لقد استمد القانون وجوده من الجماعات البشرية المختلفة، فهو قديم قدم تلك الجماعات، والمجتمع البشري هو الوعاء لكل القواعد القانونية، فلا مجتمع بدون قانون، کما أنه لا قانون بدون مجتمع، والإدارة في المجتمع هي الجهة المنفذة للقانون، وکل تطور يصيب المجتمع يلقي بظلاله على الإدارة والقانون معا، فإذا کانت الإدارة مرآة الحضارة، فإن القانون مرآة المجتمع وكلاهما يؤثران في التنمية.
وقد أثلج صدورنا ما صرح به المستشار عمر مروان وزير العدل،عن تصفية منظومة تشريعات الدولة ليصبح عددها ٦١٨ من أصل ١٧٠٤٩ نتاج عمل دؤوب للجنة العليا للإصلاح التشريعي علي مدار عامين لإصدار قاعدة البيانات التشريعية القومية وننتظر التطبيق علي أرض الواقع.
وكان الواقع العملي يفرز بعض المعوقات والصعوبات واللغط في تطبيق وتنفيذ القوانين منها:
تعدد جهات إصدار التشريعات.
تعدد السلطات والجهات التي تصدر القوانين والقرارات الوزارية.
أولها صاحب الحق الأصيل مجلس النواب متمثل في السلطة التشريعية.
ثم رئيس الجمهورية له حق إصدار القوانين في حالة الضرورة واصدارها في غيبة مجلس النواب.
ولرئيس الوزراء إصدار قرارات وله تفويض غيره وجميع الوزراء لهم إصدار قرارات وكثرة التشريعات لدرجة تصل إلى تضارب وتعارض بين نصوص التشريعات وكثيرا ما صدرت تشريعات في أزمنة مثيرة دون معرفة منطق صدورها لذلك كان الريبة والشبهات تدور حول وجود اهداف واغراض بعينها من وراء هذا التشريع ولأنها أيضا لم تخضع لأي حوار مجتمعي ولا حتي علي مستوي الفئات المخاطبين به.
وقرارات أخرى كانت بمثابة رد الفعل فنلاحظ أنه حالة الحوادث والأوضاع والمناسبات المفاجأة كان رد فعل المسئولين هو إصدار قرارات لمعالجة الوضع.
حيث كان المجتمع يعاني من ترهل تشريعي لقيام مشروع كل عصر بإصدار قرارات بقوانين تقتضيها حاجة أملتها ظروف معينة غالبا ما يكون ذلك علي عجل ومعزل عن القوانين السابق إصدارها عليه وهو ما كان يؤدي إلى تضارب في النصوص المضافة وأخري في تشريع آخر.
مع غياب التنسيق داخل جهة الإدارة وعدم وجود أجندة تشريعيه مدروسة بعناية لحل المشاكل العالقة أو المستقبلية وتنظيم الأعمال الحكومية.
والمثال على ذلك، قرار وزير الصحة والسكان رقم ٤٩٠ لعام ١٩٩٦ والمعدل بالقرار رقم ٧٢٠ لعام ٢٠١١ بشأن إعادة تنظيم قواعد صرف مقابل الجهود غير العادية للعاملين بمديريات الشئون الصحية بالمحافظات وديوان عام وزارة الصحة والسكان نظير العمل فترة مسائية.
مادة (١) يصرف حافز شهري ٦٠ % من الراتب الشهري لثلث القوة الأساسية التي تتطلب حاجة العمل أقسامهم فترة مسائية من بين العاملين بديوان عام وزارة الصحة، كما يصرف هذا الحافز بواقع ٤٠% من الراتب الاساسي في الجهات الأتية (أ) دواوين مديريات الشئون الصحية والمناطق الطبية والإدارات الصحية بالمحافظات (ب) مكاتب الصحة فيما يخص الوفيات....إلخ.
مادة (٢) لا يخل صرف الحوافز المنصوص عليها في هذا القرار بما يصرف من حوافز ومكافآت أخرى..إلخ.
وإذا استمر العامل فترة يتم تعديل الحافز الي أجر حسابه على الأجر الشامل، وفي ذات السياق نجد قرار محافظ البحيرة رقم ٥٢٥ لسنة ١٩٨٦ والقرار ١١٢٠ لسنة ١٩٩٤، وهو يتضمن ذات مضمون ما جاء بقرار وزير الصحة المشار إليه بعاليه الذي يحدد الأجر مقابل الجهود غير العادية من فترات مسائية وساعات عمل إضافية ويحسب بحد أقصي ٤٠ جنيه في الشهر فقط.
