تنشر “البوابة نيوز” أبرز كلمات قداسة البابا فرنسيس أثناء زيارته التاريخية لمملكة البحرين 3-6 نوفمبر 2022 .. جميلٌ أن ننتمي إلى كنيسة مكوّنة من قصّص ووجوه مختلفة، والتي تجد انسجامها في وجه يسوع الواحد.
وتابع: المحبّة - كما تعلمون - ليست مسلسلًا تلفزيونيًّا أو فيلمًا رومانسيًّا: المحبّة هي أن تهتمّ بالآخر، وأن تعتني بالآخر، وأن تقدّم وقتك ومواهبك لمن هم في حاجة، وأن تخاطر فتجعل حياتك هبةً تَلِدُ حياة أخرى.
السّيّد المسيح ليس ”مسالمًا“، بل هو واقعي: يتكلّم بصراحة عن "الأشرار" و "الأعداء" (الآيات 38. 43). إنّه يعلَم أنّه يوجد في داخل علاقاتنا صراع يوميّ بين المحبّة والكراهية؛ وأنّه حتّى في داخلنا، كلّ يوم، هناك صدام بين النّور والظّلام، وبين مقاصد ورغبات كثيرة في الخير وبين ذلك الضّعف الباعث على الخطيئة والذي يَغلِبنا مرارًا ويجرّنا إلى أعمال الشّرّ. وهو يعلَم أيضًا أنّ خبرتنا هي أنّنا لا نتلقى دائمًا الخير الذي نتوقعه، على الرّغم من الجهود السّخية العديدة التي نبذلها، بل نتعرّض أحيانًا للأذى بشكل غير مفهوم.
من المهمّ، إذن، أن نستقبل تحدّي يسوع هذا: "فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ الجُباةُ يَفعَلونَ ذلك؟" (متّى 5، 46). التحدّي الحقيقيّ، لكي نكون أبناء الآب ونبني عالمًا من الإخوة، هو أن نتعلّم أن نحبّ الجميع، حتّى العدو: "سَمِعتُم أَنَّه قِيل: أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم" (الآيات 43-44). في الواقع، هذا يعني أن نختار ألّا يكون لدينا أعداء، وألّا نرى في الآخر عقبة يجب أن نتجاوزها، بل أن نرى فيه أخًا وأختًا يجب أن نحبّه ونحبّها.
حسنٌ لكم أن تستمرّوا في تغذيّة التّسبيح لله فيكم، لكي تكونوا أكثر فأكثر، علامةَ وَحدةٍ لجميع المسيحيّين! استمرّوا أيضًا في العادة الجميلة، أي في وضع أماكن العبادة في خدمة الجماعات الأخرى، من أجل عبادة الرّبّ الواحد. في الواقع، ليس فقط هنا على الأرض، ولكن أيضًا في السّماء، هناك طريق واحد للتّسبيح يوحّدنا. إنّه طريق الشّهداء المسيحيّين الكثيرين من مختلف الطّوائف - كم من الأشخاص استُشهِدوا في هذه السّنوات الأخيرة في الشّرق الأوسط وفي العالم أجمع، كَم! الآن، هم يشكّلون سماءً واحدةً مرصّعة بالنّجوم، التي تُشير إلى الطّريق للذين يسيرون في صحاري التّاريخ: لدينا الهدف نفسه، ونحن كلّنا مدعوّون إلى ملء الشّركة مع الله.
أعتقد أنّنا بحاجة دائمًا إلى المزيد من اللقاءات، ولنتعرّف بعضنا على البعض، ولنَوَدَّ بعضُنا بعضًا، ولنقدِّم الواقع على الأفكار والناس على الآراء، والانفتاح على السّماء قبل المسافات على الأرض: لنقدِّم مستقبل الأخُوّة على ماضٍ من العداء، ولنتغلّب على الأحكام المسبقة وسوء الفهم في التاريخ، باسم مَن هو ينبوع السّلام….لنسترشد بقول الإمام علي: "النّاسُ صِنْفان، إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْن، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْق"
التّربية صديقة للتّنمية، شرط أن تكون تعليمًا يليق حقًّا بالإنسان، الكائن الديناميكيّ وذي العلاقات: إذن لا يكن التّعليم تزمّتًا ولونًا واحدًا منغلقًا، بل ليكن منفتحًا على التحدّيات وحسّاسًا للتّغيّرات الثقافيّة، وليس ذاتيّ المرجعيّة عازلًا، بل متنبّهًا لتاريخ وثقافة الآخرين، وليس جامدًا بل دائمًا في حالة بحث، لكي يشمل جوانب مختلفة وأساسيّة للإنسانيّة الواحدة التي ننتمي إليها. وهذا يسمح لنا، خصّوصًا، بأن ندخل إلى قلب المشاكل، دون أن ندَّعي أنّ لدينا الحلّ، ودون أن نحلّ المشاكل المعقّدة بالقول إنّها بسيطة، بل نكون مستعدين لمواجهة الأزمة دون أن نستسلم لمنطق الصّراع. منطق الصّراع يقودنا دائمًا إلى الدّمار. والأزمة تساعدنا على التّفكير وعلى النّضوج.
في الحرب يظهر أسوأ جوانب الإنسان: الأنانيّة والعنف والأكاذيب. نَعم، لأنّ الحرب، كلّ حرب، تمثّل أيضًا موت الحقيقة. لِنرفض منطق السّلاح ولْنقلب المسار، ونحوّل الإنفاق العسكري الضّخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرّعايّة الصّحيّة والتّعليم.