تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد ميلاد السبعين للبابا تواضروس الثاني، تواضروس الثاني المعروف أيضًا البابا الأنبا تواضروس الثاني «4 نوفمبر 1952»، هو بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ118، وُلِد باسم وجيه صبحي باقي سليمان بالمنصورة لأسرة مكونة منه كأخ لشقيقتين، ووالده كان يعمل مهندس مساحة، وتنقلت الأسرة في المعيشة ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهور.
في 4 نوفمبر 2012، تم اختياره عن طريق القرعة الهيكلية ليكون بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقم 118.
التحق بجامعة الإسكندرية، بكلية الصيدلة، وحصل على البكالوريوس عام 1975، والتحق بالكلية الإكليركية وتخرج فيها عام 1983، وحصل على زمالة الصحة العالمية بإنجلترا عام 1985.
رهبنته
ذهب د.وجيه صبحي إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في 20 أغسطس 1986، وترهبن في 31 يوليو 1988 باسم الراهب ثيؤدور، وتمت رسامته قسًا في 23 ديسمبر 1989، انتقل للخدمة بمحافظة البحيرة في 15 فبراير 1990، ثم نال درجة الأسقفية في 15 يونيو 1997 باسم الأنبا تواضروس الأسقف العام لإيبارشية البحيرة مساعدًا لنيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية وأصبح مسئولا عن خدمة منطقة كنج مريوط والقطاع الصحرواي، وله العديد من العظات الروحية والكتابات.
تم ترشيحه ليكون خليفة البابا شنودة الثالث هو وأربعة آخرين هم الأنبا رافائيل، القمص رافائيل أفامينا، القمص باخوميوس السرياني، القمص سارافيم السرياني، فاز بمنصب البابا عن طريق القرعة الهيكلية ليصبح البابا تواضروس الثاني 118 يوم الأحد 4 نوفمبر 2012.
رؤيته لمستقبل الكنيسة
يقول الأنبا تواضروس: «يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر، وأن نجعل فصول إعداد الخدام من أولوياتنا، فالخدمة هي التي سوف تصنع نهضة جديدة داخل الكنائس سواء بمصر أو ببلاد المهجر».
ويُطالب الأنبا تواضروس بإنشاء معهد لإعداد خدام كنائس بالمهجر لإطلاعهم على الثقافات المختلفة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، مُعتبرًا أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري، وكذلك يدعو المسيحيين إلى الاندماج في المجتمع من خلال التعليم ووسائل الإعلام.
وقد حصل الأنبا تواضروس على تزكيات من الأنبا دميان أسقف عام ألمانيا والأنبا سوريال أسقف ملبورن، والأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، والأنبا باخوم أسقف سوهاج، والأنبا أندراوس أسقف أبوتيج والأنبا رفائيل الأسقف العام، وتم تجليسه كبابا للإسكندرية وبطريرك للكرازة المرقسية في قداس الأحد 18 نوفمبر 2012 برئاسة القائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية وباشتراك كافة أعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومشاركة وفود من كل الكنائس في مصر والعالم.
ما قبل تجليس الانبا تواضروس، فى الثلاثين عامًا الماضية اقتصر التعليم الكنسى على مدح الأكليروس، وإبراز الأعمال الخارقة للطبيعة بحق أو بدون حق، ومع كامل إيمانى بالشفاعة والمعجزات، فإن أغلب ما روج له غير حقيقى، لعب فى ذلك دورًا كبيرًا ضغوط المتألمين على الكنيسة، ودخول تيار الكاريزماتيك إلى قلب الكنيسة، ولذلك تربت هذه الأجيال على أن أى نقد للأكليروس هو نقد للإيمان المسيحى، ورويدًا رويدًا أصبح الأكليروس ينوب عن الكنيسة، والبابا ينوب عن الجميع.
