هي أول مدرسة متخصصة في مصر أنشئت في العام 1922، لذا فمن المقرر أن تحتفي الأوساط الثقافية بمئوية تأسيس مدرسة "خليل أغا" للخطوط العربية.
في العام 1935، انتقلت تبعيتها لوزارة المعارف بعد أن كانت تابعة للأوقاف الملكية بأمر الإنشاء للملك فؤاد.
وقررت وزارة المعارف لها لائحة تصف هذه المدرسة بتحسين الخطوط العربية بأنواعها وما يتصل بها من فنون وإحياء ما اندثر منها ونشرها في الأقطار العربية.
اعتبرتها الوزارة إحدى مدارسها الخاصة الذي يتلقى فيها الدارسون فن الخط بالمجان، وأنواعه: «النسخ، والرقعة، والثلث العادي، والفارسي العادي، والديواني، والثلث الجلي، والفارسي الجلي، والرسم، والتذهيب، والخط الكوفي».
استطاعت المدرسة أن تعطي صورة مختلفة لتعليم الخط العربي والاحتفاء به، حتى أصبحت منارة فنية وثقافية يقصدها كل محب لهذا الفن الرفيع بمصر والوطن العربي؛ فتخرّج من عباءتها مئات الفنانين الذين كان لهم أثر كبير في شتى المجالات الحياتية والفنية، وشهدت مصر نهضة خطية كبيرة بفضل هذا البيت العريق.
ومع مرور الأعوام تحولت اللائحة القديمة لمدارس الخط العربي مؤخرًا إلى أخرى جديدة خاصة بمصروفات، ليتراجع عدد الدارسين بها بسبب ذلك، مما أدى لفقدان مصر لريادتها.
في السطور المقبلة نستعرض بعض المشاكل التي تواجه رواد الخط العربي، وروشتة علاجها، وأيضًا شهادات أحد شيوخها.
شيخ الخطاطين الجزائريين: لا تزال مصر قِبلة للوافدين طلبًا للعلوم والفنون
قال الدكتور محمد بن سعيد شريفي، شيخ الخطاطين الجزائريين وأحد خريجي مدرسة خليل أغا لتحسين الخطوط العربية: «لا تزال مصر قبلة للوافدين طلبًا للعلوم والفنون، ولقد شاءت الأقدار بأن أكون أحدهم، وفي 19 يناير 1958، اتَّجهتُ رفقة أحد الزملاء لمدرسة تحسين الخطوط العربية، واستقبلني الأستاذ محمد علي المكاوي، الذي وافق على طلب الالتحاق بالمدرسة، والتزام الحضور في أول العام الدراسي كطالب حر، فتعلمت على أيدى كبار الأساتذة منهم: محمد رضوان، وسيد إبراهيم، ومحمد علي المكاوي، ولأول مرة التقى هؤلاء الخطاطين وأقتني أدواتهم».
وتابع: «وفي إحدى المرات جلست أمام الأستاذ رضوان، الذي لاحظ كتابتي باليسرى»، معلقًا: «يا ابني وُضع الخط باليمين ولليمين وعلى الفور تم نقل القلم لليد اليمنى، لكن لاحقتني أخطاء الإمداد من المحبرة، حتى واصلت التمارين في البيت بعد ذلك على الورق والسبورة بالساعات، وشاركت في مسابقة الالتحاق بالمدرسة ونجحت وانتظمت في السنة الأولى حاضرًا في كل الدروس، وذلك بواقع ساعتين كل يوم لمدة أربعة أيام في الأسبوع، وبعد حصص السنة الأولى أتوجّه لفصول الدبلوم والتخصص لأشاهد خطوطها على السبورة، وكنت من أواخر المغادرين لهذه الفصول».
وواصل: «كنت طالبًا منتظمًا في كلية الفنون الجميلة بالزمالك صباحًا، ومساءً بمدرسة تحسين الخطوط وبعدها يومان لدراسة اللغة الإيطالية بمعهد دانتي اليغياري، شرطًا من الكلية الإلمام بلغتين أجنبيتين غير العربية وهي لغة التدريس، وكان أستاذ الخط بالكلية محمد علي المكاوي، فجمعتنا علاقة صداقة وطيدة، وفي شهر رمضان ننتقل سويًا من الكلية للمدرسة، وزيارته بمصلحة المساحة أيضًا، وتتلمذت على يد الأستاذ سيد إبراهيم، وكان يُثني على بطولة الجزائريين في تحرير وطنهم، وبعد تعليم أعمالنا يشجعنا بقوله همّتك، فكان دائم النصيحة».
وأضاف «شريفي»، أنه عندما شرعت وزارة التربية لإقامة معرض للتعليم حضر لتصويره، ودعاه أستاذه دون زملائه للظهور بجانبه، حتى اقترح «شريفي» تسمية إحدى المسابقات باسمه في «أرسيكا» وكانت الخامسة عام 2002، وعندما توفى أستاذه رثاه «شريفي» بكلمة نُشرت في جريدة الشروق الجزائرية عدد 45 لعام 1994، وفي كتابه «سيد إبراهيم» صفحة 20، موضحًا أنه من بين الأساتذة أيضًا محمد عبدالقادر، حتى تمضي السنون لتجمعهما لجنة تحكيم المسابقة الدولية باسطنبول مرتين، وتوافقا معًا في تقييم أعمال المتسابقين، واصطحبه «عبدالقادر» لمكتبة السليمانية باسطنبول، فكان له صلة بمديرها، وأطلعه على بعض كنوزها مثل مصاحف حمد الله الأماسي.
وأوضح أنه في السنة الرابعة تعلم خط «الرقعة» على يد الأستاذ إبراهيم صالح، والخط الفارسي للأستاذ محمد عبدالقوي، والخط الثلث للأستاذ محمود الشحات، وأيضًا محمد عبدالعال في السنة الأولى، والرسم على يد حسن علي المكاوي، و محمد بهجت مصمم العملة وطوابع البريد، والزخرفة للأستاذ صلاح العقاد، وعند زيارة «شريفي» لمصر مرة أخرى بعد التخرج توجه لأستاذه سيد إبراهيم لعرض حزمة من الإشكالات التي تُواجهه لحلها.
وأكد «شريفي»، أنه نال الرتبة الثانية في دبلوم الخط، والأولى في خطين الثلث العادي، والرقعة كما هو مذكور في كتاب «عيد العلم» الثامن عام 1962 صفحة 299، وتسلّم عنهما مكافأتين، وكتاب «عيد العلم»، وأيضًا الرتبة الثانية في شهادة التخصص والتذهيب، والأولى في خط الثلث الجلي، والزخرفة عام 1971، ولم يتسلّم المكافأتين والكتاب كالمرة الأولى، وذلك لانقطاعه عن مصر، فشكر الله الذي أرشده إليها، وامتنانه لأساتذته الأجلاء، تقديرًا لأرض الكنانة وأهلها التي استضافته 5 سنوات و10 أشهر و5 أيام متواصله فائزًا ومكرمًا.
