صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة تاريخ المصريين كتاب «الغذاء في مصر عصر سلاطين المماليك» للدكتور مصطفى وجيه مصطفى.
وفي مقدمة الكتاب يقول الدكتور مصطفى وجيه: «تعد الحياة الاقتصادية في أي مجتمع إنساني من أكثر المظاهر تأثرا بالوضع السياسي السائد في ذلك المجتمع، كما أنها تعد أشد الجوانب تأثرا بما يحدث في تلك الدائرة الاجتماعية من تغييرات سياسية وانعكاسات ناتجة من تطور طبيعة المنهج المتبع في نظام الحكم، بالإضافة إلى ذلك وجد نوع من الارتباط الطردي بين الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في جميع المجتمعات الإنسانية من دون استثناء، وفي هذا الإطار كان للاستقرار السياسي الذي عرفته مصر في عصر سلاطين المماليك انعكاس واضح على النواحي الحضارية التي وجدت كل الاهتمام والعناية من سلاطين هذه الدولة، حيث أولوا اهتماما خاصا بالتنظيم الإداري والمالي، وأوجدوا وظائف ودواوين متعددة، وشهد الجانب الاقتصادي لمؤا وازدهارا كبيرا، نتيجة للاستقرار السياسي والتنظيم الإداري والمالي، وكان التطور الثقافي والعمراني من أهم ثمار هذا الاستقرار، وأدى كل ذلك إلى مظاهر الرفاهية التي عاشتها دولة سلاطين المماليك، فقد شهدت مصر تحت حكمهم بناء القصور والدور والحدائق، وتوفير كل وسائل الترفيه والرفاهية لهم ولنسائهم وأبنائهم، ولا شك أن بعض مظاهر ذلك انعكست على أهل البلاد من المصريين، وكان من ذلك الموائد الغذائية، وما تحتويه مما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة، وبطبيعة الحال فإن ذلك يشكل معيارا دقيقا لثروة مصر العامة وسعتها، ومرآة للازدهار الاقتصادي الخارق الذي غمر مصر منذ قيام دولة سلاطين المماليك في مصر».
ويضيف: «ولقد اتخذت الدراسة من مصر محورا بوصفها نموذجا طيبا يمثل العنصر الثابت - - في أركان العلمية التاريخية المكان، فضلا عن إنها اكتسبت في كتابات المؤرخين والكتاب أبعادا ودلالات شتى، كما وضعت في إطار زمني محدد (648 - ٩٢٣هـ/ ١٢٥٠ - 1517م)، ونحن قد اتخذنا من سنة 648هـ/ ١٢٥٠م منطلقا لدراستنا؛ نظرا لأنها بداية عصر سلاطين المماليك الذي نعمت فيه البلاد بالاستقرار والاستقلال ما يقارب ثلاثة قرون من الزمان، وأصبحت قلب إمبراطورية مترامية الأطراف ومركزا للخلافة السنية، وقلعة حماية لكل مسلمي العالم بمن فيهم مسلمي الأندلس، ولا شك أنه إذا كان للعوامل المادية أثرها فيما يقوم عليها من تقدم وتطور المجتمع، فإن للأحداث السياسية أهميتها وقوتها كذلك؛ ويغلب على الظن أن الاستقلال السياسي من الظروف الفعالة التي تسرع بعملية التطور والارتقاء. ومن هنا كانت غايتنا أن نوضح إلى أي حد كان عصر سلاطين المماليك مرحلة تقـدم أصابت حياة البلاد من زراعة وصناعة وتجارة داخلية ونقل وشئون مالية، وأسمطة وقوائم طعام متعددة، وغير ذلك مما له ارتباط بحالة الشعب ودرجة رخائه ومبلغ حضارته. أما سنة ٩٢٣هـ/ 1517م: فهي تشكل صفحة جديدة في تاريخ الشرق وهي نقطة تحول مهمة تشير إلى نهاية سلطنة المماليك ودخول مصر تحت التبعية العثمانية، ونحن قد توقفنا عندها حتى لا تدخل في إطار دراسة جديدة واسعة ومتشعبة».
وتابع: «من جهة أخرى، فإننا إذا أشعنا الطرف عن الخلفيات الذاتية فإن أهم الاعتبارات الموضوعية التي خرجنا بها تتمثل في كون التراكم المعرفي الذي أنتجه الأوروبيون عن دولة المماليك «مرصع» بالفجوات الفادحة؛ سواء على المستوى المنهجي أم الموضوعي انطلاقا من قراءتهم الانتقامية للتاريخ المملوكي؛ لأنهم هم من أسقطوا الكيان الصليبي، ونشروا الإسلام بين التتر، وحكموا عالم البحر الأحمر والبحر والمتوسط طوال ثلاثة قرون من الزمان تقريبا، وقد جعل بعض الباحثين العرب كتابات الأوروبيين أساسا لدراسة تاريخ المماليك حتى وإن أغفلوا أو تغافلوا عن كلام المصادر المعاصرة بسبب نقص لدى الباحث».