قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، إن الخروج من المأزق في لبنان يجب أن يكون عن طريق حل عام وتسوية عامة تنطوي قبل كل شيء على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة جديدة، والإسراع في عجلة الإصلاحات المنشودة وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي وبالتالي الحصول على المساعدات الدولية الموعودة، وذلك في سبيل احتواء المخاطر الكامنة حاليًا كشرط مسبق لأي نهوض اقتصادي مرجو على المدى المتوسط والطويل، معتبرًا أن لبنان من الدول والاقتصاديات التي ستنمو سريعا وستقدم درسا في كيفية التعافي بعد الأزمة الكبيرة التي حصلت.
جاء ذلك في كلمته اليوم خلال افتتاح فعاليات "منتدى بيروت الاقتصادي 2022" الذي ينظمه اتحاد المصارف العربية في العاصمة بيروت اليوم وغدا تحت عنوان "التجارب العربية في الإصلاح الاقتصادي وصولا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وأضاف أن الاقتصاد اللبناني حقق هذا العام نموا بنسبة اثنين في المائة وينتظر أن يكون النمو العام المقبل 3 ونصف في المائة وسنة 2024 خمسة في المئة، مؤكدا أن التحدي الأكبر المتعلق بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي يتمثل في استكمال مختلف السلطات اللبنانية إقرار القوانين والإجراءات الواردة في الاتفاق المبدئي الذي تم توقيعه على مستوى الموظفين بين لبنان والصندوق في شهر أبريل الماضي.
وأوضح ميقاتي في كلمته افتتاح فعاليات "منتدى بيروت الاقتصادي 2022 " أن إبرام الاتفاق النهائي مع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي يتطلب عددا من النقاط الأساسية أبرزها إقرار الحكومة لخطة التعافي من أجل تأمين معالجة كافة التشوهات المالية والنقدية والاقتصادية، مؤكدا أن هذه الخطة أقرت في مجلس الوزراء.
وركز على أن من بين المتطلبات التي تم تنفيذها إقرار مجلس النواب قانون تعديل السرية المصرفية واصفا إيه بأنه تطور أساسي في سبيل تحسين الشفافية والحوكمة وقواعد الامتثال، بالإضافة إلى مصادقة مجلس النواب قانون موازنة العام 2022 لإعادة إرساء الانتظام المالي.
وأشار إلى أن مطالب الصندوق تضمنت إنجاز الحكومة لمشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلا أن هذا الطلب بانتظار إقراره في مجلس النواب لكي يستعيد القطاع المصرفي عافيته، معتبرا أن هذه الخطوة تعد محورية لما تحمله من تحديات في ظلّ الخسائر الجمة في القطاع المالي.
وأكد أن الحكومة أنجزت أيضا مشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي تمهيدا لإقراره من مجلس النواب، مشددا على أن العمل جار بين الحكومة ومجلس النواب لإقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول والذي أرسلته الحكومة بهدف ضع ضوابط رسمية على التحاويل المصرفية، على أمل أن تتكثّف الجهود من أجل إقراره في وقت قريب.
وشدد على أن الواقع الاقتصادي اللبناني المرير وفداحة الأزمة المالية التي يعيشها الوطن والضغوطات الاجتماعية الراسخة، تقف شاهدًا على ضرورة وأهمية وضع استراتيجية ومشروع متكامل لتبني إصلاحات بنيوية تؤمن التعافي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي في البلدان التي تعاني من اختلالات اقتصادية جمة بما فيها بلدان منطقتنا العربية.
واعتبر أن مسار الإصلاح بلبنان بحاجة لدعم المجتمع الدولي ومؤازرته عبر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، معبرا عن قناعته أنه لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان من دون إقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد بما يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية إلى لبنان سواء من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة فيما بعد، مؤكدا أن المانحين لن يمدوا يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات وهو صندوق النقد، ومشددا على أن التوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي سوف يمكن أيضا من وضع البلاد على طريق النمو الاقتصادي الإيجابي وأن يحد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر اللبنانية بشكل عام.
وقال ميقاتي إنه على الرغم من النزيف الحاصل في الاحتياطي من النقد الأجنبي في الفترة الأخيرة، إلا أن الحكومة ستبقى ملتزمه باستكمال كل ما هو ضروري من أجل إعادة لبنان، إلى خارطة الاتزان المالي والنقدي في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، وإلى ضبط العجز في الموازنة وصولا إلى استدامة الدين العام، مشيرا إلى أن هذا النهج يتعزز عبر إنجاح المباحثات مع الصندوق، معتبرا أنها فرصة مهمة وأساسية للبنان واللبنانيين.
وأضاف أن لبنان يمكنه استعادة عافيته ومكانته وفقًا لقدرة مجتمعه السياسي على الاستفادة من الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا الانهيار وإعادة الحوكمة وانتظام العمل الديمقراطي السليم ومحاربة الفساد السياسي والإداري عبر تطبيق الدستور وتفعيل مؤسسات الدولة وحمايتها من النفوذ السياسي واعتماد وتطبيق مجموعة الإصلاحات.
واستطرد ميقاتي قائلًا إن القطاع المصرفي اللبناني يعاني اليوم من أزمة قاسية وخطيرة بحيث ينبغي تضافر جهود كل السلطات السياسية والنقدية والمصرفية من أجل احتواء الاختلالات القائمة والنهوض بالقطاع نحو التعافي والخروج من كبوته الحالية.
وشدد على أن عمق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني وتشعبها يستوجبان قرارات شجاعة وقوانين إصلاحية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ليصبح في وضع سليم بعد عقود من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة أو غير المتوازنة.