تشكل القمة العربية الصينية، المقرر عقدها بالعاصمة السعودية الرياض، بمشاركة قادة الدول العربية والرئيس الصيني شي جين بينج- الذي يزور الرياض حاليا لأول مرة منذ عام 2016- نقطة تحول في مسار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، حيث سترسي حجر الأساس للتكامل الاقتصادي والتجاري بين بكين والدول العربية، في ضوء التطورات الإقليمية والدولية، والتي ألقت بظلالها على حركة التجارة والنمو الاقتصادي العالمي.
وتوفر الشراكة الاستراتيجية الفرصة للجانبين العربي والصيني؛ للاستفادة من الإمكانيات الاستثمارية والتجارية المتاحة ومواجهة تأثير المتغيرات الدولية على اقتصادياتهما وفي مقدمتها أزمة الطاقة، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وتزايد الدعوات لمزيد من الإجراءات الحمائية في مجال التجارة بعدد من دول الغرب.
وتسعى الصين من وراء تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الدول العربية إلى زيادة حجم تجارتها الخارجية إلى دول منطقة الشرق الأوسط، وتأمين المزيد من شحنات الطاقة، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية لشركاتها الكبرى بالمنطقة، والاستفادة من المزايا التفضيلية التي توفرها اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها بعض الدول العربية مع التكتلات الاقتصادية الكبرى، ومن بينها اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتي تعد الأكبر على المستوى العالمي، منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995، حيث يبلغ عدد مستهلكيها حوالي 2ر1 مليار شخص، وناتجها المحلي الإجمالي حوالي 4ر3 تريليون دولار، أو ما يعادل 3 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.
كما يسعى الجانب الصيني إلى تعزيز مشاركة الدول العربية في مبادرة "الحزام والطريق"، التي ترتكز على العديد من الأسس، من بينها تدعيم المنافع المشتركة، والتأكيد على أهمية استدامة التمويل للمشروعات، واحترام آليات السوق.
وفي السياق ذاته.. أكدت الخارجية الصينية مؤخرا دعم بكين لمساعي دول منطقة الشرق الأوسط الرامية إلى إيجاد حلول فعالة لقضايا الأمن الإقليمي من خلال التضامن والتعاون، ومساندة شعوب دول المنطقة على تنفيذ خطط التنمية المستدامة.
وتسعى الصين أيضا إلى تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي (التي تضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، وعمان، والكويت) من خلال مواصلة التفاوض بين الطرفين لإقامة منطقة حرة للتجارة لتدعيم التنمية والمصالح التجارية المشتركة وتأمين احتياجاتها من الطاقة.
وفي المقابل تستهدف الدول العربية من وراء شراكتها مع الصين تنويع أسواق صادراتها وجذب المزيد من الاستثمارات الآسيوية وخاصة الصينية والاستفادة من التكنولوجيا الصينية المتقدمة وخاصة في مجال الصناعة، علاوة على استغلال الفرص الاستثمارية التي توفرها مبادرة "الحزام والطريق" في ضوء تبني الصين للعديد من الآليات لتفعيلها، مثل تشييد شبكات السكك الحديدية التي تمتد من أراضيها إلى القارة الأوروبية، وإنشاء بنك التنمية الجديد مع دول تجمع (البريكس)/ التي تشمل إلى جانب الصين كلا من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا وروسيا / والبنك الآسيوى للاستثمار في البنية التحتية.
وأبدت الدول العربية اهتماما متزايدا بمبادرة "الحزام والطريق "الصينية، حيث انضمت غالبية تلك الدول إليها بهدف تعزيز مكاسبها الاقتصادية والتجارية.
وفي السياق ذاته.. حقق التعاون العربي الصيني إنجازات ملموسة في مجالات عديدة من بينها الاقتصاد الرقمي، وشبكات الجيل الخامس للاتصالات، والتجارة والطاقة والبنية التحتية كالمطارات والخطوط الملاحية المباشرة، كما انبثقت عن منتدى التعاون العربي الصيني خلال دوراته التسع الماضية، التي توالي انعقادها منذ عام 1999 نحو 17 آلية للتعاون المشترك.
كما أبرم الجانبان العربي والصيني مؤخرا 277 اتفاقا للتعاون بإجمالي 24 مليار دولار، غطت مجالات عديدة من بينها تكنولوجيا المعلومات، والطاقة النظيفة، والأغذية، السياحة.
وفي السياق ذاته، نشرت الصين وثيقة بعنوان "ورقة السياسة العربية للصين"، حيث أكدت بكين فيها ارتياحها بكونها أكبر مستورد للنفط العربي وأحد أكبر الشركاء التجاريين للدول العربية.
وجاء اعتماد الصين بشكل كبير على واردات النفط والغاز من دول منطقة الشرق الأوسط، ليؤكد المكانة المتميزة التي تحظى بها دول المنطقة في السياسات الاقتصادية الصينية.