صلاح عبدالخالق: 240 مدرسة تعانى الإهمال بعد تعديل اللائحة القديمة.. وأجر الحصة بـ 5 جنيهات
أناشد المسئولين سرعة إنقاذ مدارس الخط العربى ورفع أجر الحصة لـ20 جنيهًا أُسْوةً بالمُعلم العادى.. عمل سُبورات عادية لتعليم الخط بأسلوبه الصحيح.. وعودة حصة الخط فى التعليم الأساسى
قال الفنان صلاح عبدالخالق، أستاذ متخصص في الخط الكوفي: «تُعاني 240 مدرسة لتعليم الخط العربي على مستوى الجمهورية والتابعة لوزارة التربية والتعليم الإهمال بعد تعديل لائحتها القديمة بأخرى جديدة لتصبح مدارس خاصة بمصروفات بعد ما كانت مجانية منذ بداية إنشائها عام ١٩٢٢م حتى تغيير اللائحة القديمة وهذا أدى إلى تراجع عدد الطلاب المتقدمين لهذه المدارس مما أدى لفقدان مصر لريادتها بعد تراجع عدد الدارسين، الذي وصل إلى ما يقرب من 60% على الأقل».
وأضاف «عبدالخالق»، أن هناك العديد من المشكلات المستمرة، التى تزيد سنويًا بسبب إهمال وزارة التربية والتعليم أهمها: ربط أجر المُدرسين والمُشرفين والعمال بهذه المدارس بالمصروفات المدفوعة من الطلاب وهذا شىء مؤسف للغاية؛ وأجر تصحيح ورقة الامتحان في عام ٢٠٢٢ المادة الأدبية بـ٢٠ قرشًا؛ أما أجر حصة مُعلم الخط العربي في هذه المدارس عام ٢٠٢٢، ٥ جنيهات رغم ارتفاع الأسعار الجنوني في كل شىء؛ وأجر مدير المدرسة في الشهر في الفترة المسائية ١٢٠جنيهًا بعد الخصم ١١٢جنيهًا؛ وأجر المشرف الإداري في الشهر لهذه المدارس ٧٥ جنيهًا بعد الخصم ٦٧ جنيهًا؛ وأجر عامل المدرسة في الشهر ٤٠ جنيهًا بعد الخصم ٣٥ جنيهًا؛ وأجر تصحيح ورقة الامتحان في عام ٢٠٢٢ المادة العملية بـ٣٥ قرشًا، إضافة لتغيير السبورات بالفصول إلى أخرى ذكية، وشاشات كمبيوتر، وهذا لا يناسب تعليم الخط العربي الأصيل.
وأكد أنه رغم هذه الأجور الهزيلة، فمُعلمو الخط العربي مستمرون لحبهم للخط والحفاظ على استمرارية هذه المدارس رغم أن أجر الحصة بمدارس التعليم الأساسي ارتفع بتعليمات من وزير التربية والتعليم د. رضا حجازي لـ20 جنيهًا للحصة، وما زالت حصة مدرس الخط بـ5 جنيهات فقط!.
وأوضح «عبدالخالق»، أن مدارس الخط العربى عندما أنشأها الملك فؤاد الأول عام ١٩٢٢م، أي قبل مائة عام كانت تتبع القصر الملكى مباشرة لأهميتها، لأنه خط القرآن الكريم ومازال حتى الآن لم ينجح الكمبيوتر رغم التحديثات اليومية للبرامج الحاسوبية في كتابة القرآن ومازال يكتب بيد الخطاط ومنهم مصريون غزوا العالم بكتابة القرآن الكريم فى الكثير من دول العالم، فخطاطو مصر تفوقوا على كل دول العالم وعلى سبيل المثال من الخطاطين الذين تميزوا في كتابة القرآن الكريم: «مصطفى عمري، ومحمد حسن عطا، ومحمد جابر، وأحمد فارس، وأحمد فهد، وعبده الجمال، وجمال محمود، ووليد حسن» هؤلاء الخطاطون في عصرنا الحديث ومتصدري المراكز الأولى في معظم المسابقات العالمية.
ومن المؤسف أيضًا إلغاء حصة الخط بمدارس التعليم الأساسى الابتدائى والإعدادى ولا توجد هناك كراسة للخط العربي، ولا مدرس للخط أيضًا، وتم انتساب تعليم الخط لمُعلم اللغة العربية وفاقد الشىء لا يعطيه.
وناشد «عبدالخالق» المسئولين سرعة إنقاذ هذه المدارس، مطالبًا عدم ربط الأجور بالمصروفات وتعود ميزانية مدارس الخط كما كانت من قبل؛ ورفع أجر الحصة لمُعلم الخط العربي لتتساوي مع المُعلم العادي إلى 20 جنيهًا؛ ورفع أجر وضع أسئلة الامتحان وأجر تصحيح ورقة الإجابة بما يتساوي بمُعلمي الوزارة، إلى جانب رفع مكافأة مدير المدرسة والمشرف الإدارى والعمال بما يتناسب مع عام ٢٠٢٢؛ كما أطالب بعمل سبورات عادية لكيفية تعليم الخط العربي بالأسلوب الصحيح كما كانت من قبل.
أكاديميون: «خليل أغا» لعبت دورًا مهمًا تجاه الخط العربى داخل المخيلة والثقافة المصرية والعربية
أحمد فهد: تظل منارة الفن الرفيع بالوطن العربى
قال الفنان أحمد فهد، إن مدرسة خليل أغا لتحسين الخطوط العربية تُعد الأم في مصر والعالم العربي، والمنارة التي قصد إليها كل محب لهذا الفن الرفيع، وظلت على هذا العطاء حتى قدمت لهذا الوطن أعظم الخطاطين الذين لعبوا دورًا كبيرًا في شتى المجالات الحياتية والفنية، وبفضلها شهدت مصر نهضة كبيرة.
وليد على: المدرسة تُعانى سلبيات عدة وعلى الدولة الاهتمام بها
قال الفنان وليد علي، إن المدرسة ضمت مجموعة كبيرة من أفضل أساتذة الخط العربي منهم: «محمد رضوان، وسيد إبراهيم، ومحمد حسني، ومحمد عبدالقادر، والراحل حسن الخولي، وأوسي الأنصاري، وسعد غزال، وعبدالله عثمان، وعصام عبدالفتاح، ومحمد منير الرباط، وأحمد فهد، وصلاح عبدالخالق» وغيرهم، ولقد شرفت بالتدريس بها منذ عام 2005 حتى الآن، ونال الكثير منهم العديد من الجوائز والتكريمات داخل مصر وخارجها.
