الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كارثة ضعف اللغة العربية لدى الإعلاميين !

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعاني معظم المحررين الشباب ومقدمي البرامج معاناة شديدة من ضعف لغوي يقف عائقًا أمام إيصال ما يريدونه من اخبار ومعلومات ورسائل متنوعة، وقد فطن لذلك أساتذة كبار أمثال الكاتبان الصحفيان علي ومصطفى أمين مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية، فكانت أول خطوة للمحرر الشاب، أن يمكث فترة في قسم المراجعة، ثم الديسك؛ حتى يتعلم ما يجهل، ويكون قادرًا على الأقل على الكاتبة الصحيحة إملائيًا، ويأخذ فكرة ـ ولو بسيطة ـ عن النحو حتى لا يقع في أخطاء بسيطة جدًا، كرفع المجرور ونصب الفاعل والمضاف اليه وما أشبه.
لذا فلابد من مناقشة قضية الصياغة الإعلامية من مختلف أطرافها انطلاقا من مفهومها وعلاقتها باللغة العربية وطرائق الصياغة والمعرفة بعلامات الترقيم، والمهارات التي ينبغي أن تتوفر فيها، فضلا عن الصياغة الاذاعية والتليفزيونية، وذلك سعيا إلى ما يعين الصحفي والمعد على عدم الوقوع في أخطاء ساذجة أثناء العمل وقبل النشر للجمهور القاريء أو المشاهد بالنسبة للتليفزيون والفضائيات.
كما أن المشاكل اللغوية أصبحت في الإعلام كثيرة، وهو ما دعا إلى ملاحظتها من قبل الجمهور، أو من قبل الشخصيات ذات التعليم العالي أو من قبل السلطات، وعليه لا بُد من التركيز على أنَّ ليس هناك تصحيح بشكل مستمر لمثل هذه الأخطاء الشائعة، كما قد تكون هذه الأخطاء إما إملائية في الوسائل المكتوبة، أو صوتية في الوسائل السمعية والمرئية، أو نطقية، ومن الأخطاء التي تتعلق بالأخطاء الصوتية منها: قد تكون متعلقة باستخدام الأصوات المعيبة في الوسائل الصوتية، أي يكون ذلك من خلال افتقار الوسائل السمعية للثقافة الصوتية من قبل المؤسسات السمعية أو من قبل الإعلاميين العاملين بها، بحيث يتم استخدام الملامح النطقية والتي تكون مصاحبة للكلام. كما أنه لا بُدّ من التنويع في استخدام النماذج المتعددة والمختلفة للأصوات، وذلك من عدة جوانب منها: التنغيم، درجة الصوت، نوعية الصوت المستخدم، النبرة الصوتية، مدى ارتفاع الصوت، المواقف التي تتطلب سكتة صوتية وغيرها. قد تكون الأخطاء الصوتية متعلقة بكثرة استعمال السكتات والوقفات التي لا تكون مناسبة من قبل المذيع. كثرة تنغيم الجمل وذلك أثناء قراءة الجمل، بحيث لا يجب زيادة التنغيم في الجمل، ويرجع السبب وراء ذلك هو أنَّ عملية الاستمرار في نطق الكلمات يكون لها تنغيم معين، بالإضافة إلى أنَّهُ عند الانتهاء أيضًا من قراءة الجمل يكون لها تنغيم آخر، ولذا لا يحبب كثرة التنغيم في قراءة الجمل، كما يعتبر التنغيم من أكثر الأخطاء شيوعًا وأخطرها استعمالًا.

