المعمل يفتح أبوابه للمواطنين للتأكد من سلامة الغذاء
أكثر من 250 ألف عينة تم تحليلها خلال العام الجاري
ندعم الصادرات المصرية دون أن نكلف خزينة الدولة جنيهًا
نتخطى القيمة التاريخية التي حققتها الصادرات المصرية بنهاية العام الجاري
نُقدم تخفيضات للمصدرين في سبيل دعم الصادرات
التغيرات المناخية تؤثر في الأمن الغذائي
نسعى لتحديث الأجهزة لنواكب التطورات التي تحدث في المركبات والمبيدات
قبل 6 أعوام، كانت الصادرات الزراعية المصرية تواجه تحديًا صعبًا في الأسواق الخارجية، فبين حين وآخر تطفو على السطح أزمة وجود متبقيات مبيدات أعلى من المسموح بها في بعض الشحنات المُصدرة، وهو ما يدفع الدول المستوردة منا إلى حظر دخول بعض أنواع الفاكهة والخضر.. لكن تبدل الحال، واختلف الوضع تمامًا، للحد الذي تجاوزت فيه صادراتنا الزراعية بنهاية العام الماضي 5.6 مليون طن لأول مرة في تاريخها.
أحد أضلُع هذا الإنجاز كان «المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة»، الذي التقينا مُديره، الدكتورة "هند عبداللاه"، وكان لنا معها الحوار التالي:
■ نبدأ من السوق المحلية.. ما دور المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات في حماية صحة المواطن المصري من الأغذية الملوثة؟
لأن الحفاظ على صحة المصريين هدف رئيس للمعمل، نقوم بفحص المنتجات الغذائية المتداولة في السوق المحلية بطريقتين متوازيتين، الأولى تكون بالتعاون مع لجنة المبيدات الزراعية بوزارة الزراعة من خلال؛ أخذ عينات للتحليل من الخضر والفاكهة والأغذية، سواء المتداولة في أسواق المحافظات أو التي يتم جلبها مباشرة من المزارع المُنتشرة على مستوى الجمهورية، ثم القيام بتحليل تلك العينات للتأكد من مطابقتها للمواصفات، ثم عرض النتائج على لجنة المبيدات، والتي بدورها تكون قد كونت فكرة شاملة عن المبيدات المستخدمة في السوق لتتخذ الإجراءات المناسبة.
أما الطريقة الثانية، فتكون بالتعاون مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء، التي تُقدم إلينا عينات من جميع المنتجات الغذائية الواردة، سواء الطازجة أو المُصنعة، بهدف فحصها والتأكد من سلامتها قبل دخولها وتداولها في السوق المصرية بين المواطنين، وبناءً على نتائج تحاليل المعمل أيضًا، تتخذ الهيئة قرارها بدخول المُنتج إلى السوق من عدمه.
إذن نقوم بفحص جميع الأغذية المتداولة في السوق، المحلية والواردة، الطازجة والمُجمدة والمحفوظة، من أصل حيواني ونباتي. ويكون الفحص، كيميائيًا، كالمبيدات والعناصر الثقيلة والمركبات العضوية الثابتة والعقاقير البيطرية والمضادات الحيوية ومضافات الأغذية، أو فحص ميكروبي، للأنواع المختلفة من الفيروسات والبكتيريا التي قد تصيب الأغذية.. وذلك كُله لأن صحة المواطن المصري هي ما تهمنا.
■ وعلى أرض الواقع.. هل يجري المعمل عمليات رصد لمتبقيات المبيدات في المزارع والأسواق أم يقتصر دوره على تحليل العينات التي تصله؟
في عمليات الرصد لدينا برنامجان، الأول "رصد في الأسواق" ومن خلاله يقوم فريق من الزملاء في المعمل بجمع عينات من المنتجات الغذائية في الأسواق المُنتشرة بطول مصر وعرضها، أما البرنامج الثاني فيكون "رصد من المزارع"، وفيه نقوم بجمع عينات من المحاصيل المُنتشرة في المزارع، أثناء فترة الحصاد، لفحصها وتحليلها، وتحديد الجيد منها وغير الجيد، قبل نزوله وتداوله في السوق المحلية.
