أجرى البابا فرنسيس، صباح اليوم الأربعاء، مقابلته العامة المعتادة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان وتطرق خلالها إلى التعزية الروحية التي تقوِّي الإيمان والرجاء فينا وتَمنحنا القدرة على صنع الخير، كما أنها تجعل الإنسان يشعر بأنه محاط بحضور الله، بطريقة تَحترم دائما حريته. كما تطرق فرنسيس إلى التعزيات الزائفة، التي تحمل الإنسان على الانغلاق على ذاته وعلى عدم الاهتمام بالآخرين.
واستهل البابا تعليمه الأسبوعي قائلا إنه يود أن يتحدث عن التعزية التي هي عنصر آخر مهم من التمييز، وتساءل ما هي التعزية الروحية؟ مجيباً أنها خبرة عميقة من الفرح الداخلي، الذي يسمح برؤية حضور الله في جميع الأشياء، كما أنها تقوي الإيمان والرجاء وأيضا القدرة على صنع الخير.
وأوضح فرنسيس، أن الشخص الذي يعيش التعزية لا يستسلم أمام الصعوبات، لأنه يختبر سلاماً أقوى من المحن. لذا فالتعزية هي عطية كبيرة للحياة الروحية وللحياة بصورة عامة.
بعدها، أكد البابا أن التعزية هي حركة حميمة، تلامس أعماق كياننا، إنها ليست مبهرَجة بل عذبة ورقيقة كنقطة المياه على الإسفنجة، كما كان يقول القديس أغناطيوس، إذ يشعر الإنسان أن حضور الله يلفه بطريقة تحترم حريته. ولفت البابا إلى أن التعزية لا تسعى إلى فرض نفسها على إرادتنا، وليست حالة من الابتهاج العابر إذ يمكن أن تعزي الإنسان حتى في أوضاع الألم.
هذا ثم قال البابا إن فكره يتجه إلى القديس أغناطيوس عندما تحدث مع والدته مونيكا عن جمال الحياة الأبدية، كما أنه يفكر بالسعادة الكاملة للقديس فرنسيس والمرتبطة بأوضاع يصعب تحملها، أو بالعديد من القديسين والقديسات الذين تمكنوا من صنع أمور عظيمة، ليس لأنهم كانوا بارعين وأكفاء، بل لأنهم تركوا محبة الله الهادئة والمفعمة بالسلام تغمرهم.
ولفت الحبر الأعظم إلى أن هذا هو السلام الذي شعر به القديس أغناطيوس عندما كان يقرأ سيرة حياة القديسين، وهو السلام الذي اختبرته أيضا إيديث شتاين بعد ارتدادها. فبعد سنة من نوالها سر العماد كتبت أنها عندما بدأت تستسلم لهذا الشعور، راحت حياة جديدة تملأها شيئا فشيئا، وتدفعها نحو انجازات جديدة، مؤكدة أن هذا التدفق الحيوي جاء من قوة ليست قوتها: قوة صارت ناشطة بداخلها.
وتابع البابا تعليمه الأسبوعي موضحا أن التعزية تتعلق قبل كل شيء بالرجاء، إنها تمتد نحو المستقبل، وتسمح باتخاذ مبادرات تم إرجاؤها، أو لم يكن تصورها ممكناً، كما حصل مع معمودية إيديث شتاين. هذا ثم أشار فرنسيس إلى أن التعزية الروحية لا يمكن التحكّم بها، أو برمجتها حسب أهوائنا، إنها عطية من الروح القدس، تسمح بالتعرف على الله ملغية المسافات.
وذكر البابا هنا بالقديسة تيريزا الطفل يسوع التي زارت بازيليك الصليب المقدس في روما، عندما كانت في الرابعة عشرة من العمر، وحاولت أن تلمس أحد المسامير التي استُخدمت لصلب يسوع. وكتبت حينها أنها كانت جريئة جدا، بيد أن الرب يرى في أعماق القلب، وقد أدرك أن نيتها كانت صافية، وكانت تتصرف معه كطفلة تعتبر أن كنوز والدها هي ملك لها. وأكد الحبر الأعظم أن تلك الفتاة اليافعة تعطينا وصفاً رائعاً للتعزية الروحية: فقد خالجها شعور بالحنان تجاه الله، يجعلها جريئة في رغبة المشاركة في حياته، وفي صنع ما يعجبه هو، وهنا نشعر أن بيته هو بيتنا، نشعر أننا مقبولون ومحبوبون ومبرّؤون.
ولفت البابا إلى أنه مع هذه التعزية لا يستسلم الإنسان للصعوبات: فبالجرأة نفسها طلبت تيريزا من البابا آنذاك أن تدخل الدير وقد استجاب لطلبها على الرغم من صغر سنها.
لم يخل تعليم فرنسيس من الحديث عن التعزيات الزائفة، التي تحمل الإنسان على الانغلاق على ذاته وعلى عدم الاهتمام بالآخرين وتتركه فارغاً وبعيداً عن محور وجوده. من هذا المنطلق شدد البابا على أهمية التمييز عند الإنسان حتى عندما يشعر بالتعزية لأن التعزية المزيفة يمكن أن تتحول إلى خطر إذا ما تم البحث عنها كغاية بحد ذاتها، وبشيء من الهوس، مع نسيان الرب. ولفت إلى القديس برنارد الذي تحدث عن الذين يبحثون عن تعزيات الله عوضا عن البحث عن إله التعزيات. وهؤلاء هم كالطفل الذي يبحث عن والديه كي ينال منهم شيئا ما وحسب. وبهذه الطريقة – ختم البابا قائلا – يواجه الإنسان خطر عيش العلاقة مع الله بطريقة صبيانية، واختزاله بسلعة تلبي احتياجاتنا، وهكذا يفقد المرء العطية الأجمل التي هي الله نفسه.