رغم الأرقام المبشرة التى تسجلها وزارة الزراعة وجهاز الإحصاء فى إنتاجية القمح كل موسم، إلا أننا لا زلنا نعانى من قلة محصول القمح فى الفترة الأخيرة وزادت وتيرة الاستيراد، ويكمن السبب الرئيسى فى تلك الأزمة المتجددة فى ارتفاع معدل الزيادة السكانية.
هذه المعادلة الصعبة تضع الحكومة فى مأزق حقيقى خلال استقبالها للموسم الجديد للقمح، موسم عام 2023، الذى بدأ خلال الشهر الجاري، إذن ما خطة الحكومة التى ستتبعها لمواجهة أى نقص فى تلك السلعة الاستراتيجية؟ هذا ما نستكشفه فى هذا التحقيق.
قال الدكتور عباس الشناوي، رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة، إن الوزارة تستهدف الوصول إلى ٣ ملايين طن و٨٠٠ ألف طن قمح، بزيادة ٣٠٠ ألف عن العام الماضي.
وأضاف الشناوى فى تصريحات صحفية، تم توزيع ما يقرب من ١٤٨ ألف طن تقاوى على مستوى ١٣ محافظة.
ولفت إلى أهمية الالتزام بالتوصيات الفنية اللازمة للخريطة الصنفية للقمح بكل منطقة وهى اختيار الصنف المناسب لزراعة القمح فى محافظات الوجه البحرى وحتى محافظة الجيزة بزراعة أصناف "جيزة ١٧١"، "سدس ١٤"، "سخا ٩٥"، "مصر٣"، "مصر ٤"، موضحًا أنه يجب على مزارعى القمح فى منطقة الفيوم وبنى سويف والمنيا زراعة صنف "مصر ١" أصناف "جيزة ١٧١"، "سدس ١٤"، "سخا ٩٥"، "مصر ٣"، "مصر ٤" من أصناف قمح الخبز وزراعة أصناف قمح المكرونة، وهى بنى سويف ٥ وبنى سويف ٧.
وقال الشناوي، إن اعتماد السعر الاسترشادى للقمح، بـ١٠٠٠ جنيه للإردب، للموسم المقبل توريدات عام ٢٠٢٣، أمر يشجع الفلاحين على الزراعة وتسليم الإقماح فى ظل الظروف العالمية.
كما أشار إلى أن القمح المصرى من أجود أنواع الأقماح، حيث يحقق الفلاح المصرى أعلى إنتاجية على مستوى العالم بالنسبة لوحدة المساحة والأرض المتاحة له، مضيفا: "يتم استنباط أصناف جديدة للقمح كل فترة، بهدف تحقيق إنتاجية عالية، وترشد إنتاجية المياه، وقليلة العمر فى الأرض".
تقليل الاستهلاك
ويقول المهندس محمد علاء الدين موسى، رئيس الإدارة المركزية للتعاون الزراعى السابق بوزارة الزراعة، إن مشكلة القمح فى مصر ليست وليدة اللحظة، موضحًا أن تلك الأزمة نعانى منها منذ عشرات السنوات، خاصة وأن محصول القمح يعد من المحاصيل الاستراتيجية والسلع الأساسية، مؤكدا أن المشكلة تكمن فى أن كميات القمح التى نزرعها قليلة للغاية مقارنة بالنسبة لعدد السكان.
وأضاف علاء الدين لـ "البوابة نيوز"، أن الرقعة الزراعية لا تتناسب مع الزيادة السكانية لذلك فإن نصيب المواطن من الرقعة الزراعية يقل تدريجيا عام تلو الآخر، لذلك فإن حل زيادة محصول القمح يكمن فى زيادة المحصول إما بطريقة أفقية أو رأسية، موضحا أن الطريقة الأفقية تتطلب زيادة المساحة المزروعة عن طريق استصلاح بعض الأراضى الزراعية، أما الطريقة الرأسية تنص على زيادة الإنتاجية، بما يعنى أن فدان القمح بدلاً من أن يكون إنتاجه إردب يصبح إردبين.
