ولد جوزيف بنياتلي يوم 27 ديسمبر 1737م، لوالدين ينتميان إلى طبقة الأمراء. كان أبوه من أصل إيطالي وأمه إسبانية، ويعيشان بقصر الأسرة في ساراغوسا بإسبانيا. ولم تبتسم الحياة كثيرًا لهذه الأسرة، فقد ماتت أمه وجوزيف طفل في السادسة من عمره.
فانتقلت الأسرة إلى مدينة بانولى بإيطاليا. وبعد أربع سنوات مات أبوه أيضا. فعاش الصبي يتيمًا في القصر الفاخر.
وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره عاد إلى ساراغوسا مع أخيه الأصغر نيقولاوس، ليدرس في مدرسة داخلية يديرها الرهبان اليسوعيون. وعاش الصبي مع الرهبان فأحب حياتهم وشعر معهم بدفء العطف الأبوي الذي فقده، وعزم على أن يصير راهبًا في المستقبل.
وحين بلغ السادسة عشرة من عمره، طلب من رئيس الدير أن يقبله في الحياة الرهبانية لديهم. وفى يوم 8 مايو 1753م ارتدي الثوب الرهباني، وبدأ حياته المكرسة بفرح لا نظير له. فدرس الفلسفة واللاهوت. ونال سر الكهنوت، وباشر عمله الرعوي. فدرس القواعد للأطفال في مدرسة ساراغوسا.
وساعد كهنة الرعايا في إقامة القداسات وسماع الاعترافات وخدمة الوعظ. فكان يمضي وقته في تعليم الأطفال وخدمة الرعايا وزيارة المساجين. وكان هؤلاء يسمعونه جميع أنواع الشتائم والإهانات بسبب اليأس الذي يسيطر على نفوسهم، فيتحمل أقوالهم بصبر، وكان الناس يتعجبون من سلوكه، كيف يعيش في غرفة متواضعة داخل الدير وقصر أسرته قريب.
واجتاحت أوروبا موجة العنف والتمرد على الكرسي الرسولي، فقامت فرنسا والبرتغال وإسبانيا بطرد الرهبان اليسوعيين من البلاد. فذهب مع رفاقه إلى بلاد المنفى وكان قد عين رئيسًا إقليميًا ومسئولًا عن ستمائة راهب في طريقهم نحو المهجر.
فبعد صعوبات جمة ألمت بهم وصلوا إلى بونيفاتشيو وأقاموا في المنازل الخربة المهجورة. ولم تدم فرحة الإقامة في جزيرة كورسيكا.
فقام الجنود الفرنسيون بطرد الرهبان مرة اخرى من مساكنهم ونقلوا إلى جنوى، فتوجهوا سيرًا على الأقدام إلى مدينة فرارا وهي ولادية من الولايات البابوية. هناك تمتع الرهبان بالحفاوة وحسن الاستقبال.
لأن الكاردينال فرنسيس بنياتلي وهو قريب للأب جوزيف كان مسئولًا عنها. وعلى الرغم من ذلك ظل الأب بنياتلي قلقًا مضطربًا، لأنه يعلم أن ملوك أوروبا يبذلون قصارى جهدهم لتدمير سلطة الكنيسة.
ويسعون إلى تجريد الكرسي الرسولي من وجود الرهبان اليسوعيين. وكان البابا يرفض أن يلبي رغبة الملوك، ويلغى الرهبانية اليسوعية. وتوفى البابا إقلمنضس الثالث عشر. وكان من عادة العصر أن يوافق الملوك على البابا الذي ينتخبه مجمع الكرادلة. فأخبر أولئك المجلس، الذي اجتمع في روما أنهم لن يوافقوا على أي منتخب إن لم يتعهد بإلغاء الرهبانية اليسوعية حين يتسلم السلطة.
وجلس البابا إقليمنضس الرابع عشر على كرسي القديس بطرس، فرضخ لرغبات الملوك وجمع اليسوعيين يوم 21 يوليو 1773م وأعلن رسميًا في رسالة اسمها:" غبنا وخلصا" حل الرهبانية وطلب منهم باسم نذورهم في الطاعة للبابا أن ينفذوا ما جاء في الرسالة.
ومن نال سر الكهنوت فليبحث عن أسقف يقبله في أبرشيته. ومن لم ينل ذلك السر فليعد إلى بيت أهله علمانيًا. وبين ليلة وضحاها، وجد 2300 راهب يسوعي أنفسهم بدون ديار ولا نذور رهبانية. فشرع كل واحد منهم يسعى إلى العمل في الرعايا. ويفكر في طريقة تجعل أعضاء الرهبانية يحافظون على الرابطة بينهم. فأسس الأب يوسف ده كلوريفيير الجمعيات الرهبانية في فرنسا وبلجيكا وتأسست في بريطانيا جمعية قدماء اليسوعيين. فأقام الأب بنياتلي في روسيا البيضاء واهتم بالاتصال مع غالبية رفاقه المشتتين في أوروبا وسعى إلى تأمين العون المادي لإخوته الذين لا يستطيعون كسب لقمة العيش بسبب الشيخوخة او العزلة التي فرضت عليهم بعد حل الرهبنة.
وبعدما هدأت الأزمة في عام 1793م بين ملوك أوروبا والرهبانية اليسوعية، أراد دوق بارما في إيطاليا أن يعمل الرهبان اليسوعيين في أراضيه، فجاء إليه ثلاثة رهبان يسوعيين من روسيا البيضاء، وكان الأب بنياتلي واحدًا منهم. ، أسسوا هناك ديرًا وزاولوا نشاطهم كالمعتاد.
وفى سنة 1797م أبرز نذوره الرهبانية وهو في الستين من عمره. واشتهر الأب بنياتلي بالتواضع وميله الى الصلاة، وعين معلمًا للابتداء ثم رئيسًا إقليميًا.
ثم رحلوا إلى روما واستقبلهم البابا بيوس السادس استقبالا حسنًا وأعطاهم مبنى المدرسة الرومانية القديم ليسكنوا فيه. وبعد ذلك انتقلوا إلى بيت قريب من الكوليزيوم الروماني وصاروا يعلمون في ست إكليريكيات رعوية مختلفة، وعاشوا بحسب قوانين الرهبانية في رعاية الأب بنياتلي، ولم يكف الأب بنياتلي منذ وصوله الى روما عن السعي لدى البابا والكرادلة والسفراء لإعادة الرهبنة. وكان الجميع يشهد بإخلاصه للكنيسة في أيام محنتها.
فبسبب حل الرهبانية لم يعد الأب بنياتلي ملزمًا بنذر الفقر، وعادت إليه جميع أمواله ونال مساعدات كثيرة من أقربائه الأمراء. فوزع ما يملك على الفقراء وقدم مساعدات مادية ضخمة للبابا حين حاصرته جيوش نابليون في روما.
واشتدت الأمراض على الأب بنياتلي وكان لا يستطيع النوم بسبب الآلم. ومع ذلك لم ينقطع عن التضرع إلى الله. وفى يوم 15 نوفمبر 1811م بينما كانت الجماعة اليسوعية تصلي حول سريره، ابتسم ابتسامة لم يعرف أحد سببها، وتوفي وأعلن البابا بيوس الحادي عشر الأب جوزيف بنياتلي طوباويًا يوم 21 مايو 1933م وزد البابا بيوس الثاني عشر في إكرامه فأعلنه قديسًا يوم 12 يونيو 1954م.