رأت مجلة "ذا ديبلومات" المتخصصة في الشأن الآسيوي، أن زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز إلى بكين - أول زيارة لمسئول غربي كبير بعد تنصيب الرئيس الصيني شي جين بينج لولاية ثالثة خلال المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني – تشكل انسلاخا من اتفاق الائتلاف الألماني الحاكم أواخر العام الماضي 2021 الذي تضمن مقاربة جديدة أكثر انتقادا للصين.
ونوهت المجلة إلى الاتفاق، رغم دعمها لاستمرار التعاون مع الصين، إلا أنه تضمن عدة عناصر شكلت نهجا جديدا أشد انتقادا لبكين، مقيدا هذا التعاون في حدود ما تسمح به مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.
فعلى سبيل المثال، نص الاتفاق، التي جاءت في 178 صفحة، على تعذر إعداد صيغة نهائية للاتفