عبدالرحمن السندى يقتل سيد فايز غدرًا كما فعل الأخير مع النقراشى
الجماعة استعانت بالعيسوى لاغتيال أحمد ماهر للتمويه على علاقتها بالعملية
الجماعة حاولت اغتيال رئيس الوزراء.. ولكنها أصابت رئيس مجلس النواب
رغم خروج الإنجليز فى 1954 فإن الجماعة قامت بإحياء النظام الخاص
الإخوان لم يعترفوا بحادث المنشية رغم اعتراف كل المشاركين فى العملية بانتمائهم للجماعة
اغتيال أحمد ماهر
في ٢٤ فبراير ١٩٤٥ كان أحمد ماهر باشا متوجها لمجلس النواب لإلقاء بيان من هناك وأثناء مروره بالبهو الفرعوني قام شاب يدعى محمود العيسوي بإطلاق الرصاص عليه وقتله في الحال.
وبعد الحادث ألقي القبض على حسن البنا وأحمد السكري وعبدالحكيم عابدين وآخرين من جماعة الإخوان والتي كان العيسوي عضوًا فيها، ولكن بعدها بأيام تم الإفراج عنهم بسبب اعتراف العيسوي بانتمائه للحزب الوطني.
وبعد الإفراج عن قيادات الجماعة لم يذكر أي أحد منهم علاقته بالعيسوي ولكن في سنوات لاحقة ثبتت علاقة الجماعة بالعيسوي، ونعرض هنا لشهادة الشيخ أحمد حسن الباقورى التى خطها بيده فى كتابه (بقايا ذكريات) - الطبعة الأولى - الناشر: مركز الأهرام للترجمة والنشر - ص ٤٩ والتى قال فيها:
«أما النظام الخاص فلم يكن المنتسبون إليه معروفين إلا فى دائرة ضيقة ولآحاد معروفين، وقد كان لهؤلاء اجتماعاتهم الخاصة بهم، وربما كانوا يعملون فى جهات مختلفة يجهل بعضها بعضا جهلا شديدا. ومن سوء حظ الدعوة أن هذا النظام الخاص رأى أن ينتقم لإسقاط المرشد فى الانتخابات بدائرة الاسماعيلية.
وكان من أشد المتحمسين لفكرة الانتقام هذه محام شاب يتمرن على المحاماة فى مكتب الأستاذ عبدالمقصود متولى، الذى كان علما من أعلام الحزب الوطنى وهو المحامى الشاب محمود العيسوى. فما أعلنت حكومة الدكتور أحمد ماهر باشا الحرب على دول المحور لكى تتمكن مصر – بهذا الإعلان – من أن تمثل فى مؤتمر الصلح إذا انتصرت الديمقراطية على النازية والفاشية.
رأى النظام الخاص أن هذه فرصة سنحت للانتقام من رئيس الحكومة، ووجه محمود العيسوى إلى الاعتداء على المرحوم أحمد ماهر باشا، فاعتدى عليه فى البرلمان بطلقات سلبته حياته التى وهبها لمصر منذ عرف الوطنية رحمه الله رحمة واسعة ».
ويأتي بعد ذلك الصباغ والذي كان واحدا من رجال التنظيم الخاص ليذكر أن أحمد ماهر خائنا ولا يختلف على ذلك اثنان - على حد تعبيره - ولكن الإخوان لم يجيزوا قتله !!!!، ولم يمنعهم هذا من دراسة وتحضير خطة لاغتياله حتى يقوموا بها إذا تطورت الأمور، وذكر الصباغ أنه هو شخصيا كان القائم بهذه الدراسة محمود الصباغ - حقيقة التنظيم الخاص - الطبعة الأولى- ص ٢٧١.
العنف منهج الجماعة
فى سنوات لاحقة لـ١٩٤٥ قامت الجماعة بأعمال عنف كثيرة انتهت بقرار حل الجماعة، وأعقب هذه القرار اغتيال النقراشى باشا كما ذكرنا فى حلقات سابقة، ولم يتوقف الإخوان بعد اغتيال النقراشي ورأوا أن إبراهيم باشا عبد الهادي امتداد للنقراشي ومن ثم قرر الإخوان الفدائيون!- هكذا يصفهم الصباغ – اغتيال إبراهيم باشا، وبالفعل كمنوا له في يوم ٥ مايو ١٩٤٩ في الطريق إلى رئاسة مجلس الوزراء وأطلقوا عليه وابلًا من الطلقات أصابت بعض المارة وكذلك الموكب الذي اعتقدوا أنه خاص بإبراهيم باشا، ولكنه كان موكب حامد جودة رئيس مجلس النواب الذي لم يصب بأي أذى، وبعد القبض على منفذي العملية بدأت محاكمتهم التي استمرت حتى قيام ثورة يوليو، واعتبر بعدها المتهمون أبطال تحرير وصدر عنهم جميعا عفو شامل “،” محمود الصباغ- مصدر سابق ص ٣١٤.