■ يتعرَّض القطاع الزراعي لمجموعة من الشائعات التي تلقى رواجًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبرزها يتعلق بفواكه وخضر فصل الصيف كالبطيخ والخوخ المسرطن.. فما حقيقة هذا الأمر؟
لا يوجد ما يسمى بمبيد مُسرطِن في الأسواق المحلية، فالمصطلح غير دقيق علميًا.. أما بالنسبة للشائعات المرتبطة بالبطيخ والخوخ وغيرهما فهي مُنتشرة مُنذ أكثر من 10 سنوات، لكن ما يستدعي التساؤل؛ لماذا تظهر تلك الشائعات خلال الصيف تحديدًا؟ هل هذا يعني أننا نستخدم المبيدات في المحاصيل الصيفية فقط؟.. هذا طبعًا غير معقول، وعارٍ من الصحة، فالمحاصيل الزراعية في كل دول العالم تستخدم المبيدات، لأنها ضرورة مُلحة للتخلص من الآفات وحماية الإنتاج.. دعني أقول إن سوء استخدام المبيدات لا يكون مُسرطنا أو يسبب نزلة معوية أو تسمُما بالشكل الذي تروجه الشائعات، لأن تركيز متبقيات المبيدات هى أجزاء في المليون والمليار.. وإن حدث لشخص ما نزلة معوية أو تسمُم بسبب تناوله فاكهة مُعينة، فهذا لا يعني أبدًا أن السبب هو المبيدات، لكن قد يكون بسبب أنواع أخرى من الملوثات، كالبكتيريا والميكروبات.. ونحن نفتح أبواب المعمل لمن يُشكك في انتشار فاكهة أو خضر ملوثة بالمبيدات.
■ ما الفرق بين دور المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات والمعمل المركزي للمبيدات ولجنة المبيدات الزراعية؟ وهل تتعاون الجهات الثلاث معًا؟
الثلاث جهات تمثل حلقة متكاملة، تبدأ من لجنة المبيدات المسئولة عن تسجيل ودخول المبيدات إلى السوق المصرية، مرورًا بالمعمل المركزي الذي يفحص المبيدات للتأكد من فاعليتها ومطابقتها للمواصفات، إلى أن يتم استخدام هذه المبيدات في المزارع، ليأتي أخيرًا دور معمل متبقيات المبيدات الذي يحكم على المُبيد إن كان ناجحًا أو غير ناجح.. فالمتبقيات هي المؤشر لنجاح تداول المبيدات في مصر.
■ وهل لمعمل المتبقيات دور في وضع قيود على أصحاب متاجر المبيدات، كمنح رخصة مزاولة أو منعها، أو مكافحة الاتجار غير المشروع للمبيدات عبر شبكة الإنترنت؟
هذه الأدوار منوط بها المعمل المركزي للمبيدات، وتحديدًا قسم الرقابة على المبيدات داخل هذا المعمل، بالإضافة لدور لجنة المبيدات الزراعية بوزارة الزراعة.
■ ننتقل إلى نقطة الصادرات.. ما دور المعمل في دعم الصادرات الزراعية المصرية؟
المعمل هُنا هو المعمل الأساسي، والمَرجع، وصمام الأمان للصادرات الزراعية والغذائية المصرية، فعلى مدار 27 عاما والمعمل على جودة عالية من الاعتماد، فالدول الأوروبية تعترف بتحاليلنا.. وكل أنواع الحاصلات الزراعية، والمنتجات الغذائية، التي يتم إعدادها للتصدير إلى دول العالم تدخل إلى المعمل لتحصل على شهادة ثقة بجودتها.
■ حتى عام 2017 كانت بعض الدول تطبق حظرا على بعض الصادرات الزراعية المصرية وكان السبب دائمًا أن تلك الصادرات تحتوي على متبقيات مبيدات أعلى من المسموح به.. الوضع حاليًا مختلف تمامًا، ماذا حدث خلال الـ5 أو 6 أعوام الماضية؟
حدثت أشياء كثيرة.. كل جهة تؤدي دورها بكفاءة عالية حاليًا، سواء المصدرين أو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية أو الحجر الزراعي، وبالتالي كل الجهات تعمل بجدية من حيث المُمارسات الزراعية الجيدة أو التوجيه أو التدريب أو الإرشاد أو التكويد أو المراقبة.. أما بالنسبة للمعمل المركزي لمتبقيات المبيدات، فقد شهد تطويرًا غير مسبوق، بإصقال خبرة كوادره وإضافة أجهزة حديثة لا تقل عن مثيلاتها في الدول الكبرى، فأصبحت نتائج تحاليل العينات لا تختلف عن نتائج فحصها في المعامل الأوروبية.
■ حققت الصادرات الزراعية المصرية أعلى قيمة في تاريخها بنهاية العام الماضي 2021، بقيمة تخطت 3 مليارات دولار.. فهل نستطيع القول إن الدور الأبرز في هذا الإنجاز كان للمعمل هنا؟
هي حلقة متكاملة كما ذكرت.. وأتوقع أنه بنهاية العام الجاري سنتخطي الرقم السابق، برقم تاريخي جديد، ولديّ مؤشر على ذلك؛ فعدد العينات التي أجراها المعمل للتصدير خلال هذا العام أكبر من العام الماضي.
