الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

مولد القديس جرجس مُلهم الشعوب وسريع النداء.. أحد عناوين المحبة بين مسلمي ومسيحيي مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعيش محافظة الأقصر هذه الأيام أجواء احتفالية يغلبها الطابع الروحانية؛ فقد بدأ أقباط مصر المسيحيون والمسلمون يتوافدون إلى دير القديس مار جرجس بجبل الرزيفات بغرب المحافظة؛ للاحتفال بالمولد السنوي للقديس الروماني، مُلهم الشعوب وسريع النداء، وتستمر الاحتفالات في الفترة من يوم 10 إلى يوم 17 من شهر نوفمبر من كل عام، وتأتي الاحتفالات بمناسبة ذكرى تكريس أول كنيسة باسم مار جرجس فى مدينة اللد بفلسطين، ونجول في السطور القادمة حول مكانة القديس وحول مظاهر الاحتفاء به، وتسليط الضوء على الموالد في وطننا.

وبشكل عام يُعد القديس جورج كما يُلقبونه بالغرب ذي مكانة كبيرة جدًا في قلوب شعوب العالم كله وليس في مصر فقط، فيحتفي به أغلب الشعوب وخاصة الأرثوذكسية منها؛ فهو رمز الأمل، رمز الفروسية والشجاعة؛ الكثير من الدول والجامعات والأندية الرياضية، تتخذ صليب القديس جورج شعارًا لهم، تيمنًا بالقديس من جانب وبالصليب من جانب آخر ، وأبرز تلك الدول بريطانيا وجورجيا، ولاسيما كونه القديس الروحي للكثير والملهم الأول لأغلب الشعوب الأرثوذكسية مثل اليونان وروسيا وجورجيا.

ونرجع لمصرنا المحروسة التي تتميز عن غيرها، في مظاهر احتفالاتها، وفي رونقها المقتبس من الطقوس الفرعونية التي يتشاركها الآن المسيحيون والمسلمون جانبًا إلى جنب، مُحافظين على تراثهم بشكل فريد رافعين شعار المحبة والتآخي. وقبل أن نتحدث عن مظاهر الموالد فنحن لن نذكر الجانب المعارض للموالد ووجهة النظر المخالفة لذلك؛ فنذكر فقط في السطور القادمة صور التعايش والمشاركة بين المصريين وبعضهم في الأفراح وهكذا أيضًا في الأحزان.



الموالد عنوانًا للتعايش والمحبة 
 

ويقصد المصريون دير مار جرجس من مختلف البلاد والقرى، ويقدر أعدادهم بمئات الآلاف؛ بل يمكننا القول، أنه قد يتخطى الملايين من الزائريين علي مدار الأسبوع، فيأتي الناس مبكرًا؛ من أجل نصب الخيام في محيط الدير بالتحديد في المنطقة التي خصصها الدير لذلك الأمر؛ ويأتي الجميع من أجل الصلاة والتبرُك وإيفاء النذور، ومن أجل الاحتفالات الشعبية من جانب آخر ، ويحَضر الباعة الجائلِون إلى ساحة الكنيسة لبيع تذكارات مختلفة ومسابح وأيقونات، ولاسيما حلوى المولد والمشبك والحلويات؛ فبجانب الاحتفالات فيمثل هذا باب رزق مهم لهم.
 ومن الشعائر البارزة أيضًا، الشموع التي يوقدها الزوّار أمام أيقونة «صورة» الشهيد طالبين شفاعته «كرامته» فى تحقيق بعض الأمنيات، ونأتي إلى الفصل الأخير أكثر ما يميز الموالد، وهي الزفة، وهي عبارة عن موكب كبير من الناس يتوسطهم الكهنة والشمامسة حاملين رفات "جسد" القديس، وأيقونته، وسط تراتيل وتبجيل الشعب؛ إلى أن تعلو الزغاريد أرجاء المكان متهللين ببطل قصتنا.
 ويشارك المسلمون نفس هذه الطقوس إخوتهم الأقباط في المولد، فمثلًا، يوقدن نفس الشموع، ويذكر كبار السن بالقرية أن مارجرجس هو ذاته سيدنا الخضر، ويقمن كل عام بزيارته لكونه كما يطلقون عليه «رجل الله» وتحمل الكثير من أجل الدين ويستخدمه الله فى عمل الخير حتى بعد قرون من موته.
ومن جانبه، أكدت النائبة «نجلاء باخوم» عضو مجلس النواب عن قنا على نفس الحالة التي ذكرناه، قائلة: « إن مولد مار جرجس يستقبل المسلمين قبل المسيحيين، بجانب مسؤولي المحافظة من مجموعة نواب الأقصر، وزاره كل من الدكتور بهجت الصن عضو مجلس الشعب، كان فى استقبالهم كل من أبونا توماس الرزيقى أمين الدير وأبونا فام الرزيقى، والنواب أمانى الشعولى ومعها الدكتورة حمادة العمارى، كان في استقبالهم الأنبا بيمن عضو اللجنة المسؤولة عن الدير بجانب الآباء المسؤولِينَ بالدير، وأيضا زار حزب حماة وطن بقيادة علاء الراجحى أمين الحزب وبعض الأعضاء الدير، موضحة أن مدير أمن الأقصر، زار الدير أكثر من مرة لتفقد حالة الأمن هناك».