وتابع علاء الدين، أن الزيادة الرأسية مسؤولية الفلاحين والباحثين والإرشاد الزراعى ومصر تملك الإمكانيات الكافية لزيادة محصول القمح، أما الزيادة الأفقية مسئولية الدولة لأنها مكلفة للغاية إلى جانب أنها تأخذ وقتا طويلا لأن العامل الأساسى والفيصل فيها المياه لذلك فإن التوسع فى الجهتين صعب للغاية، موضحًا لا بد من وجود حلول خارج الصندوق مثل عمل بروتوكول مع الدول الأفريقية والدول المجاورة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية من الحبوب الزراعية فى ظل الإمكانيات الكبيرة التى نملكها فى مجال الزراعة.
وطالب علاء الدين، بدعم الباحثين لاستنباط أصناف جديدة تستهلك كميات مياه أقل وانتاجية أعلى، خاصة وأن الأصناف القديمة تتأثر بشكل كبير بعوامل الجو والمناخ لأن الصفات الوراثية فى الصنف ليس الفيصل، لذلك فإن الجهود المبذولة يجب أن تتناسب مع المشاكل الموجودة خاصة وأن هناك اسباب تقلل من الإنتاج مثل نوعية الأرض وجودة الفلاح والملوحة الزائدة فى التربة.
وأكد علاء الدين، على ضرورة تقليل الاستهلاك من القمح ووجود خطط بديلة لتقليل فاتورة الاستهلاك قبل البحث فى تقليل فاتورة الاستيراد لأن المواطنين عندما يجدوا فول الصويا وعلف الحيوانات سعرها مرتفع يستخدمون القمح والعيش بديلا لهما.
دعم الدولة للفلاح
وفى نفس السياق يقول الدكتور طارق محمود، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، إن الحل الأمثل للزراعة بشكل عام ومحصول القمح بشكل خاص تطبيق الدورة الزراعية لأنها غير مجهدة للأرض إلى جانب أن الدورة الزراعية تعمل على الاستفادة من جميع المحاصيل الزراعية وبالأخص المحاصيل الاستراتيجية من الحبوب الزراعية.
وأوضح محمود أن الدورة الزراعية تنص على تقسيم الأرض إلى أجزاء وتغيير المحصول فى كل قطعة من عام لآخر، موضحًا أن الدورة الزراعية كان يتم تطبيقها من ٢٥ عاما ولكن حاليا الأمر اختلف لأن كل فلاح يزرع المحصول الذى يريده دون تدخل من وزارة الزراعة أو الإرشاد الزراعي مما أثر بشكل كبير على المحاصيل الزراعية والتربة.
وأضاف محمود فى تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز"، أن محصول القمح مهم للغاية وهناك جهود مبذولة فى ذلك الملف منذ فترة زمنية طويلة وخير دليل على ذلك مشروع المليون ونصف فدان التى تعمل عليها وزارة الزراعة والدولة منذ فترة كبيرة، مؤكدا أن نجاح ذلك المشروع سيجعل مصر لا تستورد أى محاصيل زراعية بل سيكون هناك فائض كبير يتم تصديره للخارج.
وطالب محمود، بدعم الدولة للفلاح المصرى لسد الفجوة الغذائية والعمل على إنتاج أصناف عالية الجودة لزيادة الإنتاج.
توسع الرقعة الزراعية
ينما يقول الدكتور سيد خليفة، رئيس قطاع الإرشاد الزراعى بوزارة الزراعة، إن الحل الأمثل لتخطى أزمة كل عام بسبب استيراد كميات كبيرة من القمح ضرورة التوسع فى الرقعة الزراعية المخصصة لمحصول القمح والاعتماد على المحصول المصرى لعدم الحاجة للاستيراد بنسب كبيرة خاصة وأن مصر تستورد أكثر من ٥٠ ٪ من محصول القمح من الخارج لوجود حلول بديلة بخلاف الدول التى نستورد منها فى الوقت الحالى مثل روسيا وأوكرانيا، موضحًا أن الأسعار ارتفعت الى الضعف فى الفترة الماضية بسبب الحرب التى دارت بينهما مؤخراً.