ويضاف الي هذا أن كثيرا من الكتاب والمحررين يقعون في أخطاء لغوية شائعة عند كتابتهم للأخبار الصحفية والمحتوى، وعلى الرغم من أن علماء اللغة العربية والمتخصصين تصدوا لهذه الأخطاء بتأليف الكتب لحصرها وتصويبها؛ إلا أن هذه الأخطاء التي تعد بالمئات لا تزال تستخدم بشكل يومي في الصحف، والقنوات الإذاعية والمرئية، والمحتوى الرقمي ويستخدمها كثيرا من الكتاب والمسئولين والمتحدثين!
واللغة العربية التي نحتفل هذه الأيام باليوم العالمي لها، قد شهدت في مختلف وسائل الإعلام ولا تزال تراجعًا ملحوظًا وكبيرا،في استخداماتها بالإعلام، في أمور عديدة، يتمثل في ضعف الأداء اللغوي، وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية، واللجوء إلى العامية، وعدم سلامة النطق، وأضحى استخدام المفردات العامية في الإعلام؛ المرئي والمسموع والصحافة بشقيها الورقي والإلكتروني يشكل خطرا على لغة الضاد التي استطاعت أن تحتفظ بمكانتها عبر التاريخ، امام الاستعمار اللغوي من كل الدول التي احتلت شعوبها او شعوب الناطقين بالعربية علي مدار التاريخ.
كما ان استخدام اللغة العربية بشطريه الفصيح والعامية في وسائل الإعلام ومدى ملائمة وعدم ملائمة كل منهما في الوقت نفسه، أدى إلى ظهور تيارين، تيار يؤيد استخدام اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام والآخر يرفض هذا المبدأ داعيا إلى استخدام العامية بدلا منها، إذ يرى التيار الأول "الفصيح" أن استخدام العاميات تعتبر تهجينا وإفسادا للغة والثقافة، وأن اللغة العربية الفصحى تؤدي إلى فوائد عدة منها تنمية الحس الفني لجمالية اللغة وخلق مناعة مستمرة تجاه عوامل التجزئة على الصعيد القومي والوطني، بينما سيؤدي استخدام العامية إلى تكريس التجزئة الوطنية والقومية وبالتالي فهي انتحار، بينما يرى التيار الآخر أن واقع الحال يفرض استخدام العامية فهي اللغة المشتركة الأقرب إلى فهم الجمهور.
كما سيؤدي استخدام العامية إلى تكريس التجزئة الوطنية والقومية

حيث أن وسائل الإعلام الجماهيري صنعت جمهورا إعلاميا يحتوي على شرائح أمية أو شبه أمية أبجديا وثقافيا مما جعل الفصحى تشكل حائلا اصطلاحيا وتواصليا وتأثيريا لا يمكن تخطيه إلا باللجوء إلى العاميات، وهناك من الخبراء من يرجح ان جنوح اللغة الإعلامية إلى الاستعانة بالعاميات يرجع إلى عدة أسباب منها:
أولا: اعتقاد بعض الوسائل الإعلامية التي تدخل العاميات إلى أغلب موادها، أن ذلك هو الوسيلة المثلى لاستقطاب الجمهور، مدفوعة باعتقاد أن مواكبة العصر والتطور ومحاكاة الأمم الأكثر تقدما تستوجب الابتعاد عن الفصحى واللجوء إلى العاميات.
.ثانيا: المضامين الهابطة لبعض المواد "البرامج" وخاصة الترفيهية تحتم استخدام العاميات، لأن الفصحى لا تلاؤم بطبيعتها مع هذا النوع من الثقافات الترفيهية.
ثالثًا: تمسّك بعض الأوساط الثقافية والأكاديمية بحرفية اللغة العربية التراثية إلى حد التعصب مما يدفع العديد من القائمين على الإعلام نحو التخلي التدريجي عن اللغة الفصحى.ومن ثم يجب ان يكون استخدام اللغة العامية في الكتابة الصحفية متوازن وفي مكانة المناسب حتى يكون له أثر نفسي ايجابي على القارئ وعدم الافراط فيها.ما نراه ونتعايش معه من ضعف في الإعلام مرجعه أننا في الأصل نعاني ضعفًا في لغتنا العربية في تعليمنا الاساسي ومدارسنا وجامعاتنا، ويؤدي هذا إلى ضعف في أداء الخريجين، ويُنقل هذا التردي والضعف إلى الناس بمختلف مستوياتهم وثقافاتهم.

