جلدت حركة طالبان ثلاث نساء وتسعة رجال أمام مئات المتفرجين في ملعب رياضي، الأربعاء الماضي، في إشارة إلى استئناف الحركة لكل أشكال العقوبة التي كانت تمارسها خلال حكمها في التسعينيات من القرن الماضي.
وحسب مسئول في الحركة، فإن الأفراد المعنيين مدانون "بجرائم أخلاقية"، من بينها الزنا، والسرقة، واللواط، ويعتقد أن هذه هي عملية الجلد العلني الثانية التي تقوم بها الحركة خلال شهر واحد، وقد يكون هذا مؤشرا على عودة الممارسات المتشددة، التي عرفت بها طالبان في التسعينيات
وقال عمر منصور مجاهد، المتحدث باسم طالبان في منطقة لوغار، التي وقغت فيها عملية الجلد، شرقي أفغانستان، إن النساء الثلاث أفرج عنهن بعد تنفيذ العقوبة عليهم، وإن عددا من الرجال أودعوا السجن، دون أن يحدد عددهم.
وتلقى كل واحد من الرجال والنساء ما بين 21 إلى 39 جلدة، وأوضح المتحدث أن أقصى عدد من الجلدات التي يتلقاها أي إنسان هو 39 جلدة، وتفيد تقارير بأن 19 شخصا تعرضوا للعقوبة نفسها، الأسبوع الماضي، في ولاية تاخار، شمالي أفغانستان، وتمت عملية الجلد في لوغار بعد أسبوع من صدور أمر من زعيم طالبان، هبة الله أخوند زاده، للقضاة بتنفيذ العقوبات على بعض الجرائم، وفق تأويل حركة المتشدد للشريعة الإسلامية.
ويشير أمر زعيم طالبان الأخير إلى أن الحركة عادت إلى ممارساتها المتشددة إزاء الحقوق والحركات، في حين كانت قراراتها أكثر اعتدالا عندما أخذت السلطة العام الماضي، وتعرضت طالبان أثناء حكمها من 1996 إلى 2001 للتنديد بسبب تنفيذ العقوبات العلنية من بينها الجلد والإعدام في ملعب كابول الوطني
وتعهدت الحكومة بأنها لن تعود إلى تلك المعاملة القاسية للناس، ولكنها منذ توليها السلطة أخذت حريات المرأة في التراجع، وتعرضت نساء للضرب بعدما طالبن بالحقوق
من جانبه قال مصطفي زهران، باحث في شئون الحركات الإسلامية، إن طالبان تمارس نفس الادوات والعمليات السابقة في فترة حكمها الاول، ولم تختلف طالبان في هذه المسألة لأن ذلك يعود إلي المسألة الفقهية المنبثقة من التراث القديم، ولم تقدم طالبان أيه تطورات في هذه المسألة، وهذا يتضح بشكل أساسي في التعامل مع المرأة والمشهد السياسي والأحزاب وفكرة الديمقراطية هذه المسائل أساس البنية العقلية لطالبان.
وفي نفس السياق قال مصطفي أمين ، باحث في شئون الحركات الإسلامية، إن حركة طالبان حركة متشددة تتبني أفكارا متطرفة ونهجا حادا في الدين، وبالتالي أن تعود إلي تطبيق الحدود في الأحكام الإسلامية المتشددة أمر طبيعي، حيث إن الحركة ضربت عرض الحائط بكل القيم الإنسانية وأحكام القانون والليبرالية الغربية، وتمارس نفس التشدد والتطرف، ومن المتوقع أن تقوم بهدم آثار مثل ما حدث من هدم لتماثيل بوذا في باميان في منطقة هزارستان في وسط أفغانستان أكبر تماثيل علي الكرة الأرضية لبوذا، حيث إن حركة طالبان ستستمر في هذا النهج المتشدد ما دامت تسيطر علي الحكم في أفغانستان.
وأضاف أمين في تصريحات لـ"البوابة"، أن حركة طالبان أرجعت أفغانستان إلي العصور الحجرية بما تفعله، وأيضا أرجعت الأوضاع الاقتصادية إلي مستوي سيء جدا والوضع السياسي أصبح سيئا للغاية والعلاقات الخارجية متوقفة تماما مع طالبان وكل هذه الأمور متوقعة من قبل حركة متشددة تسيطر علي الحكم.
وأشار، إلي أن الوعود السابقة التي قطعتها طالبان علي نفسها كانت مجرد أكاذيب للوصول للحكم والاستفادة من المجتمع الدولي للوصول إلي أموال أفغانستان في الخارج، والعمل علي صنع علاقات مع الدول المجاورة والغربية ولم يتقبل العالم كله سياسية طالبان وحتي الآن لم تعترف أي دولة بحركة طالبان كدولة شرعية في أفغانستان.
بينما عمرو عبدالمنعم، باحث في شئون الحركات الإسلامية، يرى أن التجربة أثبتت أن طالبان لم تتغير، خاصة فيما يتعلق بقناعات قادتها وعناصرها حيال التشدد والحرية، وأيضا حقوق المرأة، ولم تكن بعض التصريحات التي أطلقها بعض قادتها في السابق أثناء المفاوضات وقبل الاستيلاء الأخير على السلطة، إلا من قبيل الخداع اللفظي، والحركة بمجرد أن بسطت هيمنتها وعادت لكرسي السلطة بعد الانسحاب الأمريكي، وعادت لسيرتها الأولى في التعامل مع المرأة فألغت الوزارة الخاصة بها واستبدلتها بوزارة للأمر بالمعروف وفرض التعاليم المتشددة وفق تفسيرات الحركة، وطردت غالبية النساء العاملات من وظائفهن ومنعت المرأة من التمثيل السياسي، كما حرمت الطالبات في المرحلة الثانوية والجامعية من التعليم، فضلًا عن القمع الذي تمارسه ضد النساء في الشارع وضد أي صوت نسائي يطالب بالحقوق المشروعة للمرأة الأفغانية.
وأوضح، أن ما جرى له العديد من الأسباب، منها ما هو خاص بطبيعة التدخل الأمريكي وطريقة الانسحاب والتخلي عن الشعب الأفغاني بعد أن تحصل على البعض من حريته وحقوقه خلال العقدين الماضيين، ومنها ما هو متعلق بطبيعة تكوين طالبان ونفوذ الأجنحة الأكثر تشددًا داخلها، ومنها ما هو متعلق باستخدام ورقة حقوق المرأة الأفغانية أو للخداع أثناء المفاوضات وقبلها، وثانيا للضغط والابتزاز للحصول على معونات ومكاسب سياسية وفي المجمل ليس هناك دافع مؤسس على قناعة فكرية لدى طالبان لتعطي المرأة حقوقها المشروعة.