ولم تؤثر سياسة "صفر كوفيد19" الصينية - التي استهدفت كبح جماح جائحة كورونا- سلبا على علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول العربية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط استقبلت 57 في المائة من إجمالي استثمارات "مبادرة الحزام والطريق" الصينية خلال الربع الأول من عام 2022.
ومن جهة أخرى، ثمنت الصين عاليا كافة القرارات التي تبنتها الجامعة العربية خلال السنوات الماضية، لتعزيز العلاقات معها في كافة المجالات، باعتبارها مؤشرا يجسد التقدم الملحوظ الذي قطعه الجانبان لتدعيم المشاركة الاستراتيجية.
وتعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد الاتحاد الأوروبي، حيث زاد حجم التجارة بين الجانبين بنحو 37 في المائة، ليصل إلى حوالي 330 مليار دولار عام 2021 مقابل 5ر239 مليار دولار عام 2020، و4ر266 مليار دولار عام 2019.
وتشكل الإلكترونيات ومنتجات التكنولوجيا نحو 4ر67 في المائة من إجمالي صادرات الصين إلى الدول العربية.
وتأتي مصر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للصين بالمنطقة العربية.
كما شهدت الاستثمارات الصينية في الدول العربية زيادة ملحوظة، خلال الفترة من 2005 حتى 2020، حيث بلغ حجمها حوالي 9ر196 مليار دولار.
ومن جهة أخرى، شهدت العلاقات المصرية الصينية نموا ملحوظا في كافة المجالات خلال السنوات الماضية مدفوعة بحرص قيادتي البلدين على تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتبادل الزيارات الرسمية بين مسئولي البلدين، وخاصة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والبرنامج التنفيذي لتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، ودعم مصر لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، باعتبار أنها تتكامل مع جهود مصر التنموية ومشروعاتها القومية الكبرى.
وزادت معدلات الاستثمارات والمشروعات الصينية في مصر في ظل مبادرة "الحزام والطريق"، حيث غطت مجالات مهمة كالبنية التحتية والطاقة والتجارة وغيرها.
وجاء حرص مصر على الدفع بأطر التعاون مع الصين في كافة المجالات جليا، من خلال تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي- خلال تهنئته لنظيره الصيني شي جين بينج وشعب الصين؛ بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني- على تعهده ونظيره الصيني خلال لقاءاتهما المتكررة على دفع العلاقات بين البلدين الصديقين، والسعي للارتقاء بالعلاقة الاستراتيجية الشاملة نحو آفاق أرحب.
وفي مؤشر ذي دلالة على تنامي العلاقات الاستراتيجية بين مصر والصين.. حرص الرئيس السيسي على التقدم بخالص التهنئة للرئيس الصيني شي جين بينج، بمناسبة إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، متمنيًا له التوفيق والنجاح، في قيادة الصين الصديقة نحو مزيد من النجاح والازدهار والتقدم.
وقام الرئيس السيسي بسبع زيارات إلى الصين، خلال الفترة من 2014 حتى 2022؛ لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة والاستثمارات الصينية في مصر التي أكدت- من جانبها- دعمها لسياسة "الصين الواحدة".
وثمنت الصين عاليا- من جانبها- الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، والإنجازات التنموية التي حققتها مصر- ومن بينها المشروعات القومية الكبرى - والتي ساهمت في زيادة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي والصادرات، وتعزيز البيئة المواتية للاستثمار، وتقليص معدلات البطالة، ورفع معدلات التصنيف الائتماني، وزيادة ثقة مؤسسات التمويل الدولية في قدرة الاقتصاد المصري على مواصلة النمو ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وأكدت الصين حرصها على المساهمة في المشروعات القومية الكبرى في مصر والاستفادة من الموقع الجغرافي الفريد لمصر وخاصة قناة السويس لدفع مبادرة "الحزام والطريق" وتعزيز التجارة بين دول المبادرة.
ومن جهة أخرى، زاد حجم التجارة بين مصر والصين إلى حوالي 20 مليار دولار عام 2021، بينما تضاعف حجم الاستثمارات الصينية المباشرة بمصر في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2021 لتصل إلى نحو 223 مليون دولار، بزيادة قدرها 150.6% عن الفترة المقابلة من عام 2020.
وفي السياق ذاته، أكدت الصين حرصها على تعزيز التعاون المشترك مع مصر باعتبارها أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لها بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تضمنت أبرز مجالات التعاون بين البلدين الكهرباء، والبترول، والغاز الطبيعي، والسكك الحديدية، والطرق السريعة، والموانئ، والصناعات المعدنية، ومواد البناء والتشييد، والصناعات الكيمياوية، ومستلزمات الإضاءة، والمنسوجات، والأجهزة المنزلية.
وتؤكد المؤشرات الحالية أن القمة العربية الصينية بالرياض سوف تشكل قوة دفع قوية للشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، والتي ترتكز على أسس المصلحة والمكاسب المشتركة والانفتاح والاحترام المتبادل لسيادة الجانبين.