وعند النظر إلى قضية الفصحى والعامية في وسائل الإعلام، لا بد من الأخذ في الاعتبار ما للإعلام اليوم من سطوة ونفوذ في عصر ثورة الاتصال، ومن تأثير على الإنسان في عصرنا. فمكانة الإعلام هذه تحمل في طياتها فرصًا لأن يكون التأثير إيجابيًّا لصالح الإنسان، ورقيّه، وفصاحة لسانه، إذا أَحسنا توظيف الوسائل الإعلامية في تقديم ما هو مفيد. كما تحمل في طياتها مخاطر أن يكون التأثير سلبيًّا، إذا وظَّفت قوى الهيمنة الإعلام لاستلاب الهوية، ونشر رطانة اللسان، وتعميم قيم هابطة.      
كما أن أهم الفوارق هو ما يحدث في العامية من تحريف النطق ببعض حروف اللغة، وتغييره كليًّا في بعض الأحيان، وإهمال تحريك أواخر الكلمات وإعرابها، وتغيير حركات حروف الكلمة. وتؤدي هذه الفوارق إلى تعدد العاميات العربية بتعدد أنحاء الوطن العربي الكبير واختلاف لهجاته، في وقت يحافظ "الفصيح" على وحدانيته، فيبقى نموذج اللسان الراقي الحريص على النطق الصحيح للحروف، وعلى الإعراب وعلى سلامة الكلمة.فاللغة العربية في الإعلام تتعرض يوميًا لموجات من التشويه والتحريف، والواقع أن لغة الإعلام في شتى البرامج والأفلام تخترق حرمة اللغة الخاصة التي يكونها كل إنسان لنفسه وتتكون فيه من خلال عائلته وبيئته ووطنه.والحقيقة أنه لا يُطلب من رجل الإعلام أن يتحدث إلى الجمهور بلغة سيبويه، بأن يبالغ في التقعر والتفاصح، وإنما أقصى ما يُطلب منه هو احترام قواعد اللغة والمعايير المنظمة لها، مما يضفي على أسلوبه مسحة من الأناقة والجمالية، وينأى به عن الإسفاف والرداءة والقصور، وعليه يجدر بمن يتصدى لمهنة الإعلام أن يُحسن التقدير في إبلاغ رسالته إلى الجمهور بحيث يوصل محتواها إلى المتلقي دون التجني على اللغة تطرفًا أو قصورًا.غير أن هذا لا يعني أن في إمكان محبي اللغة العربية، وهم كثر كما نعتقد في طول العالم العربي وعرضه، السكوت دائمًا عن تلك المجزرة اليومية التي تنحر اللغة العربية في كل ساعة ودقيقة على الشاشات الصغيرة، في معظمها، إن لم يكن في مجملها، أو عن تلك المجزرة الأخرى التي تطاول أبسط المعلومات وبعض البديهي منها، في برامج عدة.يتحدث فيها مقدموها،أو المشاركون في تمثيل حلقاتها بلغة ذات أداء سيئ أو منحرف،كما في كلام مقدمة أحد برامج الأطفال على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال الذي يصطبغ بلهجة مطاطة ومتعثرة تعبث بلفظ الحروف وتراكيب الكلمات، وتُخلط دون مبرر،بين العربية والفرنسية والإنجليزية.ويقينا لا يمكننا أن نحصي أخطاء تعد بالمئات في كل يوم، من نصب الفاعل، إلى جر المفعول به، إلى اعتبار كل كلمة حالًا وتمييزًا،إلى رفع المضاف والمضاف إليه، ناهيك بالكوارث التي تحل بالمبتدأ والخبر وما إلى ذلك، ويصبح الخطر أكثر عندما نعلم أن مجتمعاتنا تكثر فيها نسبة الأمية وتقل فيها نسبة المقروئية.

وحول دلالة وتأثير اللغة الإعلامية  أثبت علماء الدلالة  أن الألفاظ تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، كما أن اختيار الألفاظ هو الذي يساعد على التحكم في اتجاهات الناس وتصرفاتهم، لذا نرى أن الباحثين يبحثون في اللغة باعتبارها عنصرًا أساسيًا في عملية الاتصال الإعلامي، فإذا كان للفظ تأثير على الجهاز العصبي فكيف بتأثير الصورة وحركة الجسد على المتلقي وكافة أجهزته العصبية والنفسية والسيكولوجية. إن التلفزيون والسينما لا يقف الأمر عند حدود الرموز اللغوية والمصورة فقط،إنما تضاف إليه الرموز الموسيقية والطبيعية والصناعية كلها معًا، تلعب دورًا بمهارة لتوصيل الرسالة السلبية غالبًا والايجابية نادرًا، والأمر حقيقة يتطلب مهارات أكبر في تفسير مثل هذه الرموز.!
كما  أن المطلوب إعلاميًا لخدمة اللغة العربية من وجهة نظري يتمثل في:
أولا إشعال روح الغيرة على اللغة العربية في نفوس أبنائها، فهي رمز الهوية، ووعاء تنصهر فيها الثقافة والتاريخ.
ثانيا الكف والتوقف عن التعرض لصورة أستاذ اللغة العربية في الإعلام، وتحسين صورته، وعدم جعله مادة للتندر والفكاهة والسخرية.
ثالثا تقديم اللغة العربية بصورتها الأنيقة والسهلة، وعدم اتهامها بالقصور، والعجز، لأن أي لغة تمتلك القوة الكافية للتعبير عن حاجات أهلها، وتوظيفها توظيفًا إنسانيًا حضاريًا، لا اقتصاديًا نفعيًا فقط.
رابعا عدم تبني العامية، واستخدام اللهجات، لأنه أكبر عامل في تقطيع أوصال الأمة، وعزل أبنائها بعضهم عن بعض، فضلًا أنه عامل أساسي في تغذية روج الجهوية، والمحلية، والتفكر والتدبر بأسباب انتشار العامية ومحاولة معالجتها. حتي نحافظ علي لغتنا ونرتقي بها،فخر وشرفا،ويكفينا أنها لغة القرآن الكريم،وهو ما يجعلنا نحافظ عليها ونحترمها،لانها تعبر عن شخصيتنا وهويتنا !