في مثل هذا اليوم 14 نوفمبر 1954م، تمت إقالة الرئيس محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية. ويروي الرئيس محمد نجيب من مذكراته " كنت رئيسا لمصر " لحظة إقالته ويقول: "جائني عبد الحكيم عامر وقال لي في خجل "أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية" .
فقلت له : "أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسئولا أمام التاريخ عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا" .. وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامتي في فيلا زينب الوكيل بالمرج لن تزيد عن بضعة أيام لأعود بعدها إلي بيتي ، لكني لم أخرج من الفيلا طوال 30 عاما !
▪️ خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت حاملاً المصحف في سيارة إلي معتقل المرج، وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدي له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي لتحيته ، وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه ..
▪️ وعندما وصل إلي فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة، وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران، وكما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته.. ومنعه تماماً من الخروج أو من مقابلة أياً من كان حتى عائلته.
▪️ وأقيمت حول الفيلا حراسة مشددة، وكان عليه ألا يخرج منها من الغروب إلي الشروق، وكان عليه أن يغلق النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود.
▪️ كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، ويقول محمد نجيب : «هذا ما تبقي لي ، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة».
ماذا فعلت ليفعلوا بي كل هذا ؟!
▪️ انني يوم ودعت الملك الذي أنتهك الحرمات وأحل الفساد محل النقاء، وجلب الخراب والهزيمة علي البلاد، كنت حريصا علي أن يكون وداعه وداعا رسميا، ومشمولا بكل مظاهر التكريم والرعاية والاحترام، سمحت له أن يأخد أشيائه الخاصة والشخصية، وتركت الوزراء والسفراء والحاشية يودعونه، وأمرت أن تطلق المدفعية 21 طلقة، وأن تعزف الموسيقى السلام الوطني لينزل الملك في غاية الوقار إلي اليخت المحروسة.
▪️ حافظت علي التقاليد والأصول لكن لم يحافظ مجلس الثورة لا علي التقاليد ولا علي الأصول، وأنا الذي فعلت كل هذا من أجله ومن أجل مصر ومن أجل الثورة، تعاملوا معي كأنني لص أو مجرم أو شرير.
▪️ لم يتصل بي عبد الناصر، لم يقل لي كلمة واحدة، لم يشرحوا لي ما حدث، ولم يحترموا سني ولا مركزي ولا رتبتي، وألقوا بي في النهاية في أيدي لا ترحم وقلوب لا تحس وبشر تتعفف الحيوانات عن الانتساب لهم !
▪️ ما أقسي المقارنة بيني وبين فاروق عند لحظات النهاية والوداع ..ودعناه بالاحترام .. و ودعوني بالاهانة..ودعناه بالسلام الملكي والموسيقي وودعوني بالصمت والاعتقال.
▪️ أن اصعب شئ علي المرء أن يكتب أو يتحدث عن الآمة الخاصة، لكن هنا أنا لا أكتب عن قضية خاصة، وأنما أكتب عن أسلوب الثورة في التعامل مع رجالها، أكتب عن قضية الحريات وتحطيم كرامة الانسان المصري، فإذا كان هذا مع حدث معي، وحدث أيضا مع العديد من رجال الثورة، فما الذي حدث مع الآخرين ؟!