دور وطني
ومنذ عودة البابا شنودة الثالث من احتجازه بالدير 1985، صار هناك ما يشبه الاتفاق، يحكم «مبارك» الدولة دون تدخل الكنيسة، ويحكم البابا الكنيسة دون تدخل الدولة، ورث قداسة البابا تواضروس الثانى هذا الوضع الأمر الذى جعل بعض الأجيال الجديدة خاصة المرتبطة بالحرس القديم تنتقده، تارة لسفرياته للخارج، وأخرى لاختلاط الأمر فى أذهانهم بين الدور الوطنى والدور السياسى للكنيسة، بالطبع لا تعرف هذه الأجيال أن الكنيسة شاركت فى تأسيس مصر الحديثة، ففى عام 1804 كان البابا مرقس الثامن بصحبة المعلم إبراهيم الجوهرى مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد الشرقاوى يؤازرون الشريف عمر مكرم فى الإطاحة بالوالى العثمانى خورشيد، وتثبيت محمد على حاكما لمصر الحدثية، الأمر الذى تكرر بين كيرلس الخامس وعرابى 1882، ومع ثورة 1919 ومع ثورة 1952، لذلك لم يكن غريبًا أن نجد الكنيسة فى الصدارة فى 3 يوليو 2013، ومن ثم لم يكن غريبًا أيضًا أن ينفى قداسة البابا شنودة الثالث إلى الصحراء حينما رفض التطبيع مع العدو الصهيونى، وعارض «السادات» سياسيًا، كل تلك الأدوار العظيمة للكنيسة الوطنية لا يفهمها الأجيال التى تربت على الأعمال المنافية للعقل، التى تفصل بين الأرض والسماء، بين الكنيسة والوطن.
لذلك جاء البابا تواضروس الثانى بوطنيته المفرطة خير خلف لخير سلف، ونحن بالطبع لا نصادر الانتقاد للبابا وللأكليروس ولا، ولكن نتعجب من سيادة اللاعقلانية فى النقد، حينما يسافر البابا لتفقد حوالى 5 ملايين قبطى أرثوذكسى فى مختلف قارات العالم، فهذه إضافة وليست خطيئة، والذين يولولون الآن ضد سفر البابا للخارج كأنهم لا يثقون دون وعى فى إدارة الأساقفة والمطارنة والكهنة المحليين فى الإيبراشيات فى غياب البابا حينما يقول البابا: «الوطن قبل الكنيسة»، فهو يعنى أن الوطن والكنيسة توأمان ملتصقان، فلا وطن بدون كنيسة ولا كنيسة بلا وطن، والذين يحتسبون أن ذلك خطاب سياسى، فهم لا يدركون الدور الوطنى للكنيسة. ولا يدركون تضحيات الأقباط منذ 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وحتى الآن.
جاء البابا تواضروس في متغيرات وطنية وكنسية ليس لها مثيل سواء سياسيًا أو فيما يخص النخب القبطية الجديدة، هناك فرق بين البابوين، فالبابا شنودة كان زعامة «كاريزمية» شهدت خبرات طويلة وتمثل جيلًا ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية وجيلًا ظهر فيه مكرم عبيد وكان البابا واعظًا فى كتلة الوفد وصحفي بجريدة الكتلة، وكان له رؤية وطنية ـ سياسية ويمثل جيلًا يدرك كيفية الفصل بين الخطاب الوطني والأسلوب السياسي، عكس البابا تواضروس فهو من جيل ما بعد ثورة 25 يناير، وهو جيل تربى على معطيات وطنية جديدة، ودرس فى لندن قبل أن يرسم راهبا، فكان واحدًا من الأساقفة القلائل الأساقفة الذين كونوا وجهة نظرهم فى الغرب قبل الحياة البرية.
كان المناخ الذى كان سائدًا فى عهد كل البابا شنودة يشبه المناخ الذى جاء فيه البابا تواضروس، أن البابا شنودة جاء معاصرًا لمجىء «السادات»، وكانت مصر تشهد مرحلة انتقالية شديدة الحساسية بين «عبدالناصر» و«السادات» وما تبعها من تغيرات جذرية فى سياسية الدولة ومجئ الإخوان إلي المشروعية الدستورية عبر المادة الثانية من الدستور، ومجىء البابا تواضروس أيضًا جاء فى ظروف متقلبة ومتغيره أعقاب ثورة يناير وامتد لحكم الإخوان وما تبعه من متاعب وقلائل، حتي بعد ثورة 30 يونيو وما تبعها من الإرهاب الإخواني لسنوات بعد الثورة.