وأضاف «علي»، أن المدرسة تضم لوحة نادرة من الآثار الخطية للخطاط التركي عبدالله الزهدي، كاتب الحرمين الشريفين، ومسجد الرفاعي، وسبيل أم عباس بمصر، مؤكدًا أنها تشهد العديد من السلبيات في الوقت الراهن منها: «عدم جاهزية قاعات التدريس، وكذلك الديسكات، والإنارة، والتهوية» وغيرها، مما يجعل الدارسين لا يرونها مكانًا مناسبًا لدراسة الخط العربي الآن، لذا يجب على الدولة الالتفات والاهتمام بها.
محمد حسن: نسعى لتأسيس أقسام للخط العربى داخل الجامعات تأكيدًا للدور المصرى الرائد فى هذا المجال
قال الدكتور محمد حسن إسماعيل، الباحث وأحد قيادات مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية، إن مدرسة تحسين الخطوط الملكية "خليل أغا" أنشأها الملك فؤاد في سبتمبر سنة 1922م، هي واحدة من الصور الهامة للتدليل على مفهوم المدرسة الخطية وعناصر دراستها، وعلى الرغم من أن روادها في أول نشأتها قليلين، إلا أنها أخذت تنمو رويدًا رويدًا، حتى صارت بفضل مكانة مصر في الطباعة والنشر وقبلة للثقافة العربية ثابتة الأركان كثيرة الرواد والطلاب، يتعلم الطلاب فيها حتى اليوم فنون الخط العربي من الثلث والنسخ والرقعة والديواني والفارسي والكوفي، وما يتصل بهذه الفنون من الرسم الفني والزخرفي بجانب التذهيب، وأستجاب لهذه المدرسة النافعة بمصر مجبي الفنون الإسلامية والخط العربي من بالعراق والشام وفلسطين والسودان وبلاد الحجاز واليمن وطرابلس الغرب، وبلاد الهند الشرقية من جاوى وسومطرى، فلم يقف دورها عند مصر وفقط بل تعداه ليكون دورًا إقليميًا رائدًا.
وأضاف حسن، أن الشيخ عبدالعزيز الرفاعي من أهم مؤسسيها وأول مدرسيها، وانتظم بتلك المدرسة مئات الطلاب، وقد تخرجت أول دفعة في المدرسة سنة 1925م، وكان لهذه المدرسة الفضل في تخريج رواد فن الخط العربي في مصر في القرن العشرين، ويعزى لعهد الملك فؤاد الأول الفضل، بل وله شخصيًا، في نشوء عدد من المؤسسات الثقافية التي أكسبت مصر قصب السبق في الثقافة في المنطقة العربية، صحيح أن دور الريادة الثقافية في المنطقة كان لها من قبل من خلال جامعة الأزهر العتيدة، ولكن بعد أن تغير الطابع الديني كان مطلوبًا إقامة مؤسسة حديثة تقوم بهذا الدور، فظهرت الجامعة المصرية عام 1908م ، وصحيح أن مصر ظلت مركزًا للثقافة العربية والإسلامية، غير أنه بعد اختلاط العالم العربي على نحو واسع بالثقافات الأوروبية، وتأثره بها، تطلب الأمر مؤسسة خاصة للحفاظ على مقومات لغة القرآن، ومَثل إعلان مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية ، وإلغاء الخلافة الإسلامية في 3 مارس 1924م، وإصدار قانون توحيد التعليم، وقامت الدولة بإغلاق المدارس الدينية ووكالة الأوقاف الشرعية في التاريخ نفسه، وفي سنة 1925م، منع أتباع كمال الطرق الصوفية، وأغلقوا التكايا والزوايا، ومنعوا الزي الديني والوطني، وألزموا موظفي الدولة بلبس القبعة، وتوالى فرض القوانين المخالفة للدين حتى قبل الإعلان الرسمي للعلمانية، حيث شكلت لجنة من رجال القانون لتتريك القانون المدني السويسري وأخرى لشرحه، وألغى العمل بالشريعة الإسلامية حتى في الأحوال الشخصية، و تم استبدال التقويم الميلادي بالتقويم الهجري.
وتابع: كانت مدرسة تحسين الخطوط الملكية منذ نشأتها إلى ما قبل سبتمبر سنة 1935 تابعة لإدارة التعليم بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية، ثم ضُمت لوزارة المعارف من ذلك التاريخ فشملتها بعناية كبيرة، ووجهت إليها دعاية مشكورة فمضت قدماً في تأدية رسالتها وتحقيق الأغراض السامية التي أنشئت من أجلها، وهي التي لخصتها الوزارة في المادة الأولى من لائحة المدرسة المعدلة لسنة 1943 بأنها "تحسين الخطوط العربية بأنواعها، وما يتصل بذلك من الفنون وإحياء ما اندثر منها، ونشرها في الأقطار العربية وإعداد أشخاص ممتازين فيها". وقد اعتبرتها الوزارة إحدى مدارسها الخصوصية يتلقى فيها الطلبة الفن بالمجان، وتصرف لهم الأدوات بدون مقابل، ويكشف طبياً على راغبي اللحاق بها. ويدرس في قسم الخطوط أنواع الخط النسخ والرقعة والثلث العادي، والفارسي العادي والديواني والثلث الجلي والفارسي الجلي، والرسم، ويدرس بقسم التخصص والتذهيب الخط "وهو الذي يختاره الطالب"، والتذهيب، والرسم، والخط الكوفي.
وواصل: عمل بالمدرسة نخبة كبيرة من الأساتذة والفنانين المشهود لهم بالتفوق في الخطوط العربية والتمكن من دقائقها وهو فريق من الخطاطين القدامي الممتازين، وفريق من نابغي المتخرجين في المدرسة ويجمع محيط الطلبة بالمدرسة طبقات مختلفة، فبعضهم يحمل شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، وبعضهم شهادة الدراسة الثانوية للمدارس والأزهر، ومنهم من يحمل كفاءة المعلمين الأولية، وشهادات مدارس الصناعات والفنون التطبيقية، والتجارة المتوسطة ومنهم من لم يحصل على مؤهلات فنية، ومعظم هؤلاء وهؤلاء من الموظفين والعمال والطلبة.
