داليا إبراهيم: البيع الإلكترونى لم يعوض خسائر إلغاء المعارض المحلية والدولية.. والنشر الشخصى يهدد الصناعة
أميمة جادو: القرصنة سلاح ذو حدين.. والكتاب الورقى مصيره المتحف
أسامة إبراهيم: صعب السيطرة على القرصنة وتطبيق القانون المعيار الأساسى
أحمد طوسون: الثورة الرقمية أسهمت فى تسويق الكتاب الورقى
أحمد سويلم: المناخ المتردى للنشر سبب الأزمة
منذ بداية أزمة كورونا، مرورًا بتقلبات الدولار، وأخيرا الحرب الروسية، جميعهم تسببوا فى انهيار دور النشر فى مصر، وأصبح كابوس الإفلاس يلاحقهم، فأخذوا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، إلا أن الأزمة تفاقمت مع ظهور الكتاب الإلكترونى والصوتى، فاتبعهما شبح القرصنة.
فهل الرقمنة أثرت على الكتاب الورقى؟ وهل يلقى الكتاب الورقى مصير الصحف الورقية؟ وهل يحتاج قطاع النشر إلى دعم من الدولة؟ وما هى التحديات التى تواجه دور النشر؟ وهل القرصنة تؤثر سلبًا على دور النشر؟ وماهى أزمة قانون حماية الملكية الفكرية؟.
جميع هذه الأسئلة أجاب عنها كتاب وناشرون وأصحاب دور نشر لـ«البوابة».
فى البداية، قالت الدكتورة داليا إبراهيم، رئيس مجلس إدارة دار نهضة مصر للنشر، إن جائحة كورونا كان لها تأثير كبير على قطاع النشر وإلحاق خسائر جسيمة بمبيعاتنا فى قطاع النشر الثقافى، مشيرةً إلى أنهم اتجهوا إلى البيع الإلكترونى على تطبيق نهضة مصر والذى حقق نجاحات ومبيعات لا بأس بها لكنها بالطبع لم تعوض الخسائر الناتجة عن إلغاء المعارض المحلية والدولية.
وأضافت رئيس مجلس إدارة دار نهضة مصر فى تصريح خاص لـ "البوابة"، أن الأزمة تفاقمت مرة أخرى بعد الحرب الروسية وأثرها السياسى والاقتصادى على العالم وارتفاع سعر الدولار مما أدى إلى زيادة التكاليف بصورة كبيرة للغاية ناهيك عن نقص الورق والمواد الخام وهو ما يهدد صناعتنا بشكل كبير.
الخسائر الناتجة من القرصنة
وأوضحت «إبراهيم» أن قطاع النشر يحتاج للدعم، فمن أجل التصدي للأزمة الاقتصادية الراهنة في ظل ارتفاع الأسعار، وتغير سعر الدولار نتطلع إلى منح الناشرين الإعفاءات الضريبية على مستلزمات الكتب، كما نحتاج إلى الدعم فيما يخص توفير وتفعيل الأُطر القانونية التي تحفظ حقوق الملكيات الفكرية من أجل التصدي لعمليات التزوير والقرصنة.
وتابعت: «كما نحتاج إلى تشجيع الشباب على القراءة لذا نطالب وزارات الثقافة العربية بالمشاركة في الحملات الإعلامية التي توضح أهمية القراءة».
وتطرقت إلى تأثير القرصنة على دخل دور النشر حيث تسببت قرصنة الكتب في إحداث خسائر كبيرة لدور النشر المكبلة بحقوق نشر تدفعها للكاتب، فضلًا عن تكاليف الطباعة والتوزيع، وفرق من المراجعين اللغويين ومصممي الأغلفة، كما تسببت أيضًا بشكل مباشر في تقليص إصدارات دور النشر العربية باهظة الثمن، وبالأخص تلك التي تضم ترجمات الآداب والكتب العالمية.
