يحيط الغموض بمستقبل جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة بعد وفاة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد، وزعيم جبهة لندن، إذ يكشف تأخر إعلان القيادة الجديدة عن المأزق الذي تعيشه الجماعة وهو عدم جاهزية البديل المحتمل للقيادة، حيث يعد بعض المراقبين أن المدة التي تم تحديدها للكشف عن الشخصية البديلة لـ"منير" كبيرة، وتشير إلى حالة من التخبط وعدم الاستقرار على المرشحين.
وبحسب كلمة محي الزايط الذي شغل مكان "منير" لتسيير مهام الجماعة بشكل مؤقت، فإنه من المقرر أن يتم الإعلان عن القائم بأعمال المرشد والشخصية البديلة مدة قد تكون أقل من شهر. ومن جانبه واصل المتحدث الإعلامي باسم جبهة لندن نشر كلمات التعزية في عزاء "منير" والتي تضمنت مداخلات لشخصيات حزبية تركية وعناصر إخوانية من سوريا وفلسطين والجزائر إلى جانب عناصر هاربة من مصر.
وقبل وفاته، شارك "منير" في اجتماع مع عدد من قيادات جبهته، ناقش خلاله عددا من الأمور المتعلقة بعناصر الجماعة المسجونين، ودور الجبهة في الدعوات التحريضية التي تبثها عناصر الجماعة الإرهابية من التيار الكمالي.
وثيقة الكماليين
من جانبه، أكد الدكتور صبرة القاسمي، المنسق العام للجبهة الوسطية لمكافحة التشدد الديني، أن كلمات رثاء إبراهيم منير لها دلالة عميقة، فهي تعطي وصفا لحقيقة ما دار في كواليس الإخوان من محاولة إقناع الرأي العام بوجود خلافات بين أعضاء الجماعة، وقد أشرنا في حينها أنها خلافات تكتيكية.
وأضاف "القاسمي" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الكلمات أظهرت إحدى الصفات التي تمتع بها "منير" وهي أنه كان يستخدم التقية، وأنها جزء من عقيدة الجماعة، وأن توجهاته كانت لحماية الجماعة في الخارج بعد فشلها في الداخل، وأن يكون هناك شق للحمائم وشق للصقور، مما يُمكن الحمائم من مخاطبة الغرب، والتسلل إلى قوى المعارضة، أو محاولة التسلل إلى "الحوار الوطني" وهو ما تكشفه النخبة السياسية، وهو أيضا ما تدرك خطورته الدولة المصرية.
ويعتقد "القاسمي" أن الحشد لكلمات الرثاء والحديث عن "وحدة الصف" موجه بالأساس لقواعد الجماعة، فهم يريدون أن يوجهوا رسالة إلى قواعدهم أن ما فعله "منير" كان متفقا عليه، وأنه كان على العهد ولم يكن يغرد خارج السرب كما ظنه البعض، وأن وحدة الجماعة لم تتأثر نظرا لأن ما حدث كان للمصلحة العليا للجماعة، ومثل هذه الشعارات التي تخدع القواعد .
ويؤكد هذه الفكرة، هو ما ذهب إليه "القاسمي" من أن "منير" كان على علاقة كبيرة بالتيار الثالث، الذي يطلق عليه "الكماليون"، وأنه شارك في صياغة آخر بيان للتيار الثالث "الكماليون"، وأسهم في إدخال بعض التعديلات علي البيان، مما يدل علي موافقته علي البيان، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك من أن "منير" متوافق مع التيار الثالث، وأن ما تم كان بتنسيق بين الكيانات الاخوانية المعلنة، وحقيقة أمرها أنها كيان واحد تتعدد صوره .
ويشرح الكاتب والباحث السياسي، أن الموضوع ببساطة أن الإخوان لم يختلفوا اختلافا استراتيجيا، وإنما هي خلافات تكتيكية، والهدف هو محاولة خداع الجميع، أولها الدولة والمجتمع وثانيها الخارج، وأن يكون لكل فصيل خطاب مغاير، وهذا ما تم بالفعل، فهم وجهوا عدة خطابات، أو ما أطلقوا عليه وثائق سياسية، وحقيقة الأمر أن الوثائق الثلاث صدرت بمشاركة ومباركة "منير"، لدرجة أن الألفاظ كان متفقا عليها، والتعديلات في الخطابات كان متفقا عليها، فقد قام منير بتعديل عدد من الألفاظ والعبارات في بيان الكماليين، وأعاد صياغة بعض الجمل بنفسه، حتي وصل لصيغة مرضية.
يشير "القاسمي" إلى كل هذه التوضيحات المهمة، كي يقارن بين الموقف المعلن لـ"منير" الذي أعلن توقف جبهته عن العمل السياسي أو الصراع على السلطة، وتعزيز دور الجماعة في الجانب الدعوي والتربوي، وأن هذا الدور هو الذي انحاز له حسن البنا المؤسس الأول للجماعة الإرهابية، لكن مشاركته للتيار الكمالي صاحب اللجان النوعية المتورطة والمُدانة في قضايا عنف وإرهاب، يؤكد أن الجماعة تنتهج عدة خطابات معلنة مختلفة من أجل خداع الدولة المصرية.