تخرج في هذه المدرسة كثير من المصريين وغيرهم من أهل الأقطار الإسلامية الأخرى، كما تخرج فيها بعض الحاصلين على أجازة التدريس من دار العلوم. وعمل خريجو المدرسة في كثير من المصالح والوزارات، وخاصة المساحة والري والتنظيم بصفتهم خطاطين ورسامين، كما يشتغل بعضهم بالتدريس وبأقسام الإعلانات في الجرائد والمجلات، وغير ذلك من الأعمال الحرة المتصلة بالخط العربي وقد عينت وزارة المعارف وقتئذًا فريقًا منهم مدرسين في التعليم الابتدائي. ويمكن تحديد مساحة الإسهام الكبير لمدرسة تحسين الخطوط الملكية في خمسة مسارات أساسية، هي: "نساخة القرآن الكريم، وصورة تعليم الخط العربي، والهوية البصرية للخط العربي وذائقته، والتجديد في شخصية الخط العربي، والمحافظة على الخطوط التراثية القديمة".
وأشار حسن إلى ان نساخة القرآن الكريم تمثل واحدة من أهم الموضوعات التي أهتم بها خريجي المدرسة، بداية من الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي، والشيخ علي بدوي، ومحمد عبد الرحمن، وعبد المتعال إبراهيم، ومحمد سعد الحداد، وسيد عبد القادر "الحاج زايد"، والذي استطاع كلاً منهما أن يحقق بصمة واضحة في تاريخ نساخة المصحف الشريف في مصر، ومن مصر إلى العالم أجمع.
كذلك استطاعت المدرسة أن تعطي صورة مختلفة لتعليم الخط العربي والاحتفاء به، بداية من تجاوز مفهوم "المشق" التقليدي، إلى إخراج الكراسات التعليمية لطلاب المدارس الإبتدائية المختلفة، أو كراسة تدريب المعلمين، والتي صاغت مفهوم تربوي مهم للغاية وهو كيفية القيام بتدريس منهج للخط العربي، بل وكيفية تقسيمه تربويًا ولفئات مختلفة ومتعددة.
كذلك أبدع أغلب طلاب وأساتذة المدرسة في عمل لوحات فنية مختلفة، كانت هي المثال الأكثر وضوحًا للهوية البصرية للطبقة الوسطى المصرية، والأكثر قربًا منها ومن طبيعتها، وهناك طريقتين للاستفادة من الحرف العربي، الأولى يكون الحرف فيها عنصراً تشكيلياً أساسياً في اللوحة، والثانية لا علاقة للحرف بمضمون اللوحة، إنما يكون الحرف فيها عنصراً تشكيليا فحسب. ففي المجال الأول نجد ميلاً لدى كثير من الفنانين إلى استخدام الكتابة العربية شكلاً ومضموناً بحيث تتكون اللوحة من جملة أو كلمة تكتب بالطريقة التقليدية للخط العربي، أو بطريقة فنية لا تلتزم بقواعد الخط العربي، بل إن بعضهم استخدم الكلمات للتعبير عن مضمون اللوحة بأشكال فنية غير ملتزمين بقوانين وقواعد الخط العربي.
وأوضح أن المدرسة عملت بشكل مباشر وغير مباشر على تجديد شخصية الحرف، ويمكن أن نأخذ أفيشات السينما والاستخدامات المختلفة للخطوط العربية عليها مثالاً على التجديد في شخصية الخط العربي، مع الجرائد اليومية التي كانت تكتب بالخط الرقعة، وجرى تكييف كثير على القواعد الفنية للخط لتتناسب مع طبيعة شخصية الخط والاحترام الواجب له؛ فإن التجديد لا يعني التفريط في التراث الفني والتقليدي، ويتضح مفهوم الأصالة في الفكر العربي من خلال المحافظة على تلك التقاليد المتجذرة في عمق السلوك والفكر والقيم مما يجعلها عاملاً موروثاً ومورثاً في آن واحد أي أنه ممتدًا من الماضي إلى المستقبل ومروراً بالحاضر
وهذا ما يؤكده حفاظ الخط العربي على تقاليده الفنية في قواعده وأصوله وجمالياته، فدور يوسف أحمد كواحد من أهم رواد وأساتذة مدرسة تحسين الخطوط الملكية يمثل حجر الزاوية لإعادة الحياة للخط الكوفي بعد رقدته لأكثر من ستة قرون كاملة، كذلك النماذج المتعددة التي خلفها محمد علي المكاوي بالخط الإجازة، ودور مصطفى غزلان في الخط الديواني تحكي كلها عن فصل أخر هام من فصول الاهتمام التي حققته مدرسة تحسين الخطوط الملكية كرائدة إقليمية مميزة في صياغة تعليم وفن وتذوق الخط العربي.
وأكد حسن، دور مدرسة تحسين الخطوط الملكية تجاه الخط العربي بحد ذاته كان مفارقة تاريخية وحضارية، وكشفًا هامًا لحقيقة ووجود الخط العربي داخل المخيلة والثقافة المصرية بصفة خاصة والمخيلة العربية بصفة عامة، وسرعان ما أشادت تلك المدرسة الوليدة فنًا راقيًا قائم على التعددية والتنوع، ذلك الفن الإنساني العظيم، الذي لم ينفرد بنفسه وبفلسفته ليكون وسيلة تعبير ذهنية وفقط بل تخطاها عبر نساخة القرآن الكريم، وفنون الكتاب العربي الإسلامي، والعديد من التطبيقات العملية اليومية على صفحات الصحف والجرائد، وظلت أشكاله الفنية المتنوعة غنية بطاقاتها الفنية والتجريدية إلى الحد الذي عبرت باستمرار عن المعطي الروحي الصرف للحضارة العربية الإسلامية، وذلك باستمرار ظهورها كلوحات حائطية على جدران المسجد. ودورنا اليوم هو العمل على فهم حاضر ومستقبل الخط العربي، والعمل على تأسيس أقسام للخط العربي داخل الجامعات المصرية تأكيدًا للدور المصري الرائد في هذا المجال.
عبدالله عثمان: "خليل آغا" منارة في فن الخط العربي
قال الشاعر والفنان التشكيلي عبدالله عثمان، إن مدرسة تحسين الخطوط العربية "خليل آغا" تقف شامخة بين مدارس الخط العربي، فهي بحق عروس المدارس، ومادمنا وصفناها بـ"العروس" فلا بد من ذكر عريسها الشيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي، وموعد العرس كان منذ مئة عام، وتحديدًا في سنة 1922.
وتابع في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن القصة تبدأ باستقدام الملك فؤاد الأول الخطاط التركي الشهير الشيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي ليكتب له مصحفًا شريفًا، وعندما فرغ الشيخ من كتابة المصحف عرض عليه الملك البقاء في مصر علىٰ أن ينشئ مدرسة للخط العربي يقوم الشيخ بالتدريس فيها، وكان من بين طلاب الدفعة الأولى التي تخرجت في هذه المدرسة سنة ١٩٢٦ الخطاط المصري محمد عليّ المَكاوي، الذي وصف بأنه التلميذ البكر للشيخ عزيز، وقد كتب الشيخ له شهادة التخرج بخطه، وقام بزخرفتها بنفسه، كحالة مع باقي طلبة الدفعة الذين كان عددهم وقتذاك لا يجاوز عدد أصابع اليدين.
