اختتمت المحكمة الكنسيّة التابعة للبطريركيّة اللاتينيّة في القدس والناصرة دورتها القانونيّة المتخصّصة للمحاميين في القانون الكنسيّ، بترؤس البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، القداس الإلهي في كنيسة الراعي الصالح في مدينة أريحا، وفيه سلم الشهادة التي تتيح لهم العمل في المحاكم الكنسية.
وكانت المحكمة الكنسيّة اللاتينية في القدس والناصرة، قد نظمت دورة قانونية شارك بها 40 محامٍ ومحامية من القدس والضفة الغربية والجليل، ومنهم مستجدون في القانون والمحاكم الكنسية، ويسعون للحصول على ثقافة قانونيّة كنسيّة، في سبيل الحصول على رخصة المزاولة القانونيّة أمام المحاكم الكنسيّة.
وفي كلمته خلال القداس، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للبطريركية ، اليوم الاربعاء ، أعرب البطريرك بيتسابالا عن سروره لمشاركة هذا العدد الكبير من المحامين في ختام الدورة القانونيّة المتخصصة التي استمرّت لمدة يومين، وتضمنت خمس محاضرات، هدفت إلى بناء وتعميق ثقافتهم في القانون الكنسيّ، لاسيما تلك التي تخدم قضايا العائلات، والإجراءات القانونيّة أمام المحاكم الكنسيّة، وتعزيز فهم أفضل لدور المحامي والمحامية في خدمة العدالة والقيم الأسريّة في المصالحة والمحبّة.
وشدّد بطريرك القدس للاتين على أنّ كل شخص، سواء كان قاضيًا أو محاميًا أو موظفًا في المحاكم الكنسيّة، هو جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة الراعويّة، وذلك من خلال خدمة العدالة والإنصاف، وفي البحث عن الحقيقة، واحترام الإيمان المسيحي الكاثوليكيّ وتعاليمه، والنظر إلى الزواج كسرّ إلهيّ مقدّس، والتعامل مع كل قضيّة من "منظار" خلاص نفوس المؤمنين.
الضمير، الحقيقة، المعرفة، الرحمة ومستشهدًا من خطاب البابا فرنسيس إلى قضاة وموظفي محكمة الروتا الرومانيّة لمناسبة افتتاح السنة القضائية لعام 2022، أكد البطريرك بيتسابالا على أنّ العدل والإنصاف يسيران معًا، فمن دون ضمير حيّ، مُلهمًا من الروح القدس، فإنّ الجميع معرّض لتجربة تغيير ضمائرهم نحو أهدافهم الخاصة.
وحول الحقيقة، أشار البطريرك بيتسابالا إلى أن عنوان المؤتمر يحمل شعار "العدل ثمرة العدل"، لافتًا إلى أن الحياة المسيحيّة الحقيقّة، وحياة الإيمان والصلاة، هي الضمانة الوحيدة التي تقود نحو اكتشاف الحقيقة، والعمل وقول الحقّ، لذا من الأهميّة بمكان أن نعي في حياتنا الحريّة الحقيقيّة، الحريّة الداخليّة التي تأتي من الحقّ، كما قال السيد المسيح: "والحقّ يحرّركم".
أما المعرفة الدائمة، فأوضح غبطته بأنّها تعزّز الإيمان والضمير. فالتعليم المستدام، حول: اللاهوت، وتعاليم الآباء، وتعليم الكنيسة، والحق القانونيّ، هو أمر مهمّ لتزويد المحامي والمحاميّة بالدراية اللاهوتيّة والقانونيّة للمساعدة في التعامل مع القضايا في المحاكم الكنسيّة، داعيًا أنّ يكون هذا المؤتمر منطلقًا لاستمراريّة المعرفة والتعليم نحو فهم أفضل لقدسيّة سرّ الزواج، والنظر مع قضايا الزواج بكرامة، وليس كزبائن.
كما حثّ البطريرك بيتسابالا المحامين أن يكونوا "رحماء" في التعامل مع تلك العائلات المفكّكة، التي تواجه صعوبات ماديّة وتطلب المساعدة والاستشارة القانونيّة، كما وتقديم خدمات مجانيّة لمن هم في وضع مالي صعب. وقال: "لا تدعوا أبدًا الأشخاص الذين لا يملكون موارد ماليّة، دون نصحيّة قانونيّة. كما تقاضوا من أولئك الذين لا يستطيعون تحمّل النفقات، بإنصاف وعدالة".
وخلص بطريرك القدس للاتين في كلمته، وأمام التحدّيات العديدة والجديدة التي تواجهها العائلات في العصر الرقميّ، بدعوة المحامين والقضاة أن يكون "صالحين". وقال: "لا يكفي أن تكونوا ملمين بالقوانين والقواعد بشكل جيّد؛ إنما عليكم أن تؤمنوا بهذه القوانين التي هي الترجمة القانونيّة لتعاليم الإنجيل المقدّس. بهذا، تصبحون شركاء في رسالة الكنيسة. يجب أن نتأكد من أن ضمير المؤمنين الذي يواجه الصعوبات الزوجية لا يمنعهم من أن يسلكوا طريق النعمة. هذا يتحقّق من خلال المرافقة الرعوية وتمييز الضمائر، وعمل محاكمنا. يجب القيام بهذا العمل من خلال الحكمة والبحث عن الحقيقة".
يُشار إلى أنّه وخلال الدورة، قدّم رئيس محكمة الاستئناف للبطريركية اللاتينيّة في القدس وعمان والناصرة، الأب د. مجدي السرياني، شروحات حول القانون 1095 ببنوده الثلاث، والذي يشكّل مادة قانونيّة هامّة حول أسباب البطلان، وقدرة الطرفين على تمييز الحكم حول الحقوق والواجبات الزواجية المتبادلة، وقدرة الأطراف على تحمّل واجبات ومتطلبات سرّ الزواج الجوهرية، وحول عدم القدرة على تحمّل أعباء ومسؤوليات الزواج لأسباب ذات طبيعة نفسيّة في بنده الثالث.
كما تضمن البرنامج محاضرة حول المحاكمة الأقصر، وهي من مستجدات الإصلاح القانوني بناءً على الإرادة الرسوليّة "الرب يسوع الديان الوديع" التي دخلت حيز التنفيذ في العام 2015، وهي آلية قانونيّة جديدة اختصرت العديد من إجراءات المحاكمة في حالات خاصة حددتها البراءة البابويّة. كما قدّم المستشار القانوني للمحكمة الكنسية المحامي خضر حبش، إجراءات المحاكمة ودور الوكيل فيها، من خلال شروحات حول اللوائح والطلبات العارضة أثناء المحاكمة وآليات متابعة إجراءات الدعوى. وأدار الأب د. أكثم حجازين الحوار مع المشاركين حول المرافعات القانونيّة وصعوبات المحامين أمام المحاكم الكنسيّة.
يُذكر أنّ المحاكم الكنسية اللاتينية قد بدأت في تنظيم دورات متخصّصة ومؤتمرات لتأهيل المحامين في القانون الكنسيّ منذ العام 2012، ومؤخرًا في تموز 2022 حيث قامت بتنظيم مؤتمرًا قانونيًّا متخصّصًا في مدينة العقبة الأردنيّة شارك فيها 73 محامية ومحامٍ.