ورث قداسة البابا تواضروس الثانى هذا الوضع، وكرد فعل للوضع جاء البابا تواضروس الثانى بوطنيته المفرطة، خير خلف لخير سلف، مع فارق الأسلوب بين البابا شنودة والأنبا تواضروس، كون البابا شنودة كان يمتلك حس سياسي يسمع له بمنهج يختلف عن البابا تواضروس الذي يمارس الخطاب الوطني بسجية وطنية مفرطة مما جعلة يتلقي انتقادات، وبالطبع لا نصادر انتقاد العلمانيين للكنيسة للأكليروس ولا لقداسة البابا.
متغيرات ومواقف صلبة
أما المتغييرات التي حدثت للنخب القبطية الجديدة فقد ظهرت منذ أحداث العمرانية 2009 يستطيع أى باحث فى الشأن القبطى أن يؤرخ لمنطلقين أساسيين: الخروج من الكنيسة للوطن، أول تظاهرة قبطية خارج الكنيسة، وأول استخدام للأقباط للمقاومة العنيفة «كرد فعل»، ومن يرصد بدايات تعبير النخبة القبطية الجديدة عن نفسها سيجد بدايات ما يسمى «أقباط من أجل مصر» كحركة حقوقية ترأسها الحقوقى هانى الجزيرى، وأيضًا جبهة العلمانيين التى أسسها المفكر القبطى كمال زاخر، وأن أقباط من أجل مصر تعمل للتغيير فى الوطن فإن جبهة العلمانيين كانت تسعى للإصلاح الكنسى، وللأمانة العلمية فإن أول كسر للركود السياسى القبطى يعود لمؤتمر «الأقليات» الذى أسس لتمسك الأقباط برؤية الجماعة الوطنية كونهم ليسوا بأقلية وإعادة الاعتبار لإنجازات ثورة 1919 وأيقظ المؤتمر روح الانتقال القبطى من المطالبة بالحقوق إلى النضال من أجل تحقيقها، أى أنه منذ 1994 وهذا المؤتمر بما له وعليه تقدم الأقباط إلى تأسيس منظماتهم المدنية الحقوقية فى الوطن وليس خارجه فقط.
وظهرت بدايات ما عرف بالإعلام القبطى مثال المواقع الإلكترونية وأشهرها «أقباط متحدون» ثم الفضائيات مثل «سي تي في» ومن 2009 وحتى 2011 جرت تحت الجسر مياه كثيرة، أحداث نجع حمادى 2010، تفجيرات القديسين التى شكلت نقلة نوعية فى النضال الوطنى القبطى وخروج أول مظاهرات وطنية ضمت مسلمين ومسيحيين، ومن يراجع ما سمى بقضية «كنيسة مسرة» سيجد المتهمين من المسلمين والمسيحيين، والأهم أن قرار الاتهام شمل شعارات تطالب بإسقاط نظام مبارك ومحاكمته هو وحبيب العادلى، حينذاك كان النظام الكنسى قد شاخ وصرح البابا شنودة: «هؤلاء ليسوا بأبنائنا»، لأنه كان لا يعلم شيئًا عن النخبة الجديدة التى ولدت من رحم الكنيسة، ولكنها خرجت بها للوطن ومن ثم ظهر «الخادم الثورى» وليس هؤلاء الذين يجلسون فى الصفوف الأولى ويكتسبون مشروعيتهم لدى الدولة من عباءة الإكليروس، نخبة ما بعد 25 يناير اختلفت عن نخبة ثورة 1919 التى تكونت من الطبقات العليا وخرجت من الكنيسة للوطن، على عكس نخبة 25 يناير التى خرجت بالكنيسة للوطن، خدام كنسيون خرجوا حاملين الصلبان فى دلالة على الخروج بالكنيسة وليس من الكنيسة، وبذلك جمعت هذه النخبة الجديدة فى «اتحاد ماسبيرو» على سبيل المثال بين النضال الوطنى والإصلاح الكنسى، وتعمدت هذه النخبة بالدم فى التاسع من أكتوبر2011.
إلا أن المتغييرات ما بعد ثورة 30 يونيو نتيجة الإرهاب الإخواني أو التقدم النسبى الذي تم في قضية المواطنة وتحديات أخرى جعلت كل تلك المنظمات والنخب تتوارى ولم يبقى إلا مطالبات بتغميق المواطنة للمواطنين المصريين الأقباط، وهكذا يعد البابا تواضروس الثاني أكثر الباباوات الأقباط الأرثوزكس الذين تعرضوا لظروف ومتغييرات صعبة وتحتاج دراسات موضوعية بعيدًا عن الطائفية.