جال في فكري هل من عاقل يهدم ما شيده بيده، ونحن في تلك الظروف الصعبة؟ أم هم يدرون بما سوف تجنيه أفعالهم من خسائر وعلي الرغم ينكرون حتي إذا حدث يحملون القيادة كل هذا؟ أم هي مجرد أوهام لحظية جالت في خواطرهم أثناء جلسة مزح مع بعضهم البعض؟، يظن البعض أن مؤامرة إسقاط ومحاصرة الدولة المصرية حديثة والحقيقة إنها تعود لأكثر من ٢٠٠ عام منذ تكون شكل العالم الحديث، ويعتقد البعض أن العالم الغربي يحاصر مصر من أجل إفساح المجال لتمدد دولة إسرائيل مع إن العكس هو الصحيح، فهذه الدولة موجودة من الأساس من أجل منع تمدد مصر وعمل حاجز بينها وبين الشام وقطع الطريق عليها الى أوروبا، الحكاية بدأت مع غزوات نابليون بونابارت إلى الشرق نهاية القرن الثامن عشر وبعدما قضى فيه رحلات مطولة ومر بمصر وانتهى إلى نتيجة معناها أن هذه الدولة المصرية بموقعها الجغرافي كقلب العالم وناصيته وبإمكانياتها الجيوسياسية والبشرية والطبيعية لو اتحدت مع محيطها ونهضت ستمثل أكبر تهديد وجودي على أوروبا ومصالح الإمبراطوريات القديمة، وقال إن الحل الوحيد لتقزيم دورها هو زراعة دولة في فلسطين تمنع اتحاد مصر والشام في امبراطورية وفي نفس الوقت تكون حاجز صد يمنع اي محاولة للزحف العسكري المصري نحو اوروبا.
وبالفعل دعا نابليون للمرة الأولى للهجرة الأولى اليهود إلى فلسطين وأرسل لجمعية الصهيونية التي كانت جمعية دينية وليست سياسية وتتخذ من موسكو مقر لها للنداء للهجرة الأولى إلى فلسطين، تلقفت الجماعات الصهيونية الفكرة من نابليون وبدأت للمرة الأولى في صياغتها بشكل سياسي وهاجرت بالفعل مئات الأسر إلى هناك لكنها لم تتمكن من تكوين دول، واُعتقل نابليون ومات لكن نبوءته لمصر لم يفت عليها سنوات قصيرة حتى تحققت وتولى محمد على حكم مصر وصنع منها امبراطورية عظيمة وبفضل نجاحات ابنه إبراهيم باشا العسكرية نجح في تكوين أكبر جيش في المنطقة وحقق الانتصارات تلو الأخرى حتى وصل إلى أبواب أوروبا في الاستانة، دومًا كانت الإمبراطورية الروسية والغرب والعثمانيين في صراعات لكن أمام مصر جنب المتحاربون صراعهم لأن مصر لو قامت ستكون خطر على الجميع، وقام الأسطول البريطاني الروسي الفرنسي المشترك بتدمير أسطول محمد علي بعد التأكد من استسلام الأسطول العثماني وبعدها تم عمل اتفاقية لندن لإجبار محمد على على تحديد حجم الجيش المصري وقواته ومعداته كشرط لوقف الحرب والاستقلال عن الدولة العثمانية ومنذ ذلك التاريخ وأصبحت معاهدة لندن استراتيجية دائمة في التعامل مع مصر.
مصر يجب أن يتم تحدد قوتها دائمًا لأنها الدولة الأخطر على العالم لو نهضت لن يستطيع أحد اللحاق بها، حاول بعد ذلك حفيد محمد على الخديوي إسماعيل التحايل على معاهدة لندن وتكبير الجيش المصري وبناء نهضة كبيرة زراعية وعمرانية وافتتح قناة السويس، وكانت النتيجة مؤامرة غربية لإجباره على التنحي وتولية ابنه توفيق الخائن الذي أدخل الاحتلال الإنجليزي إلى مصر، المؤامرة كانت إفشاله اقتصاديًا بضرب بورصة القطن العالمية الذي كان بترول هذا الزمن وكان قد استدان الكثير لبناء مصر حديثة فعجز عن سداد الديون فاجبروه على التنحي، مرت الأيام والسنين ونجحت مصر من خلال ثورة ١٩٥٢ من مقاومة الهيمنة الغربية عليها وأعادت بناء نفسها في نهضة لا مثيل لها في الشرق في الخمسينيات والستينيات، فكانت النتيجة أنه تحالف الروس والغرب الأعداء المعهودين الذين لا يتفقون إلا على حصار مصر، وحدث نكسة ٦٧ لنعود عشرات السنين للخلف، روسيا كانت وراء نصيحة مصر بعدم البدء بضربة البداية ما أتاح لإسرائيل بدء الضرب صباح ٥ يونيو، ولكن السادات استدرك الخطأ سريعا وقاومنا وانتصرنا في استرداد ارضنا بمفردنا بعد طرد الروس في أكتوبر ٧٣.
تمر السنين واليوم بعد ثورة ٣٠ يونيو أشرقت شمس الحقيقة وطهرت أشعتها رجس الإرهاب الغاشم وأهل الشر ومع زيادة الوعي والثقافة حديثًا ظهروا علي حقيقتهم للناس ورأوا ما وراء أحجبتهم وعرفوا خبث نواياهم فأقلعوهم من جزورهم وكانت البداية من مصر وتفهم الجوار ذلك ولكن حديثًا وفعلوا ما فعلته مصر لينقذوا أرضهم من ذلك الرجس الذي حجب بركة السماء من ملامستها، وصدقت مقولة "الكذب ملوش رجلين"، وتقوم مصر بأكبر نهضة حديثة في تاريخها الحديث منذ محمد على والخديوي اسماعيل وجمال عبدالناصر، فهل سيسمح الغرب بمصر ان تنهض؟، هل نسى الغرب استراتيجية معاهدة لندن عام ١٨٤٠ ؟، هل نسى العالم مؤامرة ال ٢٠٠ عام على مصر؟، إجابة هذا السؤال في مشهد تخاذل القوى الكبرى في جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة الإثيوبي، وحول القضية الفلسطينية التي تحملتها مصر علي عاتقها، دوما ما يختلف الغريمين الروسي والغربي لكنهم دوما ما يتفقون على مصر، خطة حصار مصر هي خطة قديمة لم تسقط من استراتيجيات الغرب، الخوف من قوة مصر مازال يحكم ويجمع الفرقاء وهدف منع نهضة مصر لن يموت ابدًا مهما مر الزمن، لذلك «الإخوان الإرهابية» قطعة شطرنج في ايديهم، وكلها لعبة تقسيم أدوار لإرباكنا، هزمونا مرات وهزمناهم مرات وسنهزمهم مجددًا وسننتصر وحدنا كما عبرنا خط برليف وسندافع عن حياتنا وسنتحمل أي عقوبات محتملة، يقيني أن هذا الشعب قادر أن يحقق المعجزات مادام يقاوم ونحن من نحدد المكان والزمان ولا أحد يحدد لنا فالشعب عنده رغبة والقيادة لديها نظرة فالرغبة يمكن أن تفسد ما نأمل به ولكن النظرة هي الأمثل.