وتابعت: «نحن في قنا والأقصر وأرمنت نعيش فى تعايش وسلام ويمثل الدير رمزاً لذلك التعايش الذى نعيشه، حيث يتجاور كل من معبد الأقصر بكنيسة السيدة العذراء ومسجد سيدى أبو الحجاج، مما يؤكد أن أصالة وتعايش شعبنا المصرى جينات محبة ورثناها منذ بدء الحضارة ولا يستطيع أحد أن يمسها».

ويقول الراهب القمص توماس، وكيل دير مار جرجس بالرزيقات العامر: «النهضة والاحتفالات لديرنا ازدادت وتباركت منذ زيارة البابا شنودة الثالث للدير 1975، كان الدير عبارة عن كنيسة قديمة ولكن ببركة الله بدأت الحياة الرهبانية في الدير منذ عام 1978، والمولد يقوم بمناسبة ذكرى مقدسة وهي بناء أول كنيسة في اللد بفلسطين للشهيد العظيم مار جرجس، وهذا كان يحدث منذ عهد الأنبا اغاثون رئيس دير الأنبا بولاو مطران الإسماعيلية المتنيح، وظهرت كثير من المعجزات من البطل الشهيد مار جرجس، وتزايدت الوفود والزائرين».

وتابع: «تقام الصلوات والقداديس والترانيم والحياة الروحية جنبا إلى جنب مع النشاط التجارى والاجتماعي فى سوق من الخيام يشارك فيه الإخوة التجار المسلمون بنسبة أكبر من التجار المسيحيين، وكما يقال يكون لديهم من الإبرة للصاروخ مع تخفيضات كبيرة على المبيعات بما يجعل الحياة الروحية تمتد إلى الرزق وكأن هذا السوق أوكازيون سنوى بشفاعة ماري جرجس ويقبل عليه الزوار من أسوان للإسكندرية لشراء كل احتياجاتهم»

وأضاف القمص توماس: «كل الشكر لرجال الأمن الذين يؤمنون المولد والملايين القادمة من الزوار من البداية للنهاية، وستظل مصر مباركة وببركة مارى جرجس يكون دائما المولد أكبر رد على كل محاولات المغرضين لإفساد الوحدة الوطنية لأننا شعب واحد».

وأضاف محمد الطاهر، موجه بوزارة التربية والتعليم، رئيس المجلس المحلى السابق للمحاميد المجاورة للرزيقات، قائلًا: «نتفاءل به لأنه يأتى بالتزامن مع موسم حصاد القمح، ونزور ونتبارك ويقوم الدير بعزومتنا على أكلة فسيخ، وفى تقديرى أن عدد المسلمين من الزوار والتجار يساوى عدد المسيحيين، ويحب أولادنا وبناتنا شراء ملابسهم من المولد لأنه يرتبط عادة بافتتاح المدارس، هذه بلدنا التى لا تعرف التفرقة بين أهلها أيا كانت ديانتهم».



