تعتبر مصر من أوائل الدول التى أدركت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضى أهمية استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء وتحليه المياه لضمان التنمية المستدامة، وقامت مصر بالفعل بالعديد من المحاولات فى هذا الصدد منذ أوائل الستينيات فى أعوام 1964و1974 وأخيرا فى 1983، إلا أنها جميعا لم يحالفها التوفيق نتيجة لأوضاع وأسباب دولية ومحلية مختلفة.
وبفضل القيادة السياسية والرئيس عبدالفتاح السيسي، اهتمت الحكومة المصرية بالطاقة النووية ، وأثبتت العديد من الدراسات التي أجريت في دول العالم المختلفة أن المحطات النووية هي الخيار الصائب والفعال للحد من تلوث الهواء ، فالطاقة النووية تجنب العالم انبعاثات حوالي 2 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا، كانت ستنبعث في حالة وجود محطات تعمل بالوقود الأحفوري بدلا من المحطات النووية، وأن هيئة المحطات النووية تعمل بكل ما لديها من قدرات وإمكانيات لمجابهة التحديات وتذليل أية عقبات لتحقيق الحلم النووى المصرى، وأن تكون مشروعات الطاقة النووية السلمية إحدى الركائز الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.
في حوار خاص لـ " البوابة نيوز" قالت بولينا ليون؛ مديرة دائرة التنمية المستدامة في شركة "روساتوم" الحكومية إن مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية يسهم بشكل مباشر في تحقيق 4 أهداف على الأقل من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وأن روسيا تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث القدرة الكهربائية الاسمية لمحطات الطاقة النووية العاملة في البلاد. وبالنظر إلى أن الانبعاثات المباشرة من الطاقة النووية هي صفرية وأن جميع محطات الطاقة النووية في العالم تنتج الآن حوالي ثلث الطاقة منخفضة الكربون، فإن المحطات النووية الروسية تقدم مساهمة كبيرة في التخفيف من آثار تغير المناخ.
نص الحوار.
4 أهداف
ما أهمية الطاقة النووية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
يسهم مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية بشكل مباشر في تحقيق 4 أهداف على الأقل من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وهي "طاقة نظيفة وبأسعار معقولة"، "مكافحة تغير المناخ"، "العمل اللائق والنمو الاقتصادي"، "الصناعة والابتكار والبنية التحتية".
وتعد البصمة الكربونية للطاقة النووية من بين الأهداف، كما أن الانبعاثات المباشرة من التوليد النووي هي صفرية، ما يعني أن الطاقة النووية تقدم مساهمة كبيرة في التخفيف من آثار تغير المناخ العالمي. وتصل حصة الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء إلى 10% على مستوى العالم (للمقارنة تبلغ حصة مصادر الطاقة المتجددة 8%، وحصة الكهرباء المنتجة في محطات الطاقة الكهرومائية -16%). ومن الواضح أن ثلث إنتاج الكهرباء منخفضة الكربون يوفره التوليد النووي آخذا في الاعتبار أن الانبعاثات المباشرة الناجمة عن الطاقة النووية هي صفرية. تتيح الطاقة النووية منع انبعاث ما يعادل 1.3-2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، وهي كمية يمكن مقارنتها بقدرة جميع الغابات التي تغطي كوكبنا على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
كوب-27
ما رأيك في مؤتمر كوب-27؟
كوب-27 هو المؤتمر المناخي الثاني الذي أشارك فيه، والعام الماضي شاركت في أعمال كوب-26 المنعقد في غلاسكو البريطانية. ويمكنني القول إن مؤتمر هذا العام يشهد زيادة في عدد الأجنحة والمشاركين، كما باتت النقاشات الدائرة في الأجنحة وخلال الفعاليات الجانبية أكثر نشاطا. أعتقد أن السبب وراء هذه التغيرات هو في الغالب تخفيف القيود المفروضة على خلفية جائحة كوفيد-19.
من المهم جدا، برأيي، أن كوب-27 تستضيفها القارة الأفريقية، نظرا لأن مسألة وضع آليات لتنفيذ أهداف اتفاق باريس في البلدان الإفريقية لم تُحل بعد. والعديد من المشاركين في مؤتمر كوب-27 هم من البلدان الإفريقية، لذلك النقاشات في المؤتمر أكثر صلة بالجانب العملي والتطبيقي.
وأود أن أشير بشكل خاص إلى أن صناعة الطاقة النووية باتت تحتل مكانة أكبر في أجندة مؤتمر كوب-27. هذا العام، ولأول مرة في تاريخ المؤتمرات المناخية، تم تخصيص جناح منفصل للطاقة النووية في إطار المؤتمر وخلال هذين الأسبوعين، صدرت تصريحات مدوية عديدة واعلنت خطط طموحة، كما أثار المؤتمر أصداء واسعة في المجتمع، لا سيما في الأوساط السياسية، ومن المهم للغاية أن تتحول تلك التصريحات إلى خطوات عملية بعد اختتام المؤتمر.
