حذرت «البوابة» ومنصاتها المتخصصة فى متابعة الكيانات الإرهابية منذ بداية العام ٢٠٢٢، من تعاظم دور التنظيمات الإرهابية فى القارة الأفريقية، وتحول أفريقيا إلى أرض خصبة لاستعادة دولة الخلافة، مع الهشاشة الأمنية وغياب التنسيق والتعاون الأمنى والاستخباراتى بين دول القارة السمراء فى مواجهة هذه التنظيمات وعلى رأسها تنظيم «داعش»، وتحوله إلى سرطان ينتشر فى الجسد الأفريقي، حيث تشكل ولاية غرب أفريقيا أبرز الولايات النشطة، لداعش، وأظهرت الإحصائيات بين يناير ويونيو الماضي، تنفيذ فروع التنظيم الإرهابى ما يقرب من نصف هجمات داعش حيث شن التنظيم نحو ٥٨٣ من أصل ١٢١٩ عملية إرهابية فى الدول الأفريقية، بنحو ٤٨٪ من العمليات التى شهدتها القارة السمراء.
ونفذ تنظيم داعش غرب أفريقيا، ٣١٤ عملية إرهابية بنحو ٢٤ عملية إرهابية فى القارة الأفريقية، فى ظل قدرة التنظيم الإرهابى على جذب مقاتلين جدد، والحصول على دعم مادي، مستغلا حالة الهشاشة الأمنية التى تشهدها دول الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، كتشاد ومالي، والنيجر، ونيجيريا وبوركينا فاسو.
وشهدت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقوع ٤٨٪ من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمى فى عام ٢٠٢١، وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمى لعام ٢٠٢٢ الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، وهو مؤسسة بحثية عالمية مقرها فى سيدني، ولها فروع فى نيويورك ومكسيكو سيتى وأكسفورد.
وأوضحت تقارير استخباراتية أن عناصر التنظيم الإرهابى تقدر بما يقرب من ٨٠٠٠ عنصر ينشطون فى صفوفه فى جميع أنحاء نيجيريا والنيجر، فضلًا عن الكاميرون المجاورة، من جنسيات متعددة، ويحصلون على السلاح والدعم المالى من خلال عمليات التهريب فى الصحراء الكبرى، وأيضا عمليات فرض الإتاوات والخطف والفدية والضرائب على المناطق التى تتراجع فيها السيادة الأمنية للدول الأفريقية.
كذلك يقدر عدد عناصر تنظيم داعش فى خليج غينيا، بنحو ١٠٠٠ مقاتل، وفى موزمبيق بنحو ١٢٠٠ مقاتل، كما أن للتنظيم أيضًا فروعا فى الصومال وليبيا، ويسعى إلى تأسيس فروع جديدة فى جنوب القارة الأفريقية.
كما يلعب داعش على تهريب السجناء فى سجون الدول الأفريقية، وقام بتهريب نحو ٨٠٠ سجين، من السجون النيجيرية، فى محاولة لدعم صفوفها بالمقاتلين.
أيضا لعب التنظيم على الصراعات الدينية والعرقية وضعف الحكم فى المنطقة، التنظيم يلعب على وتر المظالم لمسلمى أفريقيا، ومحاولة تجنيد عناصر من متمردين سابقين فى مواجهة الحكومات والقوات العسكرية والأمنية فى هذه البلاد.
