تساءلت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية عن الأسباب التي تجعل الغرب مطمئنا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يستخدم السلاح النووي، مشيرة إلى أن الضغوط التي تتعرض لها روسيا خلال حربها في أوكرانيا تجعل كل شيء ممكنا.
وأشارت المجلة الأمريكية في تحليل بعنوان "هل بوتين ممثل عقلاني؟" إلى أن الرئيس الروسي أثار شبح الحرب النووي عندما بدأ العملية العسكرية في أوكرانيا فبراير الماضي، وكان يسعى من تحذيراته وتهديداته بالسلاح النووي، لمنع أي تدخل خارجي، وهو الأمر الذي أقنع العديد من دول الناتو في البداية وجعلها تبتعد عن المشاركة بشكل مباشر في الحرب.
وتابعت الصحيفة: لكن الحرب لم تسر بالشكل الذي كان يتوقعه الرئيس بوتين، فقد تدخلت العديد من الدول الغربية في الحرب بإرسال معدات وإمدادات عسكرية للقوات الأوكرانية، ومع تراجع القوات الروسية عاد بوتين وهدد من جديد باستخدام السلاح النووي، لمنع الناتو من زيادة دعمه لأوكرانيا إلى المستويات التي من شأنها هزيمة روسيا.
وأضافت: لكن مع فشل بوتين في تغيير التوازن العسكري لصالحه، عاد من جديد إلى التهديدات النووية، معلنًا أنه "للدفاع عن روسيا وشعبنا، سنستخدم بالتأكيد جميع أنظمة الأسلحة المتاحة لنا. هذه ليست خدعة "، إلا أن العديد من القادة الغربيين يعتقدون أن صرخات بوتين المتكررة بـ "الذئب النووي" تعني أنه يخادع.
ولذلك يقترحون عدم أخذ تهديداته على محمل الجد، وأن (بوتين) لن يستخدم السلاح النووي، بعبارة أخرى يصرون على أن بوتين عقلاني للغاية ولن يسمح بالمخاطرة بكارثة محتملة لحرب نووية، لكن المجلة حذرت من أن هذا الافتراض لا يستطيع الغرب تحمله، خاصة أن بوتين يرغب في إعادة روسيا المصابة إلى العظمة، ويكرر النجاحات السابقة في شبه جزيرة القرم ودونباس عام ٢٠١٤، واليأس المتزايد والعداء الدولي، يمكن أن يدفع الرئيس بوتين إلى اللجوء للأسلحة النووية.
ولفتت المجلة إلى أنه رغم أن احتمالات عبور بوتين لـ "العتبة النووية" قد تكون منخفضة، إلا أن الحكمة تملي على الناتو ألا يتجاهل اتخاذه مثل هذا المسار الخطير للعمل، ويجب على القادة الغربيين تحديد كيف يمكنهم منع مثل هذا التصعيد من التحول إلى كارثة.
ورغم الترجيحات بفرضية عقلانية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن والكثير من قادة الغرب بأن بوتين لن يخاطر بتفجير قنبلة نووية، بزعم أنه "عقلاني"، إلا أن المجلة الأمريكية ألمحت إلى أن التاريخ يذخر بالعديد من الحوادث التي تؤكد أن البشر في كثير من الأحيان لا يتصرفون بعقلانية.
عقلانية بوتين
وبحسب المجلة، تكمن المشكلة في أنه قد يعتقد كل المتنافسين أنهما يتنافسان على شيء من حقهما، وهذا هو الحال مع أوكرانيا، ينظر إليها بوتين على أنها مقاطعة ضالّة يجب استعادتها، ويرى الأوكرانيون وداعموهم في الناتو أنها دولة مستقلة يجب الدفاع عنها من نهب الكرملين، وبالتالي فإن كلا الجانبين على استعداد للانخراط في سلوك عالي الخطورة نسبيًا لامتلاك ما يعتقدون أنه ملكهم.