مقتل السيد فايز
جرت هذه الحادثة العجيبة وفق منطق “،”النار تأكل نفسها إذا لم تجد ما تأكله“،” فعندما قام البنا بتعيين سيد فايز مسئولًا عن الجهاز الخاص بدلًا من عبدالرحمن السندي قرر الأخير اغتيال أخيه في الدعوة الذي جاء ليزيحه عن مكانه، فأرسل إليه بعلبة من الحلوى في ذكرى المولد النبوي الشريف، وعندما حاول سيد فايز فتحها انفجرت في وجهه ومعه شقيقه فأردته قتيلًا في الحال، وأسقطت جدار الشقة.
والسيد فايز كان مهندسا للكثير من عمليات العنف التى قامت بها الجماعة من قبل مثل محاولة نسف محكمة الاستئناف واغتيال النقراشى باشا وغيرها وعندما علم البنا بمقتل سيد فايز أنكر في تصريحات حادة للصحافة أن يكون مرتكب الحادث من الإخوان المسلمين، واتهم أعداء الجماعة – كالعادة – بتدبير هذا الحادث. ومرة أخرى يأتي الزمان بما لا يشتهي البنا ولا جماعته.
وهذه المرة على لسان محمود عبدالحليم أحد قادة الجماعة ومؤرخها ورفيق درب البنا، يقول عبدالحليم: « كان السندي يعلم أن المهندس سيد فايز – وهو من كبار المسئولين في النظام الخاص – من أشد الناقمين على تصرفاته، وأنه وضع نفسه تحت إمرة المرشد العام لتحرير هذا النظام في القاهرة على الأقل من سلطته، وأنه قطع في ذلك شوطًا بعيدًا باتصاله بأعضاء النظام بالقاهرة وإقناعهم بذلك.. وإذن فالخطوة الأولى في إعلان الحرب.. وكذلك سولت له نفسه.. أن يتخلص من سيد فايز.. فكيف تخلص منه؟ ».
ونواصل مع كلام عبدالحليم “،”تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله.. انتهز فرصة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، وأرسل إليه في منزله هدية، علبة مغلقة عن طريق أحد عملائه، ولم يكن الأخ سيد في ذلك الوقت موجودًا بالمنزل، فلما حضر وفتح العلبة انفجرت فيه وقتلته وقتلت معه شقيقًا له، وجرحت بقية الأسرة وهدمت جانبا من جدار الحجرة.
وثبت ثبوتا قاطعا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة، كانت بتدبير هذا الرئيس.. وقد قامت مجموعة من كبار المسئولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني“.
أرأيتم ماذا تفعل التربية الإخوانية للإخوانيين أنفسهم، حتى لتنطبق عليهم قولة الرسول الكريم “،”أخشى أن تعودوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض“،” وهذا ما فعله الإخوان بالضبط.
الثورة والإخوان والعنف
(١) المثير للدهشة، وبينما كان يردد الإخوان أن جهازهم الخاص أنشئ من أجل محاربة الصهيونية ومواجهة الإنجليز، وبعد خروج الإنجليز من مصر وقيام حكومة تحارب الصهيونية (١٩٥٤)، كان الجهاز السري يعزز وجوده بل ويلقي بظلاله على الجماعة كلها، فقد “،”كون المرشد قبيل سفره إلى الأقطار العربية في أوائل يوليو ١٩٥٤ لجنة قيادية مهمتها مواجهة موقف الحكومة من الإخوان بما يلزم مما تهيئه قدراتهم على ضوء الأحداث “.
وهذا طبيعي، لكن المثير للدهشة هو تكوين اللجنة، فاللجنة مكونة من يوسف طلعت (قائد الجهاز السري)، صلاح شادي (المشرف على الجهاز السري وقائد قسم الوحدات وهو جهاز سري أيضًا)، والشيخ فرغلي (صاحب مخزن السلاح الشهير بالإسماعيلية)، ومحمود عبده (وكان من المنغمسين في شئون الجهاز السري القديم). “،” محمود الصباغ- مصدر سابق ص ٣١٤.
ماذا كان يريد المرشد العام الثاني إذن، وإلى ماذا كان يخطط، خاصة أن الجهاز السري الذي زعم حسن البنا - وما زال الإخوان يزعمون - أنه أسس لمحاربة الاستعمار، قد تغيب تمامًا عن معارك الكفاح المسلح في القنال (١٩٥٤)، وقد تنصل المرشد العام المستشار الهضيبي من أية مشاركة فيه.