لقاء الوفود الإيرانية
وحذر "القاسمي" من مراكز الأبحاث المخترقة من قبل جماعة الإخوان، والتي يتم فيها عقد اللقاءات وتنظيم الأنشطة الخاصة بهم، فمثلا في ألمانيا اخترقوا المجلس الأعلى للمسلمين وتم إبعاد بعض الجمعيات الإخوانية عنه بعدما تم كشفها، وفي مثل هذه المراكز عقد التنظيم الدولي للإخوان عدة لقاءات مع وفود إيرانية، خاصة وأن هناك رغبة إخوانية في البحث عن عواصم جديدة وآمنة بعدما حدثت متغيرات قد تؤثر على وجودهم في العواصم التي استقروا فيها لسنوات، وناقشت اللقاءات الامتيازات التي تمنح لهم، كما تفاوضوا حول وضعهم وحجم التمويل لدى وصولهم إلى طهران.
ولفت إلى أن المراكز البحثية التابعة للجماعة الإرهابية والمنتشرة في الخارج، تعد مكانا مناسبا لعقد الصفقات واللقاءات، بعضها عبارة عن سلسلة تحمل مسميات مراكز بحثية للدراسات الاستراتيجية والأمنية كل أصحابها من الإخوان الهاربين إلى إسطنبول، أحد المراكز يحمل اسم الأكاديمية صاحبه الإخواني الهارب عصام عبدالشافي، وأيضا هناك مركزان يمتلكهما كل من محمد نصر غزلان ومجدي سالم وباقي المراكز أصحابها هم محمود شعبان، ومحمود عادل، ومحمد سعد علام كل هذه المراكز البحثية تعد ملتقي العناصر الجهادية والعناصر الإخوانية وتنظيم داعش الإرهابي مع شخصيات بارزة إيرانية سواء دبلوماسيين أو أفرادا من الحرس الثوري الإيراني.
أكذوبة التوقف عن العمل السياسي
وبدوره، قال إسلام الكتاتني، الباحث في جماعات الإسلام السياسي، إن جماعة الإخوان الإرهابية لن تتوقف عن العمل السياسي، وأن الصراع الداخلي في جبهات الجماعة لن يتوقف أيضا طالما لم يتم حسم أمر قيادات الجماعة الموجودة في السجون، لأنها هي التي تحدد مصير الجماعة الإرهابية.
وأضاف "الكتاتني" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الصراع لا زال قائما بين جبهات الإخوان الثلاثة جبهة إسطنبول ومعها محمود حسين، وجبهة لندن، وجبهة التغيير للكماليين، وهو ما ينفي صحة الكلمات التي ترددت في عزاء إبراهيم منير حول وحدة الصف والتلاحم، ويبرز ذلك غياب قيادات جبهة محمود حسين أو صدور تعزيات مقتضبة.
تأتي توضيحات "الكتاتني" في إشارة لتصريحات متلفزة لـ"الزايط" قال فيها: إن نحو٩٠٪ من الجماعة على قلب رجل واحد سواء في الداخل أو الخارج، نافياً وجود أي انقسامات داخلها، إلا أنه في الفترة الأخيرة حاول البعض منازعة "منير" في ما تولاه".
ويعتقد "الكتاتني" أن اسم محيي الدين الزايط الذي طُرح بشكل مؤقت، إلى جانب اسم محمود الإبياري وأحمد البحيري، والأخيرين من أقرب الشخصيات لـ"منير" ويمكن وصفهم بأنهم أداروا جبهة لندن في السنوات الأخيرة، وأنه في العموم قد تكون هذه الأسماء مرشحة لإدارة المرحلة في الفترة الحالية.
وحول جبهتي لندن وإسطنبول، يرى الكاتب والباحث السياسي، أن إبراهيم منير ليس له تأثير كبير داخل الجماعة، برغم ما زعمه "الزايط" أن "منير" جمع الشباب مجددا حول الجماعة بعد أن تفرقوا، ولم شملها، وأعاد بناء مؤسساتها التي تآكلت.
وقال "الكتاتني"، منير لم يملك التأثير داخل مصر لأنه طوال عمره في لندن، يعرف مفاصل الجماعة وعلاقاتها بالأطراف الخارجية، لذا فالسيطرة الرسمية الأكبر له، لكن الصراع داخل الجماعة بشكل عام لن يتوقف إلا بعد حسم موقف القيادة الموجودة في السجون البت في أمرها فهي التي تحدد مصير ما تؤول إليه الجماعة.
وحول شعار "وقف العمل السياسي"، أكد "الكتاتني" أنه شعار لا وجود له في الواقع، بل إنني قولت قبل ذلك لا تصدقوا أن الإخوان اعتزلت العمل السياسي، وسوف نشهد تعليقات وتعقيبات سياسية على انعقاد القمة العربية في الجزائر ومؤتمر المناخ في شرم الشيخ، وهو ما تحقق بعد القمة العربية حين أصدروا بيانا تعقيبا على القمة، أليست هذه سياسة؟
وتابع، أنه غير البيانات، فالقنوات الإخوانية التحريضية ما زالت تعمل، هل قنواتك تعمل في مجالي الدعوة والتربية؟ بالعكس فالقنوات تعمل على تحريض الناس والدعوة لمظاهرات، مثلا الإخواني أسامة جاويش على فضائية "مكملين" يدعو للتظاهر وهو من الموجودين في لندن، أليس هذا عملا سياسيا؟
مستكملا، إن أوهام الجماعة وتحريضاتها المستمرة في قنواتها تصور لها أنها بإمكان عناصرها العودة للمشهد مجددا، حيث يطمعون في نزول الناس للشارع كي يتمكنوا من القفز مرة أخرى للمشهد ومعهم بعض النشطاء الذين يطمعون في عودة نجوميتهم الزائفة التي تكونت بعد أحداث ٢٠١١ ثم انتهت حاليا.