أن يبدأ مجتمع ما خطوات متلاحقة وسريعة نحو التطوير والتغيير، عليه أن يضع الثقافة والفنون نصب عينيه، فهي ضلع أصيل ومؤثر من أضلاع منظومة الوعي لأي مجتمع، وبدونها لا تفلح كل خطط التطوير مهما كانت قيمتها وقوتها وحجم تأثيرها.
ويبدو أن هذا الأمر كان وراء شعار "السينما كل شيء" الذي رفعته الدورة الثانية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي هذا العام، فالسينما بوابة العبور نحو عوالم أخرى من الثقافات والعادات والتقاليد، وعلى شاشتها تنكسر كل القيود، ومع كل تفصيلة من تفاصيل صناعتها تستنير العقول، وتسير نحو آفاق جديدة لم تألفها من قبل.
ما حدث في المملكة العربية السعودية وتحديدًا في جدة على مدار الأيام الماضية، أمر عظيم للغاية، فها هى السعودية تفتح أبوابها لصناع السينما من كل حدب وصوب، وتستقبل ضيوفها من مختلف الثقافات، وتزدان شاشاتها بمجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية التي جاءت من مختلف الدول لتعرض بضاعتها ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
وبعيدًا عن الميزانية الضخمة التي رصدها المهرجان وجعلته يخرج بصورة كرنفالية قل أن تجدها في مهرجانات أخرى، هناك بعض النقاط المهمة التي ميزت هذه الدورة، لعل من أهمها التواجد السعودي اللافت للنظر في عدد كبير من الإنتاجات السينمائية المشاركة بمسابقات المهرجان المختلفة، هذا التواجد الذي جاء عن طريق دعم بعض المشاريع السينمائية خلال الفترة السابقة، والدخول في شراكات عدة مع مشاريع أخرى، جعل المسألة تتحول من مجرد وضع المهرجان على خريطة المهرجانات في المنطقة العربية وأيضًا الدولية إلى أهداف أخرى تريد المملكة بلوغها، ومن أهمها التواجد بالفعل على خريطة صناعة السينما بحق.
المتابع لقائمة جوائز هذه الدورة يلاحظ التواجد السعودي المميز ضمن عدة أعمال فازت وفاز بعض صناعها بـ 8 جوائز ضمن 14 جائزة هى مجمل جوائز المهرجان، هذا الأمر يؤكد أن السعودية تسير في الطريق الصحيح نحو وضع اسمها ضمن الدول المهتمة بصناعة السينما وليس فقط تنظيم مهرجان يخطف الأضواء على المستوى الإقليمي.
هذه الجوائز الثمانية ذهبت إلي فيلم "جنائن معلقة" كأفضل فيلم روائي طويل ، وهو إنتاج مشترك بين "العراق، فلسطين، مصر، المملكة المتحدة، السعودية"، ولطفي ناثان كأفضل مخرج عن فيلم "حرقة"، وأيضًا هو إنتاج مشترك بين "تونس، فرنسا، السعودية"، وجائزة لجنة التحكيم للفيلم السعودي "بين الرمال"، حتى جائزة أفضل ممثل ذهبت للممثل التونسي آدم بيسا عن فيلم "حرقة" وهو إنتاج "تونس، فرنسا، السعودية"، وأيضا الممثلة الجزائرية عديلة بن ديمراد فازت بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم الأخيرة من إنتاج "الجزائر، فرنسا، السعودية"، وأخيرًا جائزة النجم الصاعد ذهبت للسعودية "سارة طيبة".
أخيرًا.. حققت النسخة الثانية من المهرجان نجاحًا كبيرًا في وجهة نظر صناع السينما بداية من الأفلام المشاركة واختياراتها، ومرورًا بالفعاليات المهمة من لقاءات وحوارات بين مئات من صناع السينما والفن حول العالم، ولكن يبقى الجزء المهم وهو إعلان محمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان عن مواصلة دعم إبداعات صانعي الأفلام الناشئين والمخضرمين في السعودية والعالم العربي وآسيا وأفريقيا.