وأضاف خليفة فى تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز"، أن مساحة محصول القمح ٣.٤ مليون فدان عام ٢٠١٩/٢٠٢٠، مقابل ٣.١ مليون فدان عام ٢٠١٨/٢٠١٩، بنسبة زيادة ٨.٥٪، وأوضح خليفة أن مصر تنتج حوالى ٩.٨ مليون طن من القمح فى العام الواحد، بينما نستورد حوالى ٦ ملايين طن قمح من الخارج.
وتابع خليفة، أن الأزمة التى دارت بين روسيا وأوكرانيا جعلت دول كثيرة تسعى إلى التوسع فى زراعة القمح على حساب محاصيل زراعية أخرى لعدم تكرار أزمة العام الماضي، وأوضح خليفة أن هناك حلول نستطيع بها توفير كميات كبيرة من القمح دون أن تكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة مثل التعاون مع بعض الدول الخارجية بأن تكون المشاركة بالمجهود والمهندسين الزراعيين فى المقابل أن تشارك تلك الدول بالأراضى الزراعية، موضحًا أن تلك الطريقة حل مثالى لتوريد القمح دون تكلفة ضخمة مثل استيرادها من الخارج.
وأشار خليفة، إلى أن الدولة ساهمت بشكل كبير فى تقليل الفقد نتيجة عملية التداول والتخزين من القمح بفضل الصوامع التى أنجزناها خلال الفترة الماضية، وتابع خليفة أن محصول القمح يزيد كل عام ولكن لم يظهر ذلك بشكل كبير بسبب الزيادة السكانية التى تؤثر بشكل أو بآخر على الزيادة مما يجعلها تظهر بسبب تلك الزيادة.
وأوضح خليفة، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قال خلال تصريحات سابقة إننا سنضيف مساحة مليون فدان من القمح تنقسم على زراعة المحصول الحالى ومحصول العام المقبل، مؤكدا أن تلك الخطوات ستقلل من فاتورة الاستيراد خلال الفترة المقبلة.
وطالب خليفة، أن يكون هناك دعم للفلاح المصرى من قبل الدولة وأن يتم تعديل أسعار توريد القمح من الفلاح بما يتناسب مع سعر المحصول وتكلفته مطالباً بمساواة سعر الإردب الذى نستورده من الخارج بنفس السعر الذى نشترى به من الفلاح المصري، مؤكدا أن السعر الذى نستورد به القمح من الخارج أكبر بكثير من القيمة التى نشترى بها المحصول من الفلاح المصري، مؤكدا أن توازن سعر إردب القمح مع السعر الذى يتم الاستيراد به من الخارج خطوة مهمة للغاية لتشجيع الفلاحين على زيادة محصول القمح، الى جانب ضبط منظومة الزيادة السكانية من قبل الدولة لأن ضبطها سيجعلنا قادرين على تلبية الاحتياجات الخاصة بنا لأنه بسبب الزيادة السكانية الكبيرة يكون هناك زيادة ولكن لم تظهر بالشكل المطلوب بسبب الزيادة السكانية، لذلك فإننى أرى أن التحدى الرئيسى أمام الدولة المصرية كيفية ضبط الزيادة السكانية.
محصول استراتيجي
من جهته، يقول حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن هناك حلول سريعة للحد من فاتورة استيراد المحاصيل الاستراتيجية من الحبوب الزراعية مثل محصول القمح والذرة والأرز والذرة مثل عقد بروتوكولات مع الدول الأفريقية والذرة، موضحًا أن تلك الخطة ستساعد بشكل كبير فى تقليل الواردات من تلك المحاصيل فى ظل الأزمة الاقتصادية التى يمر بها العالم مؤخرًا خاصة بعد الحرب التى دارت مؤخرًا بين روسيا وأوكرانيا مما أثر بالسلب على ارتفاع أسعار الحبوب الزراعية عالميًا.
وأضاف أبو صدام فى تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز"، أن محصول القمح يعد من المحاصيل الاستراتيجية التى لا يمكن الاستغناء عنها بأى حال من الأحوال، لذلك لا بد من وجود حلول سريعة لتحقيق الأمن الغذائى ووجود نظام جديد للتوسع فى الإنتاج الزراعى لتقليل فاتورة الاستيراد، بما يعمل على توفير احتياجاتنا وعدم الحاجة إلى الاستيراد إلا فى الحالات الضرورية.