ودللت المجلة الأمريكية على أن احتمال نشوب حرب نووية قائم، بالحديث عن أن بوتين مثل "الطغاة الناجحين" الذين يتمتعون بدرجة عالية من التسامح بشكل غير عادي مع المخاطرة، وبدلاً من البحث عن مخرج من الحرب، قام بتصعيد الصراع وتعبئة جزئية للقوى العاملة الروسية وضم أربع مقاطعات أوكرانية مع توسيع هجماته لتشمل ضربات صاروخية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، وتتوافق هذه الإجراءات مع اكتشاف نظرية الاحتمالات بأن بوتين سيتحمل مخاطر أكبر لتأمين ما يعتقد أنه من حقه.
وشددت على أنه في حالة بوتين، يبدو أنه مقتنع بأن حربه هي مهمة لاستعادة شرف روسيا القومي، وتخليص البلاد من الإذلال الذي أعقب نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وفي خطابه السنوي عن حالة الأمة أمام البرلمان في عام ٢٠٠٥ ، أشار إلى انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن" واعتبر أنه من غير المقبول أن "عشرات الملايين من مواطنينا ومواطنينا وجدوا أنفسهم خارج الأطراف من الأراضي الروسية"، وبالنسبة لبوتين، فإن شرف روسيا يتطلب استعادة هؤلاء الروس "المفقودين"، حتى لو كان عليه أن يواجه مخاطر كبيرة لتحقيق ذلك.
وبصفته مهندس الحرب، سيجد بوتين صعوبة في صرف اللوم عن نفسه، الحرب التي كان من المفترض أن تنتهي بانتصار سريع لروسيا كان من الممكن أن تأتي بنتائج عكسية، في مثل هذه الظروف، قد يكون بوتين على استعداد لخوض مخاطر غير عادية، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، في محاولة لتجنب هزيمة مذلة.
الرد المجنون
وأوضحت المجلة، أنه لا يمكن للغرب أن يستبعد احتمال أن يلجأ بوتين إلى الأسلحة النووية لإجبار أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي على السعي لتحقيق السلام بشروط مواتية له، وهناك سيناريوهات لا تعد ولا تحصى لكيفية اختياره لعبور العتبة النووية.
وتابعت: يمكن أن يفجر بوتين سلاحا نوويا واحدا لإظهار استعداد روسيا للتصعيد إذا لم يتم تلبية مطالبه، أو قد يستهدف الكرملين أحد المفاعلات النووية الأوكرانية بضربة تقليدية، مما يخلق "تشيرنوبيل" جديد، ولا يزال بإمكان موسكو التعجيل بتأثيرات الأسلحة النووية، ومع ذلك ، فإن الرسالة ستكون هي نفسها ولا هوادة فيها، يحتاج أعداء روسيا إلى التراجع وإيجاد طريقة للخروج من الحرب قبل أن تزداد الأمور سوءًا. ولكن إذا فشلت هذه الطلقات في إقناع أوكرانيا والغرب، يمكن لبوتين أن يتخذ خطوة أخرى، استخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة.
أخيرًا، قد يختار بوتين استخدام الأسلحة النووية بالطريقة التي يخشى منها كثيرًا، كأداة للإرهاب، مثل توجيه ضربة إلى مدينة، تتجاوز بعض عائدات الأسلحة النووية التكتيكية الروسية ١٠٠ كيلوطن، أي ما يقرب من عشرة أضعاف ما حققته قنبلة هيروشيما، لو تم استخدام مثل هذا السلاح ضد كييف ، يمكن أن يتجاوز عدد الضحايا ١٠٠ ألف شخص، رغم أن بوتين قد يأمل في أن يؤدي ذلك إلى صدمة أعدائه في السعي لتحقيق السلام، إلا أنه قد يخاطر أيضًا بإشعال "هرمجدون"، في سعيه لاستعادة عظمة روسيا وقد يخاطر بوتين بتدمير بلاده.