استهدف اليمين المتطرف في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، مركز دوفر للهجرة ببريطانيا، عبر ثلاث قنابل حارقة ألقاها شخص يُدعى أندرو ليك، قبل أن يقتل نفسه، ووصفت السلطات البريطانية الواقعة بالحادث الإرهابي. وتسببت الحادثة في وقوع إصابات طفيفة بين العاملين بالمركز ورواده، ولكن لا توجد وفيات، باستثناء المنفذ الذي قتل نفسه، وتعتقد أجهزة الأمن أن الدافع للعملية أيديولوجية اليمين المتطرف التي يعتنقها "أندرو". وقال كبير المنسقين الوطنيين لشرطة مكافحة الإرهاب، تيم جاك: إن تحقيقات الأمن قدمت أدلة واضحة عن تورط اليمين المتطرف في الحادثة بغض النظر عن الاضطراب العقلي للمنفذ، والذي يأتي في المرتبة الثانية كدافع للجريمة بعد الدوافع الإرهابية.
عمليات نوعية
يعد استخدام "أندرو" للقنابل الحارقة تغييرًا نوعيًّا في طبيعة هجمات اليمين بأوروبا، فضلًا عن ظهور دلالات جديدة لتأثر التيار بالفيديوهات التعليمية التي كان يبثها تنظيم "داعش" الإرهابي إلكترونيًّا لتعليم عناصره طرق تصنيع المتفجرات.
إذ تداولت وسائل الإعلام الغربية تقارير استخبارية حول رصد تزايد نسب مشاهدات عناصر تيار اليمين المتطرف للمقاطع المصورة التي بثتها الجماعات التكفيرية، وبالأخص أثناء ذروة انتشار فيروس كورونا التي نشطت خلالها الحركات الإرهابية استغلالًا لانشغال الحكومات بتقويض انتشار الجائحة ومعالجة آثارها الاقتصادية السلبية.
ولطالما نفذ اليمين عمليات متطرفة في الولايات المتحدة مستغلًا التسهيلات القانونية الممنوحة لشراء الأسلحة وتداولها، ولكن الدول الأوروبية اعتادت على نشاطات يمينية تتمثل أغلبها في احتجاجات شعبية ضد القرارات الحكومية أو بث للشائعات ونظريات المؤامرة إلى جانب التعدي اللفظي والمناوشات ضد المختلفين معهم، ولكن تصنيع المتفجرات لم يكن مطروحًا بقوة على الساحة الأوروبية على الرغم من المخاوف التي تناقلتها الدراسات حول تصاعد عنف التيار.
فيما وجدت الشرطة منشورات يمينية متطرفة على الحاسوب الشخصي لمنفذ العملية، ما تتجلى معه دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أيديولوجيا التيار بين المتعاطفين معه، وتداول مواد إعلامية من شأنها تأجيج العنف ومضاعفة الكراهية، ومن الشواهد اللافتة في العملية الأخيرة هو أن عمر منفذ الهجوم ضد مركز الهجرة يتعدى ٦٠ عامًا، ما دفع الأجهزة البريطانية المعنية لمناقشة انتشار الأفكار الإرهابية بين كبار السن، واندفاعهم نحو تنفيذ العمليات، فضلًا عن لجوئه لقتل نفسه بعد التنفيذ، ما يعني تطورًا لمفهوم العمليات الانتحارية بين التكفيريين واليمين المتطرف.
وصمة الإرهاب
اعتادت بعض الحكومات الغربية إطلاق مصطلح جريمة كراهية على أعمال اليمين، وقصر الإرهاب على الحركات التكفيرية، ولكن شهدت الآونة الأخيرة تطورًا لهذا المفهوم، إذ اتجهت بريطانيا لوصم هجمات اليمين بالإرهاب كما في هذه الحالة، فيما أعلنت نيوزيلندا عزمها تعديل قوانين الإرهاب لتضمن عقاب التكفيريين واليمينيين على حد سواء.
ويعد تعديل القوانين بما يضمن تعريفات شاملة جديدة للإرهاب يسهم في تقويض التطرف، ووضع حد لانتشار العنف والكراهية، كما يقطع الطريق على الدعاية السلبية التي يبثها التكفيريون عن هجمات اليمين المتطرف كاستهداف للمسلمين لا تهتم به بعض الحكومات ثم توظفها كمدخل لتنفيذ هجمات أعنف.