وواصل: وقد انضم للتدريس بالمدرسة على تتابع الأيام وتوالي الأعوام مشاهير الخطاطين المصريين في القرن العشرين مثل مصطفىٰ بك غزلان، والشيخ علي بدوي رضوان، ومحمد إبراهيم الأفندي، ومحمد رضوان علي، ومحمد غريب العربي، وسيد عبدالقوي، وسيد إبراهيم، ومحمد حسني البابا السوري الأصل، ومحمد علي المَكاوي، ومحمود الشحات، ومحمد أحمد عبدالعال، وعبدالرزاق سالم، ومحمد عبدالقادر عبدالله، ومحمد إبراهيم محمود، ومحمد حسن أبوالخير؛ وكانت لي مع بعض هؤلاء الأساتذة الأجلاء ذكريات جميلة ومواقف لا تنسىٰ، فقد حضرت متأخرًا إلى لجنة امتحان آخر العام ١٩٦٨ بالمدرسة ، ووجدت الأستاذ محمد حسني واقفًا علىٰ باب اللجنة، يومها سمح لي بالدخول، لكنه حذرني من تكرار ذلك التأخير قائلًا: "لو جيت بكره متأخر موش هدخَّلك الامتحان" في هذه الآونة كنت أمتحن أيضًا في كلية المعلمين بروكسي "كلية التربية حاليًا" وليس بين موعد انتهاء امتحاني في الكلية بروكسي وموعد بدء امتحان مدرسة الخطوط بباب الشعرية أي فارق زمني، لهذا حضرت في اليوم التالي متأخرًا رغم أنفي، ولسوء حظي لم أقابل الأستاذ حسني واقفًا علىٰ باب اللجنة، وأقول لسوء حظي لأنني عندما دخلت اللجنة وهمست في أذن زميلي الجالس على المقعد المجاور لي: أين الأستاذ حسني؟ نزل ردُّهُ عليَّ كالصاعقة: "حسني مات امبارح"
وتمنيت ساعتها لو أنه عاش ومنعني من دخول الامتحان .
وأما سيد إبراهيم فقد كان يصحح لي قصائدي كما كان يصحح لي خطي، ولا غروَ في ذلك، فهو عضو جماعة أبولو الشعرية التي أسسها الدكتور أحمد زكي أبوشادي سنة ١٩٣٢، وكنت في حصة الخط أقف خلف مقعد الأستاذ سيد إبراهيم لأرىٰ تصويباته وأسمع توجيهاته لجميع تلاميذ الفصل، فكنت بهذه الطريقة أحصل منه علىٰ كمٍّ كبير من المعلومات لا يحصل عليه طالب سواي.
وأضاف عثمان، أنه في السبعينيات عندما تناقص عدد المدرسين بالمدرسة سواء بالوفاة أم بالاعتزال، انضم إلىٰ هيئة التدريس بالمدرسة في العام الدراسي ١٩٧٨ / ١٩٧٩ بعد اجتيازي بنجاح امتحان مسابقة التدريس وكان ترتيبه الأول، وكان محمد عبدالقادر يقول له إنني أذكِّره بشبابه عندما دخل امتحان أول مسابقة تدريس تعقد بالمدرسة سنة ١٩٣٧ وتعادل هو ومحمد أحمد عبدالعال في مجموع الدرجات بعد أن تفوق عبدالعال بنصف درجة في خط النستعليق وعبدالقادر بنصف درجة في الخط الديواني، وقد طُلب حينذاك من الأستاذ مكاوي بصفته رئيس لجنة التصحيح أن يعيد النظر في درجاتهما لترجيح أحدهما على الآخر لحاجة المدرسة إلىٰ واحد فقط للتدريس بها، وهنا أعطانا الأستاذ مكاوي درسًا في الموضوعية، وقدم إلينا قدوة ومثلًا يُحتذىٰ في النزاهة والحيادية عندما امتنع قائلًا: "بعد ما عرفت أن دي ورقة عبدالعال ودي ورقة عبدالقادر ماقدرتش أعيد النظر في الورقتين مرة تانية"، نعم فقد تجنب مكاوي أن يحمله ميله إلىٰ أحد الشخصين على التأثير في حكمه علىٰ خطهما.
أما محمد أحمد عبدالعال كاتب أمشق المجموعة الحديثة فكان نِعمَ المدرس حيث يلقىٰ التلميذ بترحاب شديد، ويوجهه إلىٰ أخطائه في الكتابة بطريقة لطيفة هي أشبه بالإشادة والثناء منها إلى النقد والانتقاص، فكان يستقبلني كلما عرضت عليه خطوطي بعبارة: "تسلم إيدك يا سِيدِ الباشا" مُربِتًا كتفي بيده، وعندما أقول له: "إن الحرف كذا في كتابتي لم أستطع ضبطه"، أجده يلتمس لي العذر قائلًا: "عارف يابني عارف، القلم اتصدَّر في إيدك"، ولكن مجاملته إيَّايَ علىٰ هذا النحو لم تكن تمنعه من أن يبين لي جميع أخطائي بكل أمانة بعد ثنائه المجامل على ما كتبت.
وأوضح عثمان، أن اللافت للنظر في مدرسة خليل آغا أنها مدرسة عريقة طعنت في العمر وبلغت المئة عام، لكنها ما زالت شابة في قمة النشاط والحيوية، إنها تستقبل زوارها بمبناها الأثري الحافل بالفن المعماري الفريد، وبالزخارف الإسلامية الأصيلة، وعندما تدلف من بابها الرئيس تجد لوحتين رخاميتين ترحبان بمقدمك واحدة عن يمينك باسم "مدرسة خليل آغا الثانوية" بخط الراحل محمود الشحات، والأخرىٰ عن يسارك باسم "مدرسة تحسين الخطوط الملكية" بخط الراحل مصطفىٰ بك غزلان رئيس قلم التوقيع بالديوان الملكي، وتلاحظ استبدال كلمة العربية بالملكية بخط المرحوم محمد عبدالقادر، لوحتان رائعتان تمدَّان إليك أيديهما وتحتضنانك عند ولوجك من باب المدرسة.
