رأت مجلة "ذا ديبلومات" الأمريكية أن الاجتماع الأخير بين رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، والرئيس الصيني، شي جين بينج، على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي، يوم 15 نوفمبر الجاري، يشير إلى تراجع التوترات بين كانبرا وبكين، واصفة المحادثات التي تجري للمرة الأولى بين البلدين منذ 5 سنوات بأنها انفراجة تأتي بعد تدهور طويل في العلاقات كان مدفوعا بعدد من العوامل المثيرة للقلق، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية والعقوبات التجارية الصينية لأستراليا.
وأشارت المجلة، المتخصصة في الشئون الآسيوية، إلى أن الاجتماع بين ألبانيز وشي كان متوقعا، بحسب المراقبين، خاصة بعد المكالمة الهاتفية المفاجئة التي جرت يوم 8 نوفمبر الجاري بين وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونج ونظيرها الصيني وانج يي، والتي تزامن معها اجتماعا بين زعيم المعارضة السياسية في أستراليا بيتر داتون وسفير الصين في كانبرا، بالإضافة إلى خطابات الصين الأكثر دفئا منذ فوز حزب العمال في الانتخابات الفيدرالية بأستراليا في مايو الماضي، لكن يظل النشاط الدبلوماسي بين البلدين خلال الأيام الثمانية من 8 إلى 15 نوفمبر أمرا مفاجئا.
وبحسب "ذا ديبلومات"، فلفهم سبب تواصل بكين مع كانبرا الآن، يتعين النظر عبر المحيط الهادئ في اتجاه كندا؛ لأنه من المحتمل أن يكون للتطورات الأخيرة التي وقعت هناك تأثيرا على عنصر اقتصادي متزايد الأهمية في العلاقة بين أستراليا والصين، وهو الصادرات الأسترالية من خام الليثيوم.
وأوضحت المجلة أنه في وقت سابق من نوفمبر الجاري، أمرت الحكومة الكندية 3 شركات صينية بسحب استثماراتها من بعض مناجم الليثيوم في كندا، لافتة إلى أن وزير الابتكار والعلوم والصناعة الكندي فرانسوا فيليب شامبين برر القرار بأن "كندا ستتصرف بشكل حاسم عندما تهدد الاستثمارات أمنها القومي وسلاسل توريد المعادن الحيوية لدينا"، كما أعلن أن الحكومة ستساعد الشركات الكندية بشكل استباقي "على تحديد وإيجاد شراكات من شأنها أن تخدم المصلحة الفضلى للشركات والعمال والاقتصاد الكنديين".
ونوهت بأن كندا تعتبر لاعبا غير أساسي في سلسلة توريد الليثيوم العالمية، ومع ذلك تكمن أهمية هذه الخطوة في أن الدولة الديمقراطية الغربية المتطورة قد استندت إلى ضرورات الأمن القومي والاقتصادي لعرقلة الاستثمارات الشرعية الصينية، والتي يحركها السوق إلى حد كبير، لكن الأكثر أهمية من ذلك أن الليثيوم حاليا هو سلعة تتزايد أهميتها في مستقبل يهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية، خاصة بالنسبة للصين.
وأضافت المجلة أن الليثيوم له العديد من الاستخدامات الهامة الأخرى مثل صناعة بطاريات السيارات الكهربائية وهي سوق سريعة النمو، إذ من المتوقع أن تستحوذ المركبات الكهربائية على خُمس مبيعات السيارات الخفيفة في العالم بحلول عام 2025، و59% بحلول عام 2035.
وبالنظر إلى هذه الصناعة المتنامية، تهيمن الصين حاليا على سوق بطاريات السيارات الكهربائية، حيث تساهم بنسبة 56% في المعروض العالمي. ومن المتوقع أن تضاعف الصين قدرة تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون في عام 2024، مقارنة بعام 2000، لتصل إلى ما يقرب من 600 جيجاوات ساعة، بحسب المجلة.
وبالإضافة إلى ذلك، شرعت الصين في وضع نفسها على مسار الريادة العالمية في قطاع السيارات الكهربائية، ومن المتوقع، فعليا، أن تتجاوز بكين هذا العام تعهدها المستهدف لعام 2025 للصناعة المحلية للسيارات الكهربائية، لاسيما وأن مبيعات السيارات الكهربائية تشكل 20% من مبيعات السيارات في السوق المحلية 80% منها من منتجين محليين.
وتُشير التوقعات أيضا إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية في الصين قد تصل إلى 6 ملايين وحدة خلال العام الجاري، أي أكثر من بقية دول العالم مجتمعة، وما يساوي تقريبا الحجم الإجمالي لمبيعات السيارات الكهربائية عالميا في عام 2021.
وأشارت المجلة إلى أنه رغم ارتفاع سعر الليثيوم مؤخرًا إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن أسعار بطارية الليثيوم-أيون لكل كيلوواط بالساعة أرخص بثلاثين مرة مما كانت عليه في أوائل تسعينيات القرن الماضي، مما يرجح أن تظل هي المصدر الرئيسي لطاقة المركبات الكهربائية في الصين والعالم على المدى المتوسط.
وترى "ذا ديبلومات" أن احتمالية احتدام المنافسة على هذه السلعة الحيوية تدفع الدول الغربية مثل كندا إلى تأمين سلاسل توريد الليثيوم، وهو توجه اشتد فقط في أعقاب انعدام أمن الطاقة الناجم عن الحرب الروسية-الأوكرانية، وكذلك الحال في الاتحاد الأوروبي الذي أضاف الليثيوم إلى قائمة المعادن الاستراتيجية في عام 2020.
وأشارت إلى أنه رغم مواجهة الصين نقصا قياسيا في إمدادات الليثيوم، إلا أنها مازالت في صدارة هذا السوق الناشئ، حيث حصلت على حصص مسيطرة أو كبيرة في الشركات التي لديها حقوق تعدين في مناطق الإمداد الحرجة، والتي تشمل "مثلث الليثيوم" في أمريكا الجنوبية (الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي).
لكن دول الغرب مازالت تتصرف بناء على مخاوفها المتزايدة بشأن هيمنة الصين في سلاسل التوريد العالمية، ولذلك فإن خطوة كندا لمنع الاستثمارات الصينية في مناجم الليثيوم، وجهود الولايات المتحدة الأخيرة لحرمان الصين من الوصول إلى تقنيات الرقائق المتقدمة، أثارت مخاوف في الصين من أن تكثيف المنافسات الجيواستراتيجية والجغرافية الاقتصادية يمكن أن يحفز واشنطن وحلفائها على استخدام التشريعات الأمنية لمنع وصول الصين إلى "النفط الجديد" للقرن الحادي والعشرين.
وبحسب المجلة، فإن هذا الأمر قد يشكل مصدر قلق كبير لبكين؛ نظرا لأن إمدادات الصين الخارجية من الليثيوم تأتي بشكل أساسي من أستراليا التي يمكن وصفها بأنها أقوى حليف جيوستراتيجي للولايات المتحدة.
وفيما يخص تجارة الليثيوم بين أستراليا والصين، ذكرت المجلة أن أستراليا تمتلك خامس أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم، وتساهم بنحو 60% من المعروض العالمي، وتُصدر 90% من إنتاجها إلى الصين. كذلك تمتلك الشركات الصينية حصصا كبرى في مناجم أسترالية رئيسية، وعليه، وفقا لـ"ذا ديبلومات"، فإن صادرات واستثمارات الليثيوم وأهميتها في سياق العلاقة بين أستراليا والصين جذبت الاهتمام مؤخرا.
لكن مع احتدام التنافس الجيوستراتيجي، فيما يبدو كمرحلة أولية لتحول النظام العالمي من الأممية الليبرالية إلى التكتلات القائمة على القيمة، بدأت الصين ترى علامات تحذيرية من احتمالية انحراف أستراليا نحو كندا والولايات المتحدة فيما يخص قضية أمن المعادن الحيوية.
ونوهت المجلة بأنه رغم سعي الصين الحثيث لتقليل اعتمادها على الموردين الأجانب لليثيوم مثل أستراليا، إلا أن الصادرات الأسترالية مازالت حاسمة، على المدى القصير، لخطط الصين للاستفادة من مكاسبها المبكرة وتعزيز مكانتها الرائدة في قطاع الطاقة بعد التخلي عن الكربون.
وبالتالي، فإن رغبة بكين الشديدة في دعم إمدادات أكثر استقرارا من الليثيوم على المدى القصير والمتوسط يمكن أن تكون عاملا مهما يحفز محاولتها لإصلاح العلاقات مع أستراليا، لكن بحسب المجلة، قد تكون محاولات الصين لإصلاح العلاقات مع كانبرا بناء على استنتاج بكين فشل التدابير القسرية التي اتخذتها تجاه كانبرا.
واختتمت المجلة تقريرها بأنه مع الوقت ستظهر حقيقة ما إذا كان الليثيوم هو العامل المحفز الرئيسي وراء تحركات الصين الأخيرة لرأب الصدع في علاقاتها مع أستراليا أم لا، منوهة بأن الصين اختارت اللحظة المناسبة للإقدام على هذه الخطوة مع التزام الحكومة الأسترالية الحالية بمكافحة تغير المناخ أكثر من سابقتها. ورجحت أن تصبح صادرات واستثمارات الليثيوم عاملا محوريا في العلاقة المستقبلية بين أستراليا والصين.