قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن ما كان في مملكة البحرين منذ أيام قلائل من لقاء يتجدد حينا بعد حين بين الإمام الأكبر والبابا فرنسيس، وما كان بينهما من حوار مثمر حول: «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني» خير دليل على أن الأزهر وعلومه والعقول التي شكلتها تلك العلوم يملك من مقومات القوة والأصالة ما يمكنه من المحافظة على هويته دون انغلاق أو جمود أو تحجر، بل تمكنه من التفاعل مع العالم كله من حوله، كما أن مثل هذه اللقاءات التي يرعاها مجلس حكماء المسلمين برئاسة الإمام الأكبر، وما تثمر عنه من نتائج طيبة لتؤكد ضرورة التلاقي والتواصل الفعال بين العقول المتباينة، والتي تعود بالنفع على الإنسانية كلها.
ووجه وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الثاني لـ«جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية» والذي جاء تحت عنوان «الدراسات الإسلامية في الجامعات: الرؤى والمناهج»، الشكر لمجلس الحكماء على جهوده؛ كما وجه الشكر والامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة على دعمها الكامل لهذه الجهود وبرعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الذي لا يتوانى عن خدمة قضايا وطنه وأمته والإنسانية كلها.
وأكد أنه إذا كنا نؤمن أن الإسلام دين العلم، فإن من الواجب أن نفهم أن العلم الذي ندب إليه الإسلام لا يتوقف عند العلم الشرعي وحده، بل إنه يمتد ليشمل علوم الحياة وعلوم الكون، وضروب النشاط الإنساني كافة؛ ومن ثم فإن التكنولوجيا أداة نافعة لاكتساب خبرات جديدة متنوعة، والاطلاع على آفاق واسعة من الثقافات المختلفة، والحقيقة أن الفيصل بين إيجابيات التكنولوجيا وسلبياتها يتوقف على وعي الأفراد ومسئولية المؤسسات؛ فإذا استخدمت التكنولوجيا فيما يستثمر الوقت والفكر والأدوات، مع التأكد من مصادر المعلومات والبيانات وصحتها، فإن هذا بلا شك يحقق نتائج نافعة، بخلاف ما لو كان استخدام التكنولوجيا بلا ضوابط أخلاقية أو قيود قيمية.
وأكد الدكتور الضويني أن الواقع يشهد أن التعليم الجيد مؤشر صادق وأداة فاعلة في طريق تقدم الدول والمجتمعات، بل يكاد يكون التعليم اللبنة الأولى التي تعتمد عليها الدول في تقدمها، وكلما تطور التعليم وتطورت وسائله كان سبيلا لإخراج جيل واع يسهم بفاعلية في مسيرة بلاده، وإذا كانت الدراسات الإسلامية تحمل عبء تصوير الإسلام وترجمة مراد الله من خلقه؛ فإننا لا ينبغي أن نغفل المناهج غير الدينية، والتي تستورد في الغالب جاهزة أو تستمد على أفضل تقدير من مناهج دول تختلف عنا ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، بالإضافة إلى أن محاولات الإصلاح تسير في كثير من الأحيان بطريقة تزيد من مشكلات التعليم ولا تصلحه، وتهدد الهوية ومكوناتها، وخاصة إذا تولى أمر الإصلاح غير متخصص أو غير متجرد، يحمل المناهج الدينية أكثر مما تحتمل، وهي كغيرها من المناهج تعاني من بعض المشكلات.
واختتم كلمته قائلا: “إننا إن صدقنا النيات وأردنا تجديدا حقيقيا وإصلاحا ملموسا لتعليمنا، فعلينا أولا وقبل كل شيء أن نعرف ما يراد منا، وما يراد بنا، وأن نحسن قراءة واقعنا ومشكلات مؤسساتنا، وأن يكون المنطلق هو الإصلاح والتطوير الحقيقي، وليس إرضاء لمنتقد، أو استجابة لضغوط، مطالبا بإعادة النظر في الفكر الإسلامي والتراث الثري بما يمكن من تحقيق مقاصد الدين الإسلامي الحنيف وقراءة الواقع وقيادة المستقبل”.