صراع القاعدة وداعش
رصدت البوابة الصراع المتنامى بين تنظيمى القادة وداعش على النفوذ والتمدد فى أكثر من جبهة ومن أهمها الساحة الأفريقية، وتماشيا مع هذا الصراع ومحاولة كل تنظيم فرض سيطرته وإعلان وجوده بمزيد من العمليات فى مناطق نفوذه، خصوصا بعد دعوة تنظيم داعش عناصره فى أنحاء العالم بالهجرة لأفريقيا واقامة دولة خلافة جديدة على الأراضى الأفريقية، واستباقا لما يستهدفه داعش أعلنت "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم «القاعدة» مسئوليتها عن هجوم استهدف مساء الجمعة ١٩ اغسطس ٢٠٢٢، فندقا فى العاصمة الصومالية مقديشو، ليس هذا فقط بل تحاول حركة الشباب التمدد فى المناطق الحدودية خاصة مع الجانب الإثيوبى لقطع طرق التجارة بين البلدين وتوفير مناطق هشة على المستوى الأمنى تستطيع الحركة اقامة معسكرات فيها وتكون مناطق ارتكاز لعملياتها القادمة، واستمرارا للصراع على الوجود فى أفريقيا بين التنظيمات الإرهابية، قتلت ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم «داعش» أكثر من عشرين إرهابيًا من بوكوحرام فى محور شيلاريا بغابة سامبيسا فى ولاية بورنو، وتم القضاء على الإرهابيين فى ٢١ نوفمبر ٢٠٢٢، فى اشتباك مستمر بين المتنافسين فى مخابئ غابة شيلاريا.
ويؤكد ما حدث خلال العام من احتدام الصراع وحرب النفوذ بين التنظيمين الإرهابيين أن هناك إمدادات ودعما لوجستيا كبيرا تحصل عليه داعش غرب أفريقيا من مصادر دولية، للقضاء على بوكو حرام المرتبطة بتنظيم القاعدة لاستهدافها المصالح الأمريكية فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا تطبيقا لنظرية العدو البعيد التى يتبعها تنظيم القاعدة، إلا أن لعبة المصالح التى تنتهجها بعض الدول فى دعم أحد التنظيمين، يؤدى إلى كوارث على أرض الواقع وقد شاهدنا وعايشنا ما حدث وما زال يحدث فى العراق والشام.
شرق آسيا
فى أوائل أبريل ٢٠٢٢، نشرت ما تسمى بـ«ولاية شرق آسيا» التابعة لداعش فى الفلبين شريط فيديو يوثق عناصرها وهم يبايعون زعيم داعش السابق المدعو «أبوحسن الهاشمى القرشي»، الذى تولى المسئولية بعد مقتل الزعيم الأسبق «أبو إبراهيم الهاشمى القرشي»، إذ ادعى رجل ملثم يتحدث العربية فى الفيديو، أن عناصر التنظيم فيما تسمى بـ«ولاية شرق آسيا»، وخاصة أولئك الذين يعملون فى الفلبين، فى حالة ممتازة على الرغم من الصعوبات وقد بقوا موالين لداعش، ودعا عبدالرحمن المسلمين فى جميع أنحاء العالم للانضمام إلى داعش.
ولكن التنظيم تعرض لضربة قوية بمقتل زعيم التنظيم داعش فى شرق آسيا، والتى تضم إندونيسياوماليزيا والفلبين، وتايلاند، «جير ميمبانتاس» والمعروف بـ"أبوزكريا" ويُعرف أيضا باسم «فخر الدين حاج ستار»، وهو زعيم لجماعة إرهابية داعمة لتنظيم داعش فى جنوب الفلبين تُعرف بـ«ماوت»، من قبل القوات المسلحة الفلبينية.
طالبان وداعش
تناولت «البوابة» فى عدد غير قليل من التقارير استمرار الصراع بين القاعدة والحركات المرتبطة بها وتنظيم داعش، ومنذ التفجيرات الانتحارية فى أغسطس ٢٠٢١ فى مطار كابول الدولي، والتى أدت إلى مقتل أكثر من ١٧٠ أفغانيًا و١٣ جنديًا أمريكيًا، استمر فرع خراسان فى تنظيم «داعش»، فى احتلال عناوين الصحف بهجمات مروعة فى أفغانستان ضد الأقليات الدينية - لا سيما الطائفة الشيعية فى البلاد- وبشكل متزايد رجال الدين المتحالفين مع طالبان. من خلال تسليط الأضواء الدولية على هذه الهجمات، سعت الجماعة إلى تصوير نفسها على أنها تجدد نشاطها. الواقع أكثر تعقيدًا، وهناك احتمال حقيقى بأن يكون تنظيم "داعش" فى خراسان فى حالة تراجع بالفعل.
