأخوية الحبل بلا دنس.
كما حضر وشارك في القداس عددٌ من فعاليات المنطقة، من بلدية واختيارية، ولجان الرعية، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية ومن الرعايا الأخرى في أبرشية بيروت البطريركية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث البطريرك عن "هذا الأحد وهو الأحد السابع من الآحاد السابقة لميلاد المسيح بالجسد، وهو يذكّرنا، كما سمعتم من الإنجيل المقدس، بالجلَيان، أي الوحي وكشف السرّ لمار يوسف بأنّ العذراء مريم حبلت وستلد الإبن الأعجوبي، كلمة الله - يسوع، مخلصنا
تدعونا أسرار إيماننا دائماً للتفكير والتأمّل بهذا السرّ الخلاصي الذي نعجز نحن كبشر عن فهمه لأنّه سرٌّ إلهي نسمّي تجسُّدَ كلمة الله من العذراء مريم بقوّة الروح القدس "سرّ التجسُّد"، والإنجيل الذي سمعناه يذكّرنا بأنّ هذا المولود من مريم بأعجوبة إلهية هو "عمانوئيل"، وهي كلمة سريانية تعني الله معنا".
ونوّه البطريرك إلى أنّنا "نحتفل بهذا القداس بمناسبة عيد القديسَين الشهيدَين مار بهنام وأخته سارة، وهذه الكنيسة هنا هي أول كنيسة بُنِيَت على اسم بهنام وسارة خارج العراق وخارج سهل نينوى حيث عاش هذان الشهيدان ونالا إكليل الشهادة في القرن الرابع.
واليوم نجد كنائس كثيرة سُمِّيَت على اسم بهنام وسارة، لا سيّما في كنيسة الاغتراب، بدءاً بأميركا إلى أوروبا وأستراليا. ويُعتَبر هذان القديسان من أكثر القديسين الذين سُمِّيَت باسمهم الكنائس في كنيستنا السريانية، بعد العذراء مريم ومار أفرام السرياني".
وأشار إلى أنّنا "نكرّم جميع القديسين والشهداء، ولكنّنا نفتخر أنّ لدينا هذين الشهيدَين اللذين عاشا في أرض سهل نينوى، وقدّما ذاتهما للرب بعدما عمّدهما مار متّى الشيخ الناسك.
واليوم في سهل نينوى يوجد دير على اسم متّى الشيخ للكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، ودير على اسم بهنام وسارة وهو لكنيستنا السريانية الكاثوليكية"
ولفت البطريرك إلى أنّنا "سمعنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين يذكّرنا أنّ الذين تعهّدوا أن يتبعوا المسيح أي تلاميذه، ونحن وأنتم منهم، يعيشون الإيمان بأناة الروح. وكم نحتاج اليوم، أيّها الأحبّاء، إلى الإيمان بالمسيح فنجدّد إيماننا رغم كلّ الضيقات والمعوقات وكلّ ما نعيشه من قلق على المستقبل، إذ نحتاج أن نركّز على إيماننا المسيحي، فلا نفكّر بالرب عندما نكون سعداء فقط، بل أيضاً عندما نتألّم، ونقبل بمشيئته".
وتكلّم عن الوضع المأساوي الراهن في لبنان، فقال: "اليوم، وكما تعلمون، لا لزوم أن نأتي ونشرح ونفصّل آلام الشعب اللبناني، خاصّةً ما يعانيه المواطنون النزيهون والصالحون. لا نتكلّم هنا عن الحكّام والمسؤولين الذين أقلّ ما نقوله عنهم إنّهم خانوا بلدهم. اليوم للأسف أصبحنا مضحكةً أمام العالم كلّه، لبنان الذي كان يُعتبَر سويسرا الشرق، اليوم يتدهور إلى الحضيض. ونحن نرى الهجرة تتزايد، لا سيّما بين الشباب الذين هم الحاضر والمستقبل للكنيسة وللوطن. كلّ هذا يحصل في لبنان الحبيب نتيجة التقصير الحاصل بين المسؤولين، ولا سيّما بين المسيحيين منهم، ونحن نعاين التقاعس في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا التقصير مخيف جداً وخطير على حضورنا المسيحي وشهادتنا في هذا البلد العزيز. كم نحتاج إلى الإيمان وإلى أناة الروح، أي إلى الصبر وإلى قوّة الروح التي تساعدنا لنتقبّل هذه الأوضاع المعيشية المخيفة في بلدنا".
وتطرّق البطريرك إلى الأوضاع في سوريا حيث "قمنا في الأسبوع الماضي بزيارة الجزيرة، الحسكة والقامشلي، واحتفلنا بتولية وتنصيب سيادة مطران الأبرشية الجديد مار يعقوب جوزف شمعي. وعاينّا وشهدنا واختبرنا الآلام والمعاناة التي يعيشها السكّان هناك، ولا سيّما نحن المسيحيين، ليس لأنّ الباقين لا يتألّمون، لكن بالنسبة لنا، فإنّ وضع المسيحيين مصيري، لأنّ عددنا يخفّ، والشباب بشكل خاص يتركون ويغادرون البلد، وهذا أمر مخيف".
وختم موعظته ضارعاً "إلى المسيح بشفاعة أمّه وأمّنا العذراء مريم، ومار يوسف، ومار بهنام وأخته سارة، أن يتحنّن علينا وعلى لبنان وعلى هؤلاء الناس الطيّبين الذين يعيشون معاناةً مخيفة، سائلاً إيّاه أن يلهم جميع أصحاب المسؤولية من كنسية ومدنية كي يتنبّهوا لئلا نخسر لبنان، لا سمح الله، بل أن يبذلوا أقصى الجهود كي يبقى هذا البلد شعلة الحضارة والرسالة في منطقة الشرق الأوسط والعالم".
وقبل نهاية القداس، توجّه الأب ديفد ملكي بكلمة شكر فيها غبطتَه على ترؤّسه هذا الاحتفال الروحي، سائلاً الرب أن يديمه بالصحّة والعافية، ويعضده لمتابعة رعاية الكنيسة في كلّ مكان بما حباه الله من مواهب ونِعَم، شاكراً الآباء الكهنة وجميع الحاضرين، ومتمنّياً للجميع أعياداً ميلادية مباركة.
وبعدما منح البطريرك البركة الختامية بذخيرة شفيعَي الرعية، القديسَين الشهيدَين مار بهنام وأخته سارة، تقبّل غبطته تهاني المؤمنين بهذا العيد، ثمّ التقاهم في قاعة الكنيسة في جوّ من الفرح الروحي.