■ بالرغم من أننا نتحدث عن وضع مستقر جدًا للصادرات الزراعية المصرية إلا أنه انتشرت أخبار، تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفض إحدى الدول العربية لشحنة برتقال مرة وشحنات عصائر مرة أخرى.. فما حقيقة هذا الأمر؟
مُجرد شائعات، فلم يصلنا أي تقارير رسمية تُفيد ذلك، وللتوضيح؛ فإن أي دولة ترفض شحنات واردة إليها، تقوم بإرسال إشعار إلى الحجر الزراعي للدولة المُصدرة أو لمجلس تصدير الصناعات الغذائية، ثم يتم إخبارنا به.. بالعكس، تلقينا شكرا، على عينات قُمنا بتحليلها، من الهيئة الرقابية لإحدى الدول التي أُشيع أنها رفضت شحنات مصرية.
■ هل معمل متبقيات المبيدات يقدم استشارات للمصدر المصري؟
بالتأكيد.. فدورنا لا يقتصر على تحليل المُنتجات المُعدة للتصدير فقط، ولكن يمتد ليشمل الإرشاد والتوعية والاستشارات الفنية للمصدرين، بمعني أنه في حالة وجود نسب غير مسموح بها من المتبقيات في عينات الحاصلات الزراعية لأحد المصدرين، فلا نكتفي بإخباره بالنتائج، بل نُقدم له الاستشارة الفنية فيما يجب أن يقوم به لاحقًا.. بالإضافة لذلك؛ نشارك في ورش عمل ومعارض مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، ونُقدم للمصدرين من خلالها؛ تدريبات واستشارات فنية.
■ بعض المصدرين يشتكون من تكاليف إجراء التحاليل.. فهل المعمل يقدم تخفيضات في رسوم التحاليل خاصة أن تلك الخطوة من شأنها أن تسهم في دعم الصادرات المصرية بنسبة كبيرة؟
المعمل لم يقُم بتحريك أسعار التحاليل مُنذ عام 2016، وهي مدة طويلة، في سبيل دعم الصادرات المصرية، فضلًا عن تقديم تخفيضات في رسوم التحاليل للمصدرين أعضاء غرفة الصناعات الغذائية أو المجلس التصديري، وفقًا لبروتوكولات موقعة مع تلك الجهات، وأيضًا يقدم تخفيضات للمصدرين الدائمين على تحليل العينات بالمعمل، بالإضافة لنوع آخر من الخصم قد لا يُلاحظه المصدر؛ وهو أنه في حالة وجود عينة تصدير تم رفضها بعد التحليل، يتحمل المعمل ضعف تكلفة التحليل مرتين أيضًا، حيث نقوم بإجراء تحليل للعينة المرفوضة مرتين للتأكد من القرار.
■ في أكتوبر من العام الماضي 2021 أصدرت هيئة سلامة الغذاء أول لائحة مصرية لوضع حدود لمتبقيات المبيدات، فما أهمية اللائحة؟ وماذا عن نتائجها على أرض الواقع؟
كنت عضوًا في اللجنة التي وضعت تلك اللائحة، وتأتي أهمية اللائحة من أن الدول الكبرى لديها لوائح مُماثلة، تتحكم من خلالها في جميع المنتجات الغذائية التي يتم تداولها أو استيرادها.. وبجانب ذلك؛ فاللائحة لها انعكاس إيجابي على الصادرات أيضًا؛ فالدول التي نُصدر إليها عندما تعرف أن لدينا لائحة تحدد برامج رصد داخلية لمتبقيات المبيدات وتحترم المواطن فيها أولًا وتراقب أسواقها جيدًا، تتكون لديها فكرة إيجابية بأن تلك الدولة التي تستورد منها تسير في الطريق الصحيح ولا خوف منها أبدًا.
■ إذا تحدثنا بشكل عام عن المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات.. كم تبلغ القوة العاملة فيه؟ وكم عدد أقسامه؟
نتحدث عن نحو 300 باحث وقائم بالتحليل وأفراد صيانة وجهات معاونة.. لدينا 7 أقسام داخل المعمل، وأيضًا مركز تدريب حصل على اعتماد مُنذ أيام قليلة في مواصفتي الـ9001 و21001.. بالإضافة إلى أن المعمل مُعمتد في الأيزو 17025 والأيزو 17043.. وهذا يعني؛ دقة عالية في نتائج المعمل، وأننا مُراقبون طول الوقت، فخلال العام الجاري تم التفتيش على المعمل من قبل جهتين عالميتين للمراقبة.