الشباب
حدثينا عن دور جيل الشباب في مكافحة تغير المناخ وكذلك في قطاع الطاقة النووية وتشكيل نظام التنمية المستدامة؟
يعتبر الشباب الآن من أكثر الفئات الاجتماعية نشاطًا التي تشارك في النقاش حول الأجندة المناخية والتنمية المستدامة، وهو شيء لا غرابة فيه، نظرا إلى أن أمامهم الحياة كلها، وهم يدركون أن ما يفعلونه أو لا يفعلونه في الحاضر يحدد المستقبل. ويمكنني أن أؤكد اعتمادا على تجربتي الشخصية، أنه عندما ألقي محاضرات أمام الطلاب الجامعيين أو طلاب المدارس أرى اهتمامهم بالمسائل البيئية والمناخية. كما يشارك الكثير منهم في العمل التطوعي البيئي، وجميعهم تقريبًا يفرزون النفايات ويمارسون الاستهلاك المسئول.
غالبًا ما ينشط الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي ويسعون إلى حوار مفتوح لمناقشة القضايا التي تهمهم ويؤمنون بأن تغيير العالم للأفضل أمر ممكن ويمتلكون الطاقة لفعل ذلك. إنهم يملؤهم الفضول، وهذا شيء إيجابي ونؤمن بأن مهمة الشركات الكبيرة ومن بينها روساتوم تتمثل في مساعدة الشباب على تحقيق تطلعاتهم ومنحهم منصة وموارد مطلوبة لترجمة أفكارهم على أرض الواقع. لقد أسسنا مجلسا شبابيا ونحاول دعم الأنشطة الشبابية في مختلف البلدان.
ومن دواعي سرورنا البالغ أن الشباب يدركون أهمية الطاقة النووية والتكنولوجيا العالية في مكافحة تغير المناخ. هناك العديد من الجمعيات والمبادرات الشبابية المختصة، من بينها على سبيل المثال، المؤتمر الدولي الشبابي المعني بالطاقة النووية (International youth nuclear congress) الذي يُنظم على مدار أكثر من 20 عامًا، وكذلك الوكالة الشبابية للطاقة التابعة لمجموعة "بريكس" وهي تدعم تنفيذ المشاريع الشبابية في مجال الطاقة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالطاقة النووية. كما تنظم الرابطة النووية العالمية (World nuclear association) مدرسة صيفية سنوية للشباب المتخصصين في الصناعة النووية من جميع أنحاء العالم.
محطات نووية
ما استراتيجية وخطة روساتوم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
روساتوم، بصفتها شركة كبيرة تعمل في جميع أنحاء العالم، وتبني محطات نووية في 8 دول ما عدا روسيا، تؤثر على جودة الحياة في مناطق تواجدها. مثلا، توفر منشأة نووية كبيرة كمحطة نووية فرص عمل للألاف، والطاقة المنتجة في المحطة تدعم التنمية الاقتصادية لمختلف الصناعات وتساعد في تحسين جودة الحياة للسكان المحليين. بدون الكهرباء لا تعمل المستشفيات ووسائل النقل والمصانع ووسائل الاتصال. وتغطي الطاقة النظيفة بيئيا التي تنتجها محطة نووية واحدة مكونة من وحدتين لتوليد الكهرباء احتياجات 5 ملايين شخص من الطاقة في المتوسط، بما في ذلك الاحتياجات الصناعية في المنطقة. ومن المهم أيضًا أن العمر الشتغيلي لمحطات الكهروذرية الحديثة لا قل عن 60 عاما، وتشكل المحطة خلال هذه الفترة مصدرا موثوقا للطاقة.
بالإضافة إلى محطات الطاقة النووية، تتضمن العروض التي تقدمها روساتوم تقنيات في مجال الطب النووي وطاقة الرياح وإنتاج المواد المركبة والحلول البيئية والرقمية. ونولي عند تنفيذنا للمشاريع، اهتماما كبيرا لاحتياجات المجتمع، حيث نعتبر الحوار مع السكان المحليين وأصحاب المصلحة الآخرين أمرا ضروريا.
كما تم تضمين مهمة دعم المساعي الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة في استراتيجية تطوير الشركة حتى عام 2030، وهي جانب مهم من عملنا في كل مسارات العمل البالغ عددها 80 مشروعا.