الجذور فرعونية للموالد


ويوجد في مصر ما يقرب من 2850 مولدًا لأوليا الله الصالحين حسب ما ذكر في كتاب «موسوعة المجتمع المصري» للدكتور سيد عويس عميد علماء الاجتماع في الوطن العربي، أي أنه إذا أضافنا الموالد القديسيين المسيحيين؛ أي أننا سَنُضيف لهذا الرقم الضخم الكثير، وقُومنا في البداية بالإشارة إلى أن الموالد والاحتفالات هي ذات مرجعية فرعونية، وبالفعل، فمصر الفرعونية تميزت بالاحتفالات والأعياد، وبالأخص فى عصر إمبراطورية الدولة الحديثة، بحسب التقسيم التاريخى لمصر القديمة، فضلًا عن المواكب الدينية التى كانت تقام تمجيدًا للآلهة وتضرعا لها. 

 وصورت نقوش جدران المعابد المصرية هذه التفاصيل، وسردت لنا الاحتفالات الدينية العديدة وقتها، ونذكر أبرز هذه الأعياد كمثال، وهو عيد زيارة الإله «آمون» لمعبد الأقصر، الذي كان يطلق عليه عيد «أوبت» الكبير ويوافق خروج موكب الفرعون، تتقدمه القرابين التى يعتزم الكهنة ذبحها في هذه المناسبة، ويشار أنه كان يتم ذلك بطريق الكباش الذي طورته مصر مؤخرًا، وهو طريق مواكب الآلهة في طيبة أو الأقصر حاليًا.
وظلت مصر على هذا الحال حتى دخول المسيحية مصر، في القرن الأول الميلادي، فلم يغير المسيحيون عاداتهم، وظلت مصر كما هي، فقط قامت بتغير صبغتها، وهذا ما حدث بالفعل فلم يهدموا المعابد بل "عمدوها"، لم يتخلوا عن مظاهر الاحتفالات والأعياد بل غيروا مضمونها، بدل من أن يقدموا الأضاحي للآلهة، يذبحونها ويقدمونها صدقة للفقراء، بدل من أن يرتلوا إلى «الإله أمون» يرتلون إلى الله ويمجدونه، وبجانب ذكر الله، أدرجوا أيضًا ذكر الشهداء والرسل، وذلك لم يكن عبثًا، بل هو تيمنًا بقول الكتاب المقدس: «اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم» (عب 13:7).
ومرت السنوات ودخل الإسلام في القرن السابع الميلادي، وجاء أيضًا بثقافة الاحتفالات الدينية، كالاحتفال الرمزي بشهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى، ولم يتخلوا عن الأعياد المصرية بل ظلوا يحتفلوا بها إلى يومنا هذا، فنذكر فقط عيد شم النسيم، فهو عيد فرعوني أصيل نجتمع به ونحتفل به منذ الآلآف السنين، وبعد أن تولى الفاطميون حكم مصر وأسسوا فيها خلافتهم عام 969 ميلاديًا، أدخلوا ثقافة الاحتفالات الشعبية والدينية، وانتشرت الحركات الصوفية، وكان من بينها الاحتفال بأولياء الله، وانتشرت الأضرحة، وتعيش بيننا إلى يومنا هذا، فمن لا يعرف، مولد الحسين، مولد السيدة زينب،  ومولد السيدة نفيسة، ونفس فكرة الزفة أو «الدورة» موجودة ايضًا هنا؛ فنجد في الموالد الإسلامية، موكبا كبيرا من الناس يحملون العصي والرايات التي تمثل الولي، بينما تعلو الأناشيد الدينية أثناء سيرهم. 
 
ولأن هذه الأمور ظاهرة اجتماعية دينية هامة، فقد قامت وزارة الثقافة المصرية سابقًا بإقامة أول قاعدة بيانات في مصر لاحتفالات المصريين بموالد الأولياء والقديسين، ممثلة فيما سمي (أطلس الفولكلور المصري)، حيث يقوم باحثو الأطلس بالتوثيق الحي لبعض الموالد الإسلامية والمسيحية، بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والحكايات الشعبية والأشعار، والهتافات، والموسيقى والترانيم وغيره.
وفي النهاية، قد يُثير دهشة الكثيرِينَ هذا الترابط العجيب بين المصريِينَ وبعضهم؛ فهم مختلفين العقيدة، منسجمين الروح، والكل يعيش في جسد واحد وهي مصر.

 

الراهب القمص توماس
النائبة نجلاء باخوم


 

علم إنجلترا يتوسطه صليب القديس جورو