■ وهل المعمل يوفر برامج تدريب للعاملين على طرق التحليل الحديثة لمتبقيات المبيدات؟
من أساسيات اعتماد المعمل دوليًا أن يكون لدينا تدريب للعاملين على طُرق التحليل الجديدة باستمرار، سواء من خبراء قادمين من الخارج أو الكوادر الموجودة داخل المعمل.. هذا بالإضافة لمواكبة المعمل لأي تطور عالمي في تحليل العينات، بإضافة أحدث الأجهزة.
■ يرتبط المعمل بعلاقة مع إفريقيا.. نريد أن نعرف المزيد عن هذه العلاقة؟
المعمل يقدم خبراته، سواء في التعامل مع أحدث الأجهزة أو في طرق التحليل والفحص الحديثة، إلى الدول العربية والأفريقية، بإرسال كوادر أو استقبال متدربين، فخلال العام الماضي قدم المعمل خبراته لمتدربين من 7 دول عربية وأفريقية.. بالإضافة إلى أننا نُعد المعمل المرجعي للاتحاد الأفريقي، بمعنى أنه في حالة الاختلاف على تحليل عينة في إحدى دول الاتحاد، يستعينون بنا لتحليل تلك العينة والفصل والحكم فيها.
■ كم عينة يتم تحليلها في المعمل سنويًا؟
العام الماضي وصلنا إلى ربع مليون عينة تم تحليلها، أما العام الجاري فسيكون الرقم أكبر.
■ هل يحق للمواطن العادي أن يأتي للمعمل وفي يده مُنتج غذائي أو محصول زراعي ما لتحليله، أم الأمر يقتصر على الجهات الرسمية والمصدرين فقط؟
بالتأكيد.. أي شخص من حقه تحليل عينة، ولا يقتصر دورنا على فحص العينات الغذائية، بل يشمل أيضًا العينات البيئية، كعينات التربة والمياه والهواء، وبعض الملوثات المختلفة.. ومؤخرًا، أضاف المعمل "المواد الملامسة للغذاء" كالأطباق ومواد التغليف وغيرهما، ضمن قائمة ما يتم تحليله داخل أروقة المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات.
■ وما هي الإجراءات المتبعة في حالة وجود نسب غير آمنة في عينة تحليل منتج أو محصول ما؟
نحن جهة للتحليل، لكن الجهات الرقابية هي التي من حقها أن تأخذ الإجراءات المناسبة، لذلك نعرض نتائج التحاليل المرفوضة على الحجر الزراعي، أو مجلس الحاصلات، أو المجلس التصدير أو سلامة الغذاء.. كُل فيما يخصه، وتلك الجهات هي التي تتخذ الإجراءات اللازمة.
■ من خلال إيرادات التحاليل التي يقوم بها المعمل.. هل نستطيع القول بأن المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات أحد مصادر الدخل المهمة لخزينة الدولة؟
بشكل كبير.. ويكفي أن أخبرك أننا نقوم بدعم الصادرات دون أن نكلف خزينة الدولة جنيهًا واحدًا.
■ أخيرًا.. بمناسبة استضافة مصر لقمة المناخ خلال الأيام الماضية في شرم الشيخ، ما هي العلاقة بين المبيدات وتغيرات المناخ التي يأتي على أساسها أهمية المعمل؟
يتسبب تغير المناخ في ظهور آفات واختفاء أخرى، وبالتالي فإن المبيدات التي يقوم المزارعون باستخدامها لن تكون قادرة على مكافحة الأنواع الجديدة، فيلجأ بعضهم إلى رش المحاصيل بالمبيدات بشكل أكبر كثافة، وهو ما يؤثر على سلامة الغذاء في المقام الأول بسبب زيادة فرص نسب التلوث، فضلًا عن؛ الإضرار بالأمن الغذائي، لأن الآفة الجديدة التي لا أستطيع مقاومتها بالمبيدات المُعتادة ستقضي على المحاصيل.
الوجه الآخر لتأثير التغيرات المناحية؛ يتمثل في ظهور متحورات جديدة للفيروسات والميكروبات الغذائية.. ولذلك، نسعى طوال الوقت في المعمل إلى تحديث الأجهزة بشكل مستمر، لكي نتواكب مع التطورات التي تحدث في المركبات والمبيدات التي يتم استحداثها لمقاومة الآفات الناتجة عن التغيرات المناخية.