قانون حماية الملكية الفكرية
وفيما يخص حماية حقوق الملكية الفكرية، أكدت على أنه أمر ضروري لدعم قطاع النشر، حيث تسمح للمبدع ومالك العلامة التجارية وبراءة الاختراع وحق المؤلف بالاستفادة من عمله، وتعبه، واستثماره، ملفتة أن الأزمة ليست في القانون، الأزمة في إمكانية تطبيقه وأدوات تطبيقه ونوعية العقوبات، ففي حال اكتشاف كتب مزورة بيتم التحفظ عليها فقط من دون معرفة من وراء تلك الكتب ومن طبعها وزورها. كما أن البائع لا يتحمل أي عقوبة أو غرامة فقط مصادرتها وإعدامها، بينما لو تم توقيع غرامة عالية عليه فسيتعلم كيفية عدم الاتجار فيها.
وحول تأثير الثورة الرقمية على الكتاب الورقى، أوضحت أن التحول الرقمي أضاف الكثير من المميزات لقطاع النشر في الآونة الأخيرة خاصة قطاع النشر التعليمي، حيث جعل وصول الكتب إلى المتلقى أسرع بكثير، كما تعددت المنصات الإلكترونية المهتمة بنشر الأعمال الأدبية، والكتب الإلكترونية، كما اقتحم سوق النشر الإلكتروني فكرة الكتاب المسموع الذي يتيح للقارئ الاستماع للكتاب بدلًا من قراءته، رغم ذلك التحول الرقمي وانتشاره فإننا نجد أنه ما زال هناك شريحة كبيرة من القراء ما زالوا يهتمون بالكتاب الورقي المطبوع، ولا يستطيعون قراءة الكتاب بالشكل الإلكتروني لذا يمكن القول إن صناعة النشر تطورت بشكل كبير بدخول أنماط جديدة من النشر إلا أن النشر الورقي مازال هو المفضل بالنسبة للقارئ وخاصة القارئ الثقافي أكثر من التعليمي الذي تأثر بشكل ملحوظ بالتحول الرقمي خصوصًا بعد جائحة كورونا.
وأكملت: «على الرغم من وجود فرص كثيرة لنمو صناعة النشر من خلال التحول الرقمي، وزيادة الطلب على الكتب الإلكترونية، إلا أن هناك تهديدًا آخر على صناعة النشر ككل من ظهور ونمو مفهوم النشر الشخصى (Self-publishing) ولهذا على الناشرين الاستمرار في التأكد من تقديم محتوى عالي الجودة تمت مراجعته، واختياره بدقة، ومراجعة سياسات التسعير، والبحث باستمرار عن الكتُّاب الشباب الموهوبين، والاستثمار فيهم، وعدم التخلي عن منافذ بيع الكتب، والمكتبات وتعزيز وجودهم».
وفيما يتعلق بدعم وزارة الثقافة، قالت «إبراهيم» إن هناك بعض الدعم حيث حاز الناشرون المصريون على دعم وزارة الثقافة إثر تداعيات أزمة كورونا، وما نتج عنه من إلغاء معرضين رئيسيين للكتاب، وحصلت جمعية الناشرين المصريين على دعم مكتبات وزارة الثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة لتوجيه جزء كبير من الميزانية المخصصة لشراء الكتب إلى دعم أعضائها، ولكنها إجراءات لا تنطبق على الناشرين في القطاع الخاص فمثلًا يجب أن يكون هناك إعفاء من مصاريف الاشتراك في المعارض التي تنظمها الهيئة، وكذلك عمل معارض في كل محافظة كل شهر على مدار العام.
ومن جانبه قال أسامة إبراهيم، رئيس مجلس إدارة دار النخبة للنشر والتوزيع، إن القرصنة زادت من الصعوبات والتحديات التى تواجهها دور النشر، لأنها تتيح توزيع نسخ الكتب عبر الجروبات والصفحات مجانًا، مما تكبدنا خسائر مادية فادحة.
وأضاف رئيس مجلس إدارة دار النخبة للنشر، فى تصريح خاص لـ«البوابة»، أن القرصنة يصعُب السيطرة عليها، وما زال تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية هو المعيار الأساسى.