اتفاقية باريس
بخصوص التنمية منخفضة الكربون ما دور روسيا والعالم كله على هذا الصعيد؟
تحتل روسيا المرتبة الخامسة عالميا من حيث إجمالي كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنتجة في البلاد، ما يعني ضرورة بذل جهود متناسبة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. في العام الماضي، تبنت بلادنا استراتيجية تنمية اقتصادية منخفضة الكربون، كما أعلنت السلطات تحقيق الحياد الكربوني هدفا رسميا، وتؤكد هاتان الخطوتان مسئولية أي بلد يسعى إلى الوصول إلى التنمية منخفضة الكربون.
أود أيضًا أن أشير إلى أن روسيا تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث القدرة الكهربائية الاسمية لمحطات الطاقة النووية العاملة في البلاد. وبالنظر إلى أن الانبعاثات المباشرة من الطاقة النووية هي صفرية وأن جميع محطات الطاقة النووية في العالم تنتج الآن حوالي ثلث الطاقة منخفضة الكربون، فإن المحطات النووية الروسية تقدم مساهمة كبيرة في التخفيف من آثار تغير المناخ. هذه المساهمة أكثر أهمية إذا أخذنا في الاعتبار تأثير محطات الطاقة النووية روسية التصميم على حالة المناخ. وحاليا تعمل تلك المحطات في 13 دولة حول العالم. وفقًا لتقديرتنا، تمنع محطات الطاقة النووية الروسية انبعاث حوالي 200 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا في المجموع، ما يشكل نحو سدس إجمالي التأثير المناخي لجميع محطات الطاقة النووية في العالم. وفي روسيا، وصلت حصة التوليد النووي 19.7% في عام 2021، وتتيح محطات الطاقة النووية منع انبعاث قرابة 7% من جميع غازات الاحتباس الحراري في البلاد.
التنمية المستدامة
بصفتك مديرة إدارة التنمية المستدامة في روساتوم، ماذا يمكنك القول حول دور التنمية المستدامة في التصدي لتغير المناخ؟
الاستدامة منهج شامل يغطي جميع مجالات عمل الشركة تقريبًا، بما في ذلك المسئولية البيئية والسلامة الصحة المهنية وسلامة الموظفين والفعالية الاجتماعية للشركة، وذلك سواء فيما يتعلق بالموظفين والسكان المحليين في مناطق تواجدنا، بالإضافة إلى إلزامية إقامة الحوار مع أصحاب المصلحة والالتزام بالانفتاح والشفافية في العمل.
نعتقد أن الاهتمام بالتأثير المناخي لعمليات الشركة عنصر مهم في أي صناعة، وغالبا تتطلب من الشركة إعادة هيكلة عملياتها الإنتاجية وحتى التحول إلى مسارات أعمال أخرى من أجل تحقيق هدف تقليل الانبعاثات الضارة (مثلا عندما تدخل شركات النفط إلى قطاع الطاقة المتجددة). مع ذلك، حتى بالنسبة للشركات التي لا تنطوي أعمالها على عمليات إنتاج معقدة تنتج عنها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لا تزال هناك فرص للمساهمة في مكافحة تغير المناخ، مثلا عن طريق تطبيق ممارسات "المكاتب الخضراء"، واستخدام برامج ترشيد استهلاك الطاقة، ومن خلال خفض استهلاك المياه، والتخلي عن استخدام الورقة لصالح الوسائط الإلكترونية، وتتمثل مهمة مدير التنمية المستدامة في إيجاد سبل لتعزيز المسئولية المناخية للشركة ومراقبة تنفيذ القرارات بهذا الخصوص وشرح أهمية العمل المناخي وقضايا التنمية المستدامة عموما لموظفي الشركة.
"المربع الأخضر"
حدثينا عن مبدأ "المربع الأخضر" الذي تتبعه روساتوم فيما يتعلق بالطاقة النظيفة والمستدامة؟
"المربع الأخضر" مفهوم يقصد به إنتاج الطاقة على أساس أربعة مصادر خالية من الكربون، وهي طاقة الرياح والمياه والشمس والطاقة النووية. تشكل مصادر الطاقة الأربعة هذه أساسا لمزيج طاقة مستقبلي مستدام ومنخفض الكربون عندما تعمل معا، وتقدم بذلك مساهمة كبيرة في جهود مكافحة تغير المناخ. تعد الطاقة النووية فعالة اقتصاديا لأنها توفر إمدادات موثوقة ومضمونة بكهرباء الحمل الأساسي وهي غير مرهونة بالظروف الجوية مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة.لا نؤمن بفكرة تنافس مصادر طاقة محتلفة مع بعضها، بل نعتقد أنها تعمل بشكل تكاملي في مزيج الطاقة. وانطلاقا من هذا المنطق، تعمل روساتوم منذ عام 2017 على تطوير مشاريع طاقة الرياح إضافة إلى الطاقة النووية.