تعتبر الانتخابات عامة أحد أهم مناحي دراسة النظم السياسية، ومدى قياس "دمقرطة" أي نظام سياسي من عدمه، فإلى جانب دراسة علاقات السلطة والنفوذ، وسبل اتخاذ القرار، ومتابعة حركة حقوق الإنسان في المجتمع، وآليات التعامل بين جميع المؤسسات السياسية في الدولة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وتعد الانتخابات أحد الوسائل المهمة في مجال التفاعل السياسي داخل النظم السياسية المختلفة، وأحدى مؤشرات عملية الدمقرطة والحكم الرشيد.
إن قواعد اللعبة الانتخابية بعد 30 يونيو سوف تكون مغايرة تمامًا، من حيث شروط الانتخابات، والإطار الدستورى والقانونى الناظم للعملية الانتخابية، والبيئة التنافسية الداخلية التي ستجرى فيها الانتخابات، والتي سوف تؤثر لا محالة في نمط وطرق تصويت المصريين، بالإضافة إلى جملة المعايير والشروط التي سيضعها الناخب في المرشحين المحتملتين أصحاب الفرص الأكبر للفوز بشرف اعتلاء قمة السلطة السياسية في مصر، سوف تكون بالتأكيد مختلفة عن أية انتخابات رئاسية جرت منذ العهد الناصري حتى الآن. وتتسم انتخابات الرئاسة لعام 2014 بأهمية خاصة، على أكثر من صعيد.
أولًا، تأتى في إطار بيئة دولية ضاغطة على الدولة المصرية؛ فهناك انقسام دولي حول الموقف من 30 يونيو ما بين مؤيد ومعارض، وبدء تصدع في التجمعات العربية خاصة الخليجية منها، وعودة دور روسي فاعل، ليس فقط في المنطقة ولكن على مستوى العالم، مما يؤشر على إعادة تشكيل ملامح النظام العالمي من أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب. وقيام الولايات المتحدة بإعادة رسم خريطة تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط عن طريق التقارب مع إيران.
ثانيًا: تأتى هذه الانتخابات في ظل بيئة داخلية مختلفة عن سابقتها، حيث تقوم مصر بحرب حقيقية ضد الإرهاب سقط – وما زال خلالها العديد من الشهداء من الجيش والشرطة والمواطنين الأبرياء، وانقسام بين القوى التي شاركت وساهمت في 30 يونيو حول الموقف من قانون الانتخابات، ووضع جماعة الإخوان وحماس على قوائم الإرهاب.. إلخ.
ثالثًا: حالة استقطاب حادة بين قوى 30 يونيو حول الموقف من ترشيح وزير الدفاع الحالى المشير عبد الفتاح السياسى بين نسبة كبيرة مؤيدة وقوى حزبية لديها بعض التخوفات من عودة سياسات النظام القديم.
رابعًا: ينظر المجتمع المصري إلى هذه الانتخابات على أنها ليست فقط جسر العبور نحو الاستقرار الأمني والسياسي، ولكن تحقيق التنمية والديمقراطية في ظل وجود مرشح قوي يستطيع القيام بالمهام الجسيمة التي تتطلبها المرحلة الراهنة.
والخلاصة، تأتى الانتخابات الرئاسية في ظل جملة من الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية غاية الصعوبة، ومن ثم فإن هذه المرحلة الخطرة من عمر الدولة المصرية تتطلب تكاتف المصريين جميعًا، وليس المرشحين فقط، من أجل الحفاظ على هيبة الدولة ومؤسساتها والمواطنين أيضًا، خاصة أن درجة ثقة جميع أطراف اللعبة السياسية لا يوجد لديها أية شكوك من حدوث تلاعب أو تزوير في العملية الانتخابية من جانب، وأن الشعب المصري الذي خرج في ثورتين لن يسمح هو الآخر بحدوث تزييف لرغبة وإرادته مرة ثانية.