التأثير الإيجابى للثورة الرقمية
ومن جهة أخرى، يؤكد الروائى الكبير أحمد طوسون، أن الثورة الرقمية جاءت لصالح الكتاب الورقي، فالقراء يحبون اقتناء الكتب حتى لو قرأوها إلكترونيًا، بشكل شخصي حدث معي هذا الأمر كثيرا، قرأت أعمالًا إلكترونية وكنت حريصًا على اقتناء النسخ الورقية بعدها، حتى لو هناك تأثير سيكون بسيطًا، الأهم الثورة الرقمية ساهمت في الإعلان عن الكتب سواء من الكتاب على صفحاتهم الشخصية أو صفحات دور النشر، أو من خلال عروض الكتب من اليوتوبير، أو التيكتوكر، وصفحات التواصل الاجتماعي، وهو ما صنع رواجًا نسبيًا للكتاب عما قبل الثورة الرقمية حيث كان يعاني تسويق الكتاب من ضعف الإعلان عنه وقلة منافذ توزيع الكتاب، وبخاصة بعيدًا عن العاصمة في الأطراف، والأقاليم وجاء التسويق والبيع الإلكتروني ليتخطى هذه الموانع ويكون له التأثير الإيجابي لصالح انتشار، وتوزيع الكتاب الورقي.
وتابع: «أكبر تحد يواجه الناشر مع الأزمة الاقتصادية الراهنة الضغوط الاقتصادية التي تواجه الأسر المصرية في وقت ينظر الكثيرون إلى القراءة باعتبارها رفاهية، وعلى الجميع العمل على تغيير هذه الثقافة بالاهتمام بالقراءة منذ الصغر سواء في الأسرة، أو المدرسة، أو النوادي الرياضية، والاجتماعية، كما على الناشر أن يحترم حقوق المؤلفين والكتاب لأن للأسف الكتاب هم الطرف الأضعف، والمهضوم حقهم في منظومة النشر، وكثير من الناشرين لا يحترمون العقود المبرمة بينهم وبين الكتاب، كما أن على اتحاد الناشرين التصدي لظواهر ما نستطيع أن نطلق عليه (ناشري بير السلم) الذين يسيئون للصناعة، ومن الضروري أن تدعم الدولة النشر الخاص في مصر، وتكفل سبل ازدهاره بطرق مباشرة وغير مباشرة».
ومن جهة أخرى، أوضح الكاتب والشاعر أحمد سويلم، رئيس لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، أن دور النشر الخاصة الكبرى بعد أن كانت تحرص على مستوى ما تنشره، صارت تتلهف على هذه الكتب الأكثر مبيعًا، والفارغة من أي مضمون أو قيمة ثقافية، منتقدًا تغير الذوق العام، الذى انعكس على حركة النشر التي استجابت للمناخ العام المتردي.
وأكد «سويلم» لـ«البوابة» أن الرقمنة ليست هي السبب وراء أزمة النشر، ولكن المناخ العام الذي يحيط بعقولنا ونفوسنا دون وعي منا هو السبب الرئيسى، مضيفًا أن الكتاب الورقي سيبقى موضع ثقة القارئ أو الباحث في معلوماته الموثوقة، وترجمته لجهد الكاتب المخلص.
مصير الكتاب الورقى
ومن جانبها أشارت الدكتورة أميمة جادو، أستاذ وباحث أكاديمي متفرغ بالمركز القومى للبحوث التربوية، إلى أن مرحلة التكنولوجيا تفرض نفسها بقوة فى العالم، وعلى الرغم من أهمية الكتاب الورقى لأنها متعة لا يشعر بها إلا من اعتاد أن يقرأ من الكتاب، إلا أن الوضع المستقبلى للكتاب الإلكتروني، مشيرة إلى أن الكتاب الورقي مصيره فى يوم من الأيام «المتحف»، وذلك فى ضوء مؤشرات العولمة.
وأضافت «جادو» في تصريح خاص لـ«البوابة»، أن القرصنة سلاح ذو حدين، لأنه فى حالة تم تسريب المحتوى المنشور عن طريق الناشر نفسه بغرض الانتشار أو الدعاية، وذلك يحدث بعد نشر الكتاب الورقى للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، أما فى حالة تسريبه من داخل دار النشر وهو ما زال طبعة حديثة لا بد وأنه يؤثر تأثيرا ماديا كبيرا على الناشر.