جربنا في السابق أن ننحاز إلى السوفيت وانتهت هذه المرحلة بكارثة 1967، وجربنا أيضا أن ننحاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد انتهت هذه المرحلة بكارثة الإخوان، والأفضل - في رأيي المتواضع - ما نحن عليه الآن، من أن يكون مؤشر البوصلة في نقطة وسط ما بين روسيا وأمريكا، إذ أننا دولة ذات سيادة ولا يصح أن نتبع أيديولوجية الدولة الروسية ولا أيديولوجية الرأسمالية الشديدة لأمريكا، بل أن نحتفظ برأينا الذي يجعلنا نستفيد من العلاقتين.
وحان الوقت أن ننظر بعين إلى التجربة الصينية، وبالعين الأخرى إلى التجربة الهندية، فإذا نظرت إلى أي جهاز كهربائي صيني لوجدت أن بيت السلك الكهربائي - والسلك نفسه - واحد في جميع الأجهزة، وذلك لأنهم استطاعوا عمل مواصفات قياسية واحدة ينتجها مصنع واحد ويتم تركيبها في أي من الأجهزة الكهربائية، بل إن منتجاً مُعيّناً ذهب إلى الصين وطلب صناعة سيارة خاصة به ليستوردها بالمئات إلى مصر، وبعد الاطلاع على الكتالوجات المختلفة لسيارات العالم، اختار الـ "داش بورد" من طراز معيّن، وعجلة القيادة من طراز آخر، والمقاعد من طراز ثالث، والسقف والدواسات بل والأنوار الخارجية والداخلية والاستيريو وكل ما يحلم به قائد السيارة.
أيضا فإن الهند - التي كانت أفقر دول العالم، بل إن آخر كلمة كان يقولها الهندي قبل أن يتوفّى هي "أنا جعان" - أصبحت الآن من الاقتصاديات الصاعدة، والتي يغطي إنتاجها معظم دول العالم، بل إنني اشتريت سترة من الولايات المتحدة الأمريكية واكتشفت أنها مصنوعة في الهند.
ولو نظرنا إلى التجربتين - الصينية والهندية - لوجدنا عاملاً مشتركاً بنيت عليه هذه الطفرة الاقتصادية الكبرى في البلدين، فالصين عندما اكتشفت أن بعض الشباب تدربوا في أمريكا وجرى غسيل مخهم وعادوا إلى بلادهم ليحل الخراب على أيديهم وعلى بنات أفكارهم، التي هي ليست من أفكارهم، قامت الصين بتصرف شديد العنف تجاههم - والذي لا نوافق عليه - لكنها قضت على الفتنة تماماً لتتفرغ للصناعة والتجارة، ولم تتجزأ الصين كما كان يحلم هؤلاء الشباب الذين فتنوا عن وطنهم وأرادوا له التمزّق كما يراد لبلدنا الآن وأيضا لجيشنا، أما الهند فقد كانت من الحكمة عندما دخل بعض الشباب الباكستاني الموهوم بالحرية الأمريكية - والتي هي في واقع الأمر خراب للهند - لمحاصرة البرلمان، فضّت القوات الهندية هذا الحصار، ولم تعلن الحرب على جارتها، إيماناً منها بأن الانتصار العسكري لا يعني أى شيء، بل إن الانتصار الاقتصادي هو كل شيء، وانكفئت الهند على الشراكة مع دول كثيرة، وقد كنت في الولايات المتحدة الأمريكية وأردت أن أشتري تذكرة الرجوع، وعندما تحدثت مع موظف "تي دبليو إيه" على التليفون كان هنديّاً، ولمّا اتصلت - في اليوم التالي - ردّت عليّ امرأة هندية، ولمّا سألتها: هل كل من يعملون في الشركة هنود أم ماذا؟، قالت لي: يا سيّدي أنت تتصل بمركز خدمة العملاء في الهند، ولمّا سألت أحد أصدقائي المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية عن السبب، قالوا: إيجار المكان أرخص ومرتّبات الموظفين أرخص، فقلت: ولماذا الهند وليست مصر، وهي أيضاً أرخص؟، فقال كلمة آلمتني كثيراً، وهي: "فرق التعليم والثقافة".
ومن هذا اليوم - منذ 10 أعوام - أتمنى أن يقف الإرهاب في مصر، وأن ينصلح حال التعليم، فالأمن والتعليم فهما الركيزة لأي تقدم إن شاء الله.