الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

إنذار على يد مواطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يكون الوطن محل استهداف من قوى ظلامية لم تبرح العصور الوسطى، ظلت قابعة في الظلام لعقود تخالها قرونًا، وعندما باغتها الضوء أغمضت عيونها فلم تر واقعًا فارق ذهنيتها المتحجرة.. عندما يكون الوطن محل اختطاف وتفكيك، عمدًا أو جهلاً أو تحالفاً مع مستهدفيه.. عندما يكون الوطن مهددًا بالتدمير على خلفية طائفية ممجوجة وباهتة.. عندها لا بد أن نواجه وابل القذائف التدميرية هذه بصدورنا وعقولنا، فمصر تستحق هذا وزيادة.
لم تعد الكلمات المرتبة والمترفقة كافية بعد أن صار جلدهم سميكًا، ودمهم باردًا، وعقلهم في إجازة. هل يكفي التنديد والشجب والاستنكار؟ هل يكفي التظاهر والاعتصام؟ ربما يكفيان كمدخل لتصعيد موضوعي وعبر القنوات المشروعة.. ننتظر قيامة أموات المؤسسات القادرة على القول الفصل على الأرض وفق واجباتها التي أقسمت على الالتزام بها.
في هذا السياق لا بد أن نقول لكل من يسعى لزعزعة أسس الوطن: قف؛ فلا وقت للتلاعب بمصير وطن، خاصة لمؤذن البرلمان، الذي خرج علينا بفحيح يلقي بسمومه في شرايين الوطن بقوله إن الكنيسة والأقباط يؤججان الفتنة الطائفية عبر مسيرات شبرا، في طريقها إلى التحرير الثاني، والتي كانت من الضخامة والروعة والحميمية المصرية ما يرد على ترهاته، لكنه كان الغريق الذي يبحث عما ينقذ سفينته من الغرق حتى لو غرق الوطن بجملته.
وماذا يضير خفافيش الظلام أن تزداد الخرائب والأطلال؟ فهذا موطنهم الأثير. ألم يدرك يومًا أن الكنيسة المصرية واجهت العالم كله في القرن الخامس من منطلق قومي لتحمي هويتها اللاهوتية على أرضية مصرية؟
ألم يقرأ يومًا أنها التي رفضت الحماية، رغم ما نالها من تنكيل من نظم وحكام ساموها العذاب ألوانًا، وواجهت عرض روسيا القيصرية بيقين أنها لا تقبل حماية إلا من الحي الذي لا يموت؟
ألم يقرأ محاضر جلسات دستور 23 عندما رفض الأقباط بحسم وحزم أن ينص في الدستور على حصة للأقباط في البرلمان أو الوظائف أو غيرها؟
ألم يسمع عن إبداعات الجنود الأقباط في ملحمة أكتوبر 73، لعله يبحث عن مهندس مواجهة معضلة السد الترابي واختراقه، والقائد الذي حرر مدينة القنطرة بعد ساعات قليلة من العبور، وقوائم الشهداء التي يحمل بعضها هرم النصب التذكاري للجندي المجهول أمام المنصة بمدينة نصر؟
هل أصيب بالصمم والبابا الراحل الأنبا شنودة يعلن في إباء وشمم أنه لن يذهب للقدس إلا في رفقة شركاء الوطن؟
هل دخل في زمرة من لهم آذان ولا يسمعون، وأعين ولا يبصرون؟ يبدو أن الأمر كذلك.. فهو لم ير الحراك الشبابي القبطي الأعزل بالعمرانية لمواجهة سلطة بكامل عتادها، وكانت إرهاصة من أهم إرهاصات 25 يناير، أو قل بروفة حية فاعلة، ورسالة دعمت الحراك المصري الذي أطاح بنظام مبارك، في حين كان النائب وقادته يدعمون ويواصلون بتفقه وجوبية إعادة انتخاب الرئيس السابق بل ويروجون للتوريث.
ولعله يقاوم حالة الزهايمر المصنوع، فيراجع فتاوى رفقائه التي جرمت وحرمت الخروج على الحاكم باعتباره خروجًا على الله جل جلاله، وعندما مالت الكفة لصالح الثورة قفزوا عليها واختطفوها، واستداروا ليقذفوا بشركاء الوطن الأقباط خارج المشهد، بل خارج أسوار الوطن، وفي تبجح لا يحسدون عليه يقولون: لم لا يقبل طرحهم أو أمرهم بأن لا سبيل أمامهم إلا الرحيل بعيدًا؟ كأن الوطن ملك خالص له ولجماعاته، وكأن الأقباط أسرى في حوزته أو جزء من غنائمه.
عندما تكون المواطنة محل استبعاد، والوطن تحت الحصار الطائفي والاختطاف؛ فلا بد أن نتحول من الكلام المرسل والجدل العقيم إلى الإنذار القانوني والوطني والمبدئي، في مواجهة الالتفاف على مطالب الثورة، وفي مواجهة السعي الحثيث لقوى الإظلام السياسي لتفتيت وتفكيك الوطن..
ويبقى الرهان قائمًا على الشارع والحراك الشعبي.. الذي لا يجب أن يعلو صوت على صوته، وحقوقه.. ووجوده.
ألا هل أنذرت؟!.. اللهم فاشهد.