وقد ركز تنظيم داعش فى أفغانستان على الأهداف اللينة على وجه الحصر: المدارس والندوات الدينية والمساجد والمعابد، حتى عندما تشن الجماعة هجمات على طالبان، فإنها نادرًا ما تلاحق أهدافًا جيدة الدفاع. وكان الاستثناء الرئيسى الوحيد هو هجوم يوليو ٢٠٢٢ فى كابول فى تجمع العلماء الذى نظمته حركة طالبان، حيث حاول فريق الضربة التابع لتنظيم «داعش» الدخول إلى التجمع لكنه لم يتمكن من اختراق الحلقة الخارجية للدفاعات.
مع هذه الهجمات، حتى الهجوم الفاشل فى يوليو، حقق تنظيم «داعش» فى خراسان هدفًا رئيسيًا، ألا وهو الإعلان عن وجوده لمجموعة من الجماهير المحلية والدولية. بالنسبة للمراقب غير المحنك، قد تبدو الجماعة لاعبًا صاعدًا أو حتى لاعبًا رئيسيًا، حتى لو كان الضرر الذى تلحقه بالفعل بطالبان ضئيلًا. تخدم فجوة الإدراك هذه عدة أغراض. أولًا، يمكن أن يعزز التجنيد من خلال تشجيع أولئك الذين يتعاطفون مع أيديولوجية الجماعة ولكن لديهم بعض التحفظات حول جدواها.
نستنتج من ذلك أن عمليات حرب العصابات التى يقوم بها تنظيم «داعش»- خراسان ضد طالبان محدودة فى نطاقها وفاعليتها، وقد انخفض عددها وتواترها فى العام الماضي.
هدف مهم آخر هو تعزيز جمع التبرعات للمجموعة. يتعين على تنظيم "داعش" فى خراسان التنافس مع أفرع «داعش» الأخرى لتخصيص أموال محدودة بالفعل من القيادة المركزية، وكذلك مع الجماعات الجهادية الأخرى لجذب انتباه المتعاطفين الأثرياء فى أماكن أخرى. وقد تفاقمت هذه القيود المالية بسبب تدهور علاقات تنظيم «داعش» فى خراسان مع المؤسسة العسكرية الباكستانية، وهو الوضع الذى أدى إلى تعقيد الخدمات اللوجستية للتنظيم وأجبره على الاعتماد بشكل أكبر على السوق السوداء الأفغانية للإمدادات.
قبل سقوط كابول فى أيدى طالبان، كانت الأجهزة الأمنية الباكستانية تساعد فى هجمات تنظيم «داعش» فى خراسان ضد المسئولين الأفغان، على الأرجح لزيادة الضغط على حكومة الرئيس السابق أشرف غني.
فى الواقع، أشارت الجماعة هذا العام إلى عزمها على تحويل عملياتها نحو شمال أفغانستان، بعيدًا عن معقلها التقليدى فى شرق البلاد. وتزعم أنها فتحت معسكرات تدريب جديدة فى شمال شرق أفغانستان من أجل تدريب المجندين الجدد فى آسيا الوسطى واستئناف التجنيد فى دول آسيا الوسطى. وبالفعل، نفذت الجماعة ثلاث هجمات صاروخية عبر الحدود من داخل الأراضى الأفغانية، اثنتان ضد أوزبكستان وواحدة ضد طاجيكستان. كانت الأهمية العسكرية لهذه الهجمات شبه معدومة، لكنها مع ذلك احتلت عناوين الصحف.