وهناك فارق كبير بين القرارين في المقابل المالي لأجر الجهود غير العادية، ففي حساب الأجر على قرار وزير الصحة والسكان يكون المبلغ المالي ضعف قرار المحافظ.
المثال الثاني
تعارض القرارات والتخبط في تنفيذها وتعريض المخالفين له للجزاء الجنائي وحسب تفسير القائمين على الضبط والتنفيذ تسير الأمور وهي تختلف من موظف لآخر ومن منطقة لأخرى.
قرار وزير الزراعة رقم ٨٢٩ لسنة ٢٠١١، بشأن تحديد الجهات المنوط بها الترخيص والرقابة على التشغيل الخاص بمحطات غربلة تقاوي الحاصلات الزراعية وحق إصدار الشركات لإنتاج تقاوي الحاصلات الزراعية ومخازنها ومحطات غربلتها ومنافذ توزيعها من الإدارة المركزية لفحص واعتماد التقاوي وإدارتها الفرعية في المحافظات والتصريح بنقل التقاوي الخام الصيفية والشتوية لمخازن الشركات المرخصة او لمحطات الغربلة بتصاريح معتمدة من وزارة الزراعة.
وقد وضح القرار الجهات الإدارية التي تقوم بالإشراف والرقابة علي محطات وشركات انتاج وحفظ التقاوي ومنافذ البيع والتداول.
والمدهش أن تصدر جهة الإدارة قرار آخر خاص بالتموين أثناء عمل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي لتصفية وتنقية القوانين.
وجاء قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ١٠٩ لسنة ٢٠٢٢ المعدل بالقرار رقم ١٣٩ لسنة ٢٠٢٣ الخاص بتسويق محصول الأرز الشعير المنتج محليا موسم حصاد ٢٠٢٢.
المادة (٢) تضاف مادتين برقمي السابعة مكرر والسابعة مكرر ١ الي القرار ١٠٩ لعام ٢٠٢٢.
وتنص السابعة مكرر، "يحظر نقل الأرز الشعير المحلي موسم حصاد ٢٠٢٢ إلا بعد الحصول على تصريح نقل معتمد من مديرية التموين والتجارة الداخلية المختصة، وذلك بعد تقديم ما يفيد قيام المصرح له بتوريد كمية الأرز الشعير المحددة بالمادة الثانية من هذا القرار.
السابعة مكرر ١ - يحظر على كافة المتعاملين بالأرز الشعير موسم حصاد٢٠٢٢ من مزارعين وموردين وشركات وتجار ومضارب وغيرهم تجميعه بقصد حجبه أو حبسه عن التداول أو الحد من توافره عن طريق إخفائه او تخزينه أو عدم طرحه للبيع".
والمفترض توحيد الجهود وقرار واحد فقط ينظم ويحكم تلك الأمور التي جاءت بالقرارين، ونقترح الحلول العملية الدائمة لسهولة ويسر الإلمام بالقوانين وعدم تزايد أعدادها مرة أخرى مع مراجعة الموجود منها ما يلي:
١- اقتصار التشريع علي مجلس النواب ممثل السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية فقط للقضاء على تلك المشاكل.
٢- تقليل عدد التشريعات بإلغاء وتنقيح ودمج وإصلاح بعض القوانين المتشعبة والمتشابكة دون تكرار حتى يتم تقليص عدد القوانين والقرارات المتضاربة
٣- ضرورة التنسيق الكامل بين الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات والوزارات داخل الحكومة ومن جهة أخرى التنسيق بين الحكومة ومجلس النواب والشيوخ في وضع أجندة تشريعية يتم العمل عليها خلال دور الانعقاد مع توضيح فلسفة تلك التشريعات.
٤- إعطاء دورات تدريبية لأعضاء الشئون القانونية في الوزارات في فن التشريع وفن الصياغة لبلورة الأفكار التي يراد بها قرارات جديدة لاستهداف المراد بها وحتي يتم التنفيذ الصحيح للقوانين واللوائح.
٥- طرح تعديل التشريعات التي تستدعي ذلك للمناقشة والدراسة المجتمعية لجميع أطياف الشعب لكشف السلبيات والمعالجة الإيجابية لتناسب الزمان والمكان حيث نتطلع لنظام تشريعي يعطي الثقة للفرد والجماعة جاذب للاستثمار المحلي والأجنبي لتحقيق مستوي دخل افضل تعم فائدته علي المجتمع كافه تنهض به مصر وتتطور وتلحق بركب التقدم والتنمية.