يعرف القريب والبعيد أن حالات التربص بالمختلفين في التربية والتعليم كثيرة ومتنوعة وما كان لهذه الحالات أن تتفاقم لولا غياب العقل المركزي القادر على توجيه المؤسسات التعليمية نحو المدنية والتقدم واحترام الحقوق وتقدير الكفاءات، والمختلف الذي أقصده في مقالي هذا هو الذي يمتلك قناعات مشروعة مغايرة عن السائد والمألوف.
والمختلف الذي أقصده أيضا ليس قاصرا على أعضاء هيئة التدريس من مدرسين وموجهين ونظار ولكن المختلف أيضا من بين التلاميذ والطلبة، بقليل من المجهود يمكن للمتابع أن يرصد مئات الشكاوى التي ترفض التنمر والتربص والتمييز لا لشيء إلا لكون الضحية مختلفا عن الآخرين وثقافتهم.
ولا أستطيع أن أقبل بالرد الكلاسيكي الذي يقول إن حالات التنمر هي حالات فردية لا يمكن تعميمها، أبدا الحقيقة هي أننا نعيش في مجتمع يغلي على السطح بسبب نيران التخلف التي ابتلينا بها من الدين الوهابي الذي جاء إلينا يرافقه مروحة توشيبا وجهاز كاسيت ليصرخ من خلاله مشايخ الفتنة عبر عقود أراها سوداء مرت على المجتمع المصري، وما زاد الطين بلة هو الصمت المؤسسي في بلادي لتموت القوانين واللوائح وينتصر العرف والكيل بألف مكيال.
هذه المقدمة الطويلة العريضة اكتبها حتى نقرأ معا مشهد مدرسة نشا الإعدادية بنات القريبة من نبروه بمحافظة الدقهلية، المشهد من الصعب أن يمر مرور الكرام… هذه دعشنة وأفغنة ولها ما بعدها، اللهم لا اعتراض على الإسدال كملبس ترتدية ربة المنزل في صلاتها وفي منزلها.. أما فصول العلم فلها بهجتها التي تضيء المكان ف يتسلل الضوء إلى العقل، أما التجارة في اللون الأسود فلا تنتظروا منها رجاء.
وهنا ينفتح الملف عن مزاجية مدير المدرسة في تحديد الزي المدرسي.. ليس من المعقول ترك الأمر هكذا.. اليوم بدأنا بالإسدال وغدا نصل إلى ما بعده وهو تغمية العينين كما أفغانستان، يا حضرة مدير المدرسة أعرف أن أولياء الأمور لم يشتكوا من الزي ولا الطالبات أنفسهن اعترضن عليه، ولكن كان من الأجدى أن يعترض ضميرك أنت على ما تصنعه في أرواح الأطفال.
وهنا نشير إلى أن صمت الوزارة لن يعفيها من المسؤولية بل هي متهمة مثل إدارة المدرسة تماما ولابد من تحمل الوزير المسؤولية كاملة.. هذه أجيال سوف تقود مصر في قادم الأيام.. ونحن - على بلاطة - نريدها مدنية حديثة.
وإذا قلنا للوزير ولمدير المدرسة أن قرية نشا حسب ما ذكرته موسوعة ويكيبيديا هي مهد الفنان النحات العالمي محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر وهي القرية التي نحت مختار تماثيله الأولى فيها حسبما ذكر الكاتب الصحفي سيد محمود، ليس هذا فقط بل ازيدك ان قرية نشا هي أيضا القرية التي ينتسب اليها وزير الثقافة الأسبق دكتور عماد ابو غازي فهل يخجل من اتخذ قرار الكفن الأسود لطالبات في عمر الزهور.
لا نريد تصادما بين التدين على الفطرة وبين مقومات الحرية والحداثة.. لا توجد خصومة بينهما ولكن فيما يبدو أن هناك من ينفخ في الرماد باحثا عن جمرة نار.
انظروا الى رد وكيل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بمحافظة الدقهلية، ناصر شعبان، والذي نشرته عدة مواقع اليكترونية حيث يقول "ارتداء طالبات إسدال داخل المدرسة كزي مدرسي ليس أمرًا غريبًا، ة الأمر ليس جديد على طالبات مدرسة نشا الإعدادية بنات بالدقهلية وان الطالبات يرتدين الإسدال كزي مدرسي منذ عام 2015".
هذا الرد المتواضع لا يتفق مع عمق أزمة فكرة البدايات الخاطئة في اختيار الزي، ولو هناك شكر في هذا المقال فلا نشكر إلا وسائل التواصل الاجتماعي التي تحرث الأرض بكل همة بهدف إصلاحها لتكون لائقة بمعنى الحياة.