وفي المكتبة بالطابق الثاني تبهرك اللوحات المعلقة على الحوائط وهي للشيخ عزيز الرفاعي، ومحمد إبراهيم الأفندي، ومحمد رضوان، ومحمد عبدالقادر، ولا تكاد تفيق من تأثير هذه اللوحات الباهرة، حتىٰ تجد نفسك وجهًا لوجه أمام اللوحة الرخامية التي في بدروم المدرسة والتي تحمل توقيع عبدالله الزهدي كاتب خطوط الحرمين الشريفين حيث تفتنك بحروفها وتسحرك بجمالها، فتغادر المدرسة منتشيًا ومكتشفًا في الوقت نفسه أنك لم تغادرها، إذ أنها ما تزال في داخلك، تداعب خيالك وتعطر ذاكرتك.
وأكد عثمان، عندما نذكر اسم مدرسة تحسين الخطوط العربية "خليل آغا" فنحن لسنا أمام مدرسة وحسب، إنما نحن أمام كنز من الفن الدفين تحت تراب السنين، وعلىٰ المسؤولين إزاحة الغبار عن هذه الجوهرة المكنونة والأيقونة المصونة، لأن الملاحظ أن أحوال المدرسة في الآونة الأخيرة قد تراجعت كثيرًا، وأصبحت في حاجة ماسة إلىٰ أن تمتد يد الاهتمام إليها بكل محتوياتها ومكوناتها من فصول، ومقاعد، وسُبورات، وإضاءة.. إلخ، مع رفع مكافآت المدرسين، وإلغاء الرسوم علىٰ الدارسين، فبمثل هذه الإجراءات الإصلاحية الجريئة تعود تلك المدرسة العريقة التي تحمل عبق التاريخ إلىٰ مجدها التليد، وإلىٰ تبوُّء مكانتها المرموقة اللائقة بها كمنارة مشعة في عالم الفن تجتذب إليها عشاق الخط من مشارق الأرض ومغاربها.
الخط العربى فى مصر جذور النهضة وتجليات الحاضر
قال الدكتور خالد عزب، أستاذ الآثار الإسلامية، ومدير مركز الخطوط فى مكتبة الإسكندرية، إنه في العام 2022 مر قرن علي إنشأ مدرسة تحسين الخطوط في مصر، هذه المدرسة الـتي أنشأها الملك فؤاد، وألحقت بمقر مدرسة خليل أغا، وتبعتها مدرسة ثانية في مدرسة الشيخ صالح أبوحديد، وكانت المدرسة ملحقة بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية وضمت لوزارة المعارف "التربية والتعليم لاحقا" حددت الوزارة الهدف من هذه المدارس كما يلي "تحسين الخطوط العربية بأنواعها، وما يتصل بها من الفنون وإحياء ما أندثر منها، ونشرها في الأقطار العربية وإعداد أشخاص ممتازين فيها" رمز أنشأ هذه المدرسة لجهود عبر سنوات بدأت منذ عصر محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي لبناء مدرسة مصرية عربية في الخط العربي، وعندما أنشأت كان الخط العربي في مصر وصل لذروته في الابداع والتجديد ، في وقت كانت تركيا تحارب الخط العربي رفعت مصر لواءه، وواكب هذا إعلان استقلال مصر وبالتالي كان الخط العربي الذي هو الفن المعبر عن اللغة الوطنية تعبيرا عن مرحلة الاستقلال .
وأضاف عزب، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن المدرسة المصرية بدأت باستدعاء خطاطين من إيران وتركيا، بهدف نشر الجديد في الخط العربي بمصر، فضلا عن تزيين المنشأت المعمارية بابدعات هؤلاء الخطاطين، ومن أبرز من جري استدعائهم لمصر الخطاط الإيراني ميرزا سنجلاخ الخراساني، وهو من أعظم الخطاطين الإيرانيين خلال العصر القاجاري، وأشهر الخطاطين في العالم الإسلامي، اسمه الأصلي محمد علي البجنوردي، لقب نفسه سنجلاخ وتعني بالفارسية "الصخرة" أشتهر بإبداعاته في خط التعليق والنستعليق، كان من بواكير ما قام به قاعدة الحروف العربية التي استخدمتها مطبعة بولاق في مطبوعاتها واشتهرت بها، وكتب خطوط ميضأة مسجد محمد علي، عاش في مصر اثنين وثلاثين عاما حيث غادرها في عام 1854، ومن أهم مؤلفاته "تذكرة الخطاطين" طبع في عام 1847.
وواصل: كان عبدالغفار بيضا خاروي ثاني خطاط إيراني جاء إلي مصر في عصر محمد علي ومن المرجح أنه قدم إليها قبل العام 1824، والتحق بالعمل في دواوين الحكومة المصرية، وأحيل للمعاش في عام 1862، تشير الوثائق إلي أنه كتب نصوص النياشين وقام بتذهيبها، وكتب عبدالغفار نصوص البردة في جامع محمد علي بالقلعة ونصوص البردة بجامع البوصيري في الإسكندرية فكانت من أروع ما خلفه لنا بخط النستعليق، استدعت مصر أيضا خطاطين من تركيا لكي تضفي نكهة أخري علي الخط العربي في مصر، ومن أبرز الخطاطين الأتراك الذين جاؤوا إلى مصر محمد أمين أزميري، دخل الخدمة في الحكومة المصرية في عام 1835، كتب عدة أيات قرأنية بالخط الثلث بمداخل مسجد محمد علي، كما كتب أسماء الخلفاء الراشدين داخل المسجد بالخط الثلث الجلي، ولأمين أزميري لوحات تشهد علي مقدرته المتفردة في الكتابات التشكيلية للجمل والصيغ المختلفة، مثل لوحة الأخلاص التي كتبها علي شكل دائرة، ثم كون من الحروف القائمة في السورة نجمة ثمانية تتوسط التكوين، وهناك لوحة أخري لسورة الإخلاص كتبها أمين أزميري تحمل الكثير من الأبعاد التكوينية، حيث تفرد في وضع الأية في أربعة اتجاهات أفقية ورأسية تشترك فيما بينها في الحروف القائمة الموجودة فيها، وهو أشبه بفكرة " الكتابات المتعاكسة " المعروفة لكن ببعد تشكيلي جديد ومميز ، وله لوحة أخري تتضمن دعاء باللغة التركية علي شكل دائرة تشترك فيها حروف البداية مع بعضها.
التغريب والإحياء
وأوضح عزب، أن فترة التغريب والإحياء في الخط العربي تمتد من عصر الخديو إسماعيل إلى عصر الخديو عباس حلمي الثاني، ألقت تبيعة مصر للدولة العثمانية ظلالها علي الدولة والمجتمع، فاللغة التركية كانت لغة لجزء لا بأس به من الطبقة الحاكمة في مصر، بالرغم من تعريب الخديو إسماعيل دواوين ومكاتبات الدولة التي أصبحت العربية إلا أن المكاتبات والمعاملات مع الدولة العثمانية ظلت بالتركية، مع ظهور النصوص الأجنبية خاصة الفرنسية على العمائر في تلك الحقبة كلغة موازية تعبر عن النفوذ الأجنبي وتغلغله في مصر مما أدي لظهور الفرنسية إلى جانب العربية في نصوص تأسيس المنشأت ومنها: نص البنك العثماني في الإسكندرية، كان للحضور التركي أثره في انتشار خطوط : الرقعة ، الديواني ، سياقت ، شهدت تلك الفترة إصدار أول " مشق مصري" لتعليم خط الرقعة لعبد الرزاق عوض بعنوان " الرفعة في تعليم الرقعة " طبع في فينا، كما تبلورت درسات تاريخ الخط العربي في تلك الحقبة ، ألف عبد الفتاح عبادة "انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والعالم الغربي".
كما برز عدد من الخطاطين في تلك المرحلة فمن هؤلاء: عبدالله زهدي: هو عبد الله زهدي أفندي بن عبد القادرأفندي النابلسي، وهو فلسطيني الأصل من سلالة الصحابي تميم الداري، هاجرت أسرته إلى تركيا حيث تعلم أصول وفنون الخط العربي بها، وشارك في مسابقة الخط العربي في المسجد النبوي تحت رعاية السلطان عبد المجيد الذي أشرف بنفسه علي مسابقة لاختيار أفضل خطاط لتنفيذ هذه اللوحات، سافر زهدي للمدينة المنورة ونفذ أروع نماذج الخط بالمسجد النبوي خلال سبع سنوات، وما زالت أعماله باقية إلى اليوم، غير أن وفاة السلطان عبدالمجيد وانقطاع راتبه المخصص له من السلطان، دفعه للهجرة إلى مصر، فاستقبله الخديو إسماعيل وأطلق عليه لقب "خطاط مصر الأول" وذلك سنة 1866، نفذ عبد الله زهدي خطوط راقية فنيا في العديد من المساجد والمدارس ودوائر الدولة، كما درس فن الخط العربي في المدرسة الخديوية ومدارس أخرى، فتخرج علي يديه عدد كبير من كبار الخطاطين في مصر شكلوا جيل الأباء المؤسسين لمدرسة الخط العربي في مصر المعاصرة، وكتب زهدي نسخة من المصحف الشريف لحسين باشا، كما كتب عدة نسخ من سورة الأنعام والمدائح النبوية، وتوفي خطاط المسجد النبوي الشريف كما أحب أن يلقب في عام 1887، ودفن قرب قبة الامام الشافعي في القاهرة، وما من مار بجوار سبيل أم عباس في القاهرة إلا ويذهله خطوط زهدي التي تزينه.
أما محمد مؤنس زاده: فهو محمد بن ابراهيم مؤنس، شيخ الخطاطين المصريين في زمنه، الذي أشتهر برسالته التعليمية "الميزان المألوف في وضع الكلمات والحروف" التي طبعت بأمر من علي باشا مبارك عام 1868، ووزعت علي طلاب المدارس، ولد في القاهرة تعلم الخط من والده إبراهيم أفندي مؤنس الذي كان خطاطا مجودا وأستاذا في هذا الفن، حتي تفوق فيه وأصبح شيخا للخطاطين، كتب محمد مؤنس زاده نسخة فريدة من مخطوط دلائل الخيرات سنة 1860، وكتب مع تلميذه محمد جعفر قبر والدة الخديو توفيق، الذي يمثل قمة الإبداع الخطي، ووقع مؤنس مع تلميذه بتوقيع في صيغة واحدة "كتبه مؤنس وجعفر"، برز من تلاميذ محمد مؤنس زاده عدد كبير من الخطاطين البارعين الذين جودوا الخط ودرسوه في المعاهد والمكاتب النظامية والمدارس، وفي مدرسة تحسين الخطوط التي تأسست عام 1922، كان معظم الأساتذة الذين اختيروا للتدريس فيها من تلامذته، ومن أبرز من تتلمذوا علي يديه: محمد إبراهيم الأفندي، وعلي بدوي، ومصطفي الغر، وعبدالفتاح خليفة، وأحمد عفيفي، وغيرهم ، لكن أبرزهم محمد جعفر الذي خط أساس حروف مطبعة بولاق، توفي محمد مؤنس زاده عام 1900.
والشيخ مصطفي صالح الغر: درس الخط في الأزهر الشريف، ولما طعن في السن اعتزل الخدمة، واعتكف بقية حياته في مسجد الظاهر بيبرس بالجمالية، أكتشف سيد إبراهيم الذي صار أبرز الخطاطين المصريين في القرن العشرين، كان سيد إبراهيم صبيا ينحت الخط على الرخام في القاهرة فمر على مكان عمله الشيخ مصطفي الغر الذي اندهش لمستواه فمنعه من نحت الخط علي الرخام ووجهه حتي صار من أبرز الخطاطين في مصر لموهبته الفطرية ثم لتعلمه لاحقا أصول الخط وقواعده، وللشيخ الغر ولدان محمد وحسين أجادا كافة فنون الخط العربي، ابنه محمد هو من كتب شاهد قبر محمد علي باشا بمسجده في القلعة، كما كتب دكة المبلغ بمسجد الرفاعي.
محمد جعفر: نبغ في الخط نبوغا غير مسبوق، كتب بخطه الثلث الجميل أغلب اللوحات التي تحمل أسماء شوارع القاهرة، وكتب بعض خطوط العملة الورقية والمعدنية المصرية، وكتب حروف النسخ لمطبعة بولاق "الأميرية" وتتلمذ سيد إبراهيم علي يديه عند تنفيذه كتابات مسجد السيدة زينب.
بينما محمد إبراهيم الأفندي: ولد من أبوين مصريين وكان جده تركي الأصل، وهو من تلاميذ محمد مؤنس زاده، كان خطاطا لمحافظة القاهرة، وعمل خطاطا في عددا من المدارس المصرية، وعمل مدرسا بمدرسة تحسين الخطوط عند تأسيسها، له إنتاج غزير غير أن معظمه مفقود للأسف، كما كتب أبجدية مبتكرة تعتمد على تغيير شكل الحرف الأول لحرف الرقعة، يعتقد أنها من تأثير الفترة التي طلب فيها الملك فؤاد ابتكار خط جديد وكان من نتاجها خط التاج.
مرحلة الإحياء والتجديد
أكد عزب، أنها تمثل هذه المرحلة ذروة المدرسة المصرية المعاصرة في فن الخط العربي، ويمثلها بقوة الخطاط العبقري يوسف أحمد الذي كان علامة فارقه، لكن التجديد فيها جاء علي يد مصطفي غزلان الذي طور شكل الخط الديواني، وانتشرت خطوطه حتي صارت علامة علي المدرسة المصرية، ثم يأتي الابداع في مصر علي يد محمد حسني وسيد إبراهيم وكلاهما موهوب بالفطرة.
ويعد يوسف أحمد، باعث الخط الكوفي في العصر الحديث، والأن يقوم الخطاط الفنان صلاح عبد الخالق باكمال المسيرة، حيث وضع مشق للخط الكوفي المملوكي بناه علي الخط الكوفي المملوكي في إيوان مدرسة السلطان حسن، ونعود إلى يوسف أفندي أحمد بن المعلم يوسف أحمد، الذي تعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرأن الكريم وأخذ مباديء الحساب، وكان والده نحاتا دقيقا في صنعته حتى أشتهر أمره في بناء المأذن والقباب وكان يصحبه ابنه يوسف الذي قام بمحاكاة الخطوط القديمة في المساجد، وشجعه والده على ذلك حتى أجاد الخط الكوفي وكافة أشكاله عبر نسخ أمثلته من البنايات الأثرية، وتوج ذلك بتعينه في لجنة حفظ الأثارالعربية عام 1891 لموهبته في الخط العربي وقدراته في تفريغ وقراءة الخطوط العربية القديمة.
ومن مأثره نص تجديد جامع عبد الغني الفخري على عضادتي المدخل فأحيا هذا التقليد الذي اندثر لعقود طويلة، ونص واجهة مسجد الأمام الشافعي وهو شريط كتابي بالخط الثلث، وتعددت نصوصه في ترميمات المساجد وأبرزها استكمال النصوص الناقصة بالجامع الأزهر، بدأ أسلوب وشخصية يوسف أحمد يتبلوران تدريجيا لنري نضجا في تنفيذه كتابات مسجد الحبشي في مدينة دمنهور التي استخدم فيها الخط الكوفي الفاطمي في الأبواب الرئيسية المؤديه إلي بيت الصلاة، والخط الثلث في الشبابيك، درس يوسف أحمد الخط الكوفي في مدرسة تحسين الخطوط كما درسه في جامعة القاهرة، وتخرج علي يديه مشاهير الخطاطين مثل: محمد عبدالقادر، ومحمد خليل وغيرهما، له ثلاث رسائل مطبوعه في الخط الكوفي والعديد من المؤلفات القيمة في الأثار الإسلامية، وظل عطاؤه متدفقا إلى أن مات سنة 1942.
أما مصطفي غزلان: ولد ببلدة الباجور بالمنوفية عام 1860 م تقريبا، أخذ خطي النسخ والثلث من الشيخ مصطفي الغر، وأخذ خط الرقعة عن الأستاذ محمود ناجي الموظف بالديوان العالي السلطاني في عهد السلطان حسين كامل، والتحق بالقصر الملكي في عهد السلطان حسين كامل، وبه تعلم الخط الديواني على الأستاذ حسين حسني أفندي، وأخذ الخط الريحاني عن محمود باشا شكري، الذي كان رئيسا للديوان العالي الملكي، وعين رئيسا لقلم التوقيع بالديوان الملكي، وأصبح خطاطا لملك مصر فؤاد الأول، عرف غزلان بك بإبداعاته حتى جدد وأضاف للخط الديواني فصار يعرف من وقتها بالديواني الغزلاني، وأخرج كراسات له من الحجم الكبير والصغير، تقاعد عن العمل عام 1920، ومن مأثره كتابات خط الثلث في قاعتي العرش بقصري عابدين بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية، كما زين قاعة المائدة في قصر عابدين بالأيات القرآنية، وكتب مونوجرام للمك فؤاد بالخط الديواني فأصبح الشارة الملكية والشعار الرسمي، فدرس الخط الديواني بمدرسة تحسين الخطوط، وأسند له كتابة خطوط كسوة الكعبة في سنة 1937، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الخطاطين، توفي في 13 فبراير 1938.
محمد حسني: ولد عام 1894 م بدمشق، والداه من أصول تركية وهو ينتسب لعائلة البابا، وهي أسرة عريقة ببلاد الشام لها أقدام راسخة في فنون الغناء والأنشاد وهو ما يفسر موهبة ابنتاه سعاد حسني ونجاة الصغيرة، كان محمد حسني موهوبا في الخط وهو ما اكتشفته أسرته مبكرا فدفعت به إلي الخطاط التركي يوسف أفندي رسا للقيام بتعليمه في أثناء قيامه بكتابة خطوط المسجد الأموي بدمشق، وتوفي والده وهو صغير فرحل إلي مصر عام 1912، ليكمل تعليمه للخط العربي على يد الشيخ الجمل، ليعمل في الكتابة للمطابع وابداع اللوحات الفنية، ودرس بمدرسة تحسين الخطوط الملكية، وعمل خبيرا للخطوط بالمحاكم، كما قام بتخطيط وزخرفة كسوة الكعبة في عام 1958، فبدأ مرحلة جديدة في حياته مع الخط العربي حيث خرج في إبداعاته عن الانماط الفنية المتعارف عليها، وبدأ حوارا بين الأحرف والكلمات في مساحة اللوحة وهو ما أدي إلي تراكيب مبتكرة، في عام 1964، أرسل بناءا علي طلب أكاديمية الفنون في كندا بعض أعماله الفنية، فأرسل أربع لوحات تمثل اتجاهه في التركيب الخطي بالخط الثلث، وقررت لجنة علمية رفيعة المستوي منحه درجة الدكتوراة الفخرية وكان عمره سبعين عاما، توفي محمد حسني في 3 يونية 1969.
وأشار الى ان مدرسة الخط العربي المصرية شهدت تجديدات متوالية كان من عمالقتها الفنان خضير البورسعيدي الذي يرأس الجمعية المصرية للخط العربي، وهو خطاط مجدد له ابداعاته وقد حول منزله في الجمالية لمتحف للخط العربي يزوره الزوار من كل أنحاء العالم حتى صار أحد معالم القاهرة، وهناك جيل شاب من الخطاطين الواعدين الذين يرسمون لنا الأن روحا جديدة في فن الخط العربي في مصر، ويعود الفضل في هذه الروح لمدرسة مداد للخط العربي لما فيها من نخبة من أساتذة الخط العربي ومدرسة مؤسسة الحلقة التي أسسها الخطاط المغربي المرموق بلعيد حميدي واستطاع من خلالها تكوين جيل جديد من الخطايطن من كل أنحاء العالم الإسلامي، وتعد مؤسسة القلم بالقلعة في القاهرة واحدة من المدارس الواعدة في الخط العربي وتشكل تيارا واعدا، حيث أن بها روح شابه دفاقه ومجددة وتتنوع جهودها في الخط العربي حتي لاقت تقديرا دوليا .