قد يتساءل المواطن العادي عن مغزى مؤتمر كوب 27 وأهدافه التي ربما تتكرَّر على مسامعه عشرات المرات في نشرات الأخبار مؤخرًا لكنْ دون أن يفهم معانيها على وجه التحديد. وتبسيطًا للموضوع يمكن القول: إن هذا المؤتمر يبحث معاناة الناس في هذا الكوكب الذي يئن نتيجة الخسائر والأضرار الناجمة عن العواصف الشديدة والفيضانات المدمرة وحرائق الغابات وارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية وذوبان الأنهار الجليدية، إضافة لسوء استخدام الأسمدة والمواد الكيماوية وتلويث التربة والمياه. ومن بين تلك الخسائر المباشرة على الناس فقدان المزارع والمحاصيل والماشية وكذلك فقدان المنازل وتضرر الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف، ناهيك عن الأمراض والخسائر البشرية.
والحقيقة أن مصلحة شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كبيرة من عقد هذا المؤتمر؛ لأنها هي الأكثر عرضة للتهديدات من غيرها؛ حيث إنها من بين المناطق الأكثر عرضة للتأثر بالنتائج الكارثية للتغير المناخي. ولا يقابل تلك المخاطر الوعي البيئي لدى المواطن المنشغل بمشكلات حياته اليومية وتحديات المعيشة الأكثر إلحاحًا رغم كونه يتفاجأ بارتفاع غير محتمل للحرارة والأعاصير.
ورغم الخسائر الثقيلة جراء التغيرات المناخية في البلدان الفقيرة والنامية فإنها لا تحصل على الدعم المناسب في الوقت المناسب لإعادة البناء والتعافي قبل وقوع الكارثة التالية. كما تؤثر تلك الأضرار على برامج التنمية التي تسعى حكومات تلك الدول النامية لتنفيذها؛ على سبيل المثال بدلًا من تنفيذ جسر جديد أو طريق أو وحدة صحية أو مدرسة لخدمة أهالي منطقة لا تصلها الخدمات نرى أن الحكومات تنكبُّ على إصلاح الجسر والطريق والمباني التي تضررت بسبب تلك الكوارث. فتزداد بذلك الديون مع الحاجة للمزيد من الاقتراض.
أما الدول المتقدمة صناعيًا فقد ساهمت في تلوث الطبيعة على امتداد قرن ونصف منذ بداية الثورة الصناعية، وأضرت إضرارًا فادحًا بالمناخ وانعكست تلك الأضرار بشكل أكبر على الدول الفقيرة والنامية التي كانت أقل حظًّا في التقدم الصناعي؛ ومع ذلك تتقاعس الدول المتقدمة عن تقديم الدعم والتمويل اللازم للدول النامية لإصلاح تلك الأضرار.
هنا يكون من العدل أن تدفع الدول المتقدمة تعويضات أو تمويلات للدول الفقيرة والنامية على قدر الضرر الذي لحق بها وبما يساهم في مساندتها في تبني برامج للتكيف مع التغير المناخي. وكما يقول خبراء البيئة فإن المجتمعات التي ساهمت بأقل قدر في إحداث الأزمة هي التي تقف الآن لمواجهة أسوأ التداعيات!
وأفتحُ هنا قوسًا للإشارة إلى معركة نشطاء البيئة جنبا إلى جنب مع"أعداء" النظام الرأسمالي من مفكرين وعلماء وسياسيين بما في ذلك أحزاب ونشطاء اليسار. وهؤلاء يرون أنَّ الإنتاج من أجل الربح وتراكم الرأسمال والنمو الاقتصادي المركب هي المحرك الرئيسي للنظام الرأسمالي الذي يعتمد على استغلال الطبيعة وحرق الوقود الأحفوري من أجل إنتاج السلع وتحقيق المزيد من الأرباح على حساب استدامة الطبيعة.
هذا هو في اختصار الإطار الذي ينعقد في ضوئه المؤتمر هذا العام في شرم الشيخ (قمة الأمم المتحدة للمناخ)، وهو السابع والعشرون منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ في 21 مارس 1994، والمقصود بها المعاهدة الدولية التي وقعتها معظم دول العالم بهدف الحد من تأثير النشاط البشري على المناخ. كان هناك العديد من القضايا العالقة من القمم السابقة كما أن بعض الدول الكبرى لا تبدي ما يكفي من الحماس والالتزام بشأن ما يحدث للمناخ وتتجاهل الأدلة العلمية بشأنها وهو ما يحول دون التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل المتنازع عليها وتقديم إجابات على الأسئلة المصيرية، مثل المساعدة المالية المقدمة للدول النامية، وتعويض البلدان الضعيفة عن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها نتيجة لتغير المناخ.
كما أن هناك بعض الخلافات حول طرق إدارة نظام أسواق الكربون وأرصدة ائتمانات الكربون وهو ما يعرف بالائتمانات الخضراء، وهي آلية تفرض على الدول المسؤولة عن التلوث، بدفع ثمن الانبعاثات التي تتسبب فيها، وتسمح لمن لديهم اقتصادات أكثر مراعاة للبيئة ببيع "أرصدة ائتمانات الكربون".
من هنا، فإن الأولوية القصوى مازالت تتعلق بدفع الدول خاصة المتقدمة إلى الالتزام الجدي والحازم بالوصول إلى مستوى انبعاثات صفري بحلول منتصف هذا القرن، مع تخفيضات بسرعة أكبر مما مضى لانبعاثات غاز الكربون بحلول عام 2030، إضافة لتمويل عمليات التكيف. لكنْ على الدول النامية المتضررة من الانبعاثات دورٌ أيضًا في الحد من تلك المخاطر، من بينها زرع الشجر لزيادة الغطاء النباتي والحد من ارتفاع الحرارة وتنقية الهواء. ومن الحلول المكلفة التحول الى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياحية والأمواج المائية، من ذلك تحويل المصانع للعمل بالتكنولوجيا النظيفة وتحتاج الدول النامية إلى تمويلات وتسهيلات لاستيرادها وتركيبها. كذلك الشأن بالنسبة لوسائل المواصلات العامة كالقطارات والأوتوبيسات العامة، ونفس الشيء بالنسبة لسيارات الأجرة وحافلات المدارس والشركات والسيارات الخاصة والتي يتطلب الأمرُ التخلي عن القديمة منها وتحويل الجديدة إلى العمل بالغاز والكهرباء. أما الكهرباء والماء فيتطلب الأمر ترشيدهما وإن كان العديد من شعوب الدول الفقيرة والنامية تشتكي من نقصهما وليس إهدارهما ومع ذلك تظل أكثر من يدفع أخطاء دول ومجتمعات أخرى.
أمَّا وقد شرحت بعض ملامح قضية التغير المناخي والصراع الذي يدور بشأنها فإنَّ المطلوب الآن العمل على تفادي الأسوأ وهو ما يسعى مؤتمر شرم الشيخ لتحقيقه. ولعلها تكون نقطة تحول مهمة في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح قارتنا الأفريقية والعالم بأسره. وكم أشعرُ كمواطنة تعيش على هذا الكوكب وكأمٍّ بالقلق إزاء مستقبل الأجيال القادمة وخاصة صحتهم، حيث ستؤثر عواقب التغير المناخيّ على جودة حياتهم، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، في أفريقيا أو حتى الدول المتقدمة.. لأنّ الجميعَ في مركبٍ واحدٍ.