وتابع أبو صدام، أن عدد المساحات المنزرعة من محصول القمح خلال العام الماضى بلغت ٣.٦٥ مليون فدان خلال عام ٢٠٢١-٢٠٢٢ بزيادة حوالى ٤٥٠ ألف فدان عن عام ٢٠٢٠، وبزيادة ٢٥٠ ألف فدان عن عام ٢٠٢١، موضحًا أن تلك الزيادة خطوة مهمة للغاية لتقليل فاتورة الاستيراد فى ظل ارتفاعها المستمر خلال العشر سنوات الماضية مؤكدًا أن تلك الزيادة من المتوقع أن تجنى ١٠ ملايين طن من القمح.
وأوضح أن الاقتصاد العالمى تأثر بشكل كبير بسبب الحرب الروسية والأوكرانية مما جعل الأسعار ترتفع بشكل كبير فى ظل الازمات العديدة التى تمس الغذاء العالمى مما جعل هناك موجه كبيرة من التضخم، خاصة وأن تلك الأزمات أدت إلى زيادة أسعار السلع الأساسية والوقود، بسبب قلة المعروض وزيادة الطلب. وتابع أبو صدام، أن أهم خطوة لتأمين محصول القمح وجود خطة من الحكومة لتحفيز المزارعين لزراعة محصول القمح وزيادته فى الفترة المقبلة، موضحًا أن تشجيع الفلاحين على زيادة محصول القمح سيعمل بشكل كبير على زيادة المحصول فى ظل اتجاه بعض المزارعين زراعة محاصيل أخرى تحقق ربح أكثر مع العلم أن محصول القمح من أهم المحاصيل التى تعد من المحاصيل الاستراتيجية.
وطالب أبو صدام، من الحكومة بوجود سعر عادل لتوريد القمح من الفلاحين مؤكدًا أن ارتفاع أسعار توريد القمح سيعمل على إقبال الفلاحين على زراعته، إلى جانب إعلان السعر قبل الموسم إنفاذا للزراعة التعاقدية، خاصة وأن زيادة مساحة القمح المزروعة خلال العام المقبل إلى ٢٥٠ ألف فدان سيقلل بنسب كبيرة من فاتورة الاستيراد.
الإحصاء: إنتاج مصر من القمح يرتفع 8.1%
كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع حجم إنتاج مصر من القمح والذى بلغ نحو ٩.٨ مليون طن عام ٢٠٢٠/٢٠٢١ مقابل ٩.١ مليون طن عام ٢٠١٩/٢٠٢٠ بنسبة زيادة قدرها ٨.١٪.
وأرجع ذلك إلى زيادة المساحة المزروعة من القمح عام ٢٠٢٠/٢٠٢١ بنسبة ٠.٥٪، بالإضافة إلى زيادة إنتاجية الفدان من القمح خلال هذا العام.٨.١ ٪ زيادة فى انتاج القمح عام ٢٠٢٠ / ٢٠٢١.
وبلغ متوسط نصيب الفرد من القمح ١٦٨.٨كجم عام (٢٠٢٠/٢٠٢١) مقابل ١٥٦.١ كجم عام) ٢٠١٩/٢٠٢٠ بنسبة زيادة قدرها ٨.١٪.
وأشار الجهاز إلى ارتفاع إنتاج مصر من الحبوب نحو ٢٣ مليون طن عام (٢٠٢٠/ ٢٠٢١) مقابل ٢٢.٠ مليون طن عام ( ٢٠١٩/٢٠٢٠) بنسبة زيادة قدرها ٤.٤٪، ويرجع ذلك إلى زيادة إنتاج محصولى القمح والذرة الشامية.
وسجل متوسط نصيب الفرد من إنتاج الحبوب ٢٩١.٩ كجم عام (٢٠٢٠/٢٠٢١) مقابل ٢٧٩.٦ كجم عام (٢٠١٩/٢٠٢٠) بنسبة زيادة قدرها ٤.٤٪.