وقال: ”كثر تساؤل الناس عن موقف الإخوان المسلمين في الظروف الحاضرة، كأن شباب مصر كله قد نفر إلى محاربة الإنجليز في القنال، ولم يتخلف إلا الإخوان... ولم يجد هؤلاء للإخوان عذرا واحدا يجيز لهم الاستبطاء بعض الشيء... إن الإخوان لا يريدون أن يقولوا ما قال واحد منهم – ليس له حق التعبير عنهم – إنهم قد أدوا واجبهم في معركة القنال فإن ذلك غلو لا جدوى منه ولا خير فيه، ولا يزال بين ما فرضه الله علينا من الكفاح وبين الواقع أمد بعيد والأمور إلى أوقاتها “،” د. رفعت السعيد: الإرهاب المتأسلم – لماذا ومتى وإلى أين؟ الجزء الأول ص ١٥٥، مارس ٢٠٠٤، الأمل للطباعة.
هذا الكلام نرجو أن يتمعن الدكتور “،”محمد بديع“،” فيه جيدا قبل أن يخرج علينا ليصدعنا بأن النظام الخاص أنشئ من أجل قتال الإنجليز على ضفاف القناة.
المنشية عام ١٩٥٤
كان الإخوان قد وصلوا مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى طريق مسدود، وكانوا قد أعادوا تنظيم النظام الخاص كما سبق أن أشرنا، وفي اللحظة الحاسمة قرروا التخلص من عبدالناصر. ففي يوم ٢٦/٢/١٩٥٤ وبمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء وقف الرئيس عبدالناصر يلقي خطابًا بميدان المنشية بالإسكندرية.
وبينما هو في منتصف خطابه أطلق محمود عبداللطيف أحد كواد النظار الخاص لجماعة الإخوان ثماني طلقات نارية من مسدس بعيد المدى باتجاه الرئيس ليصاب شخصين وينجو عبدالناصر. وحتى هذه اللحظة يصر الإخوان على أن هذا الحادث لا يخرج عن كونه تمثيلية قام بها رجال الثورة للتخلص من الجماعة.
ولكن المتهمين في المحكمة العلنية “،”محكمة الشعب“،” والتي كانت تذاع وقائعها على الهواء مباشرة عبر الإذاعة المصرية قدموا اعترافات تفصيلية حول دور كل منهم ومسئولية الجماعة عن العملية (تم جمع هذه المحاكمات ونشرها بعد ذلك في جزأين بعنوان محكمة الشعب).
وقد شكك الإخوان كثيرًا في حيادية هذه المحكمة، لكنهم لم يعلقوا على ما ورد على لسان أبطال الحادث في برنامج الجريمة السياسية الذي أذاعته فضائية الجزيرة عبر حلقتين في الثاني والعشرين والتاسع والعشرين من ديسمبر عام ٢٠٠٦،والذي تفاخروا - من خلاله - بالمسئولية عن الحادث، وأنه تم بتخطيط شامل وإشراف دقيق لقيادات الجماعة. وسوف نعرض بإذن الله فى حلقات لاحقة لاعترافات يوسف طلعت فى القضية رقم ١ لسنة ١٩٥٤.
قضية سيد قطب
في ٣٠ أكتوبر ١٩٦٥ أخطرت نيابة أمن الدولة العليا أن جماعة الإخوان المسلمين المنحلة قامت بإعادة تنظيم نفسها تنظيما مسلحا بغرض القيام بعمليات اغتيال للمسئولين تعقبها عمليات نسف وتدمير للمنشآت الحيوية بالبلاد، هادفة من وراء ذلك الاستيلاء على الحكم بالقوة، وأن التنظيم يشمل جميع مناطق الجمهورية ويتزعمه سيد قطب.
كان قطب قد تم الإفراج عنه - وقتها - بعد وساطة قام بها الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم أثناء زيارته للقاهرة عام ١٩٦٥، إلا أنه كان قد وصل إلى قناعة بأن الحكومة التي تقوم بمثل هذه الأعمال من التعذيب في سجونها، لا بد أن تكون كافرة. ومن هذا المنطلق خطط قطب لمواجهة معها تشمل رؤوس الحكم، تمهيدا لخلخلة النظام والثورة عليه.
وقد تم كشف القضية بالصدفة عبر إبلاغ الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية العسكرية أنها ألقت القبض على مجند وهو يتفاوض لشراء أسلحة من أحد زملائه بالإسكندرية، وعلى الفور تم القبض عليهما واعترفا بأن هذه الأسلحة لصالح عدد من قادة جماعة الإخوان، ثم توالت الاعترافات.
وقدم المتهمون إلى المحاكمة التي قضت بإعدام سيد قطب وستة من زملائه، وسجن ستة وثلاثين آخرون بينهم المرشد العام الثامن للجماعة الدكتور محمد بديع ونائبه الدكتور محمود عزت، اللذين يقومان الآن بالترويج لأفكار قطب، في محاولة لبعث “،”القطبية“،” من جديد، بعدما تبرأ منها الإخوان، عبر كتاب مرشدهم الثاني المستشار حسن الهضيبي، “،”دعاة لا قضاة “،” أوراق القضية رقم ١٢ لسنه ١٩٦٥ (المعروفة بقضية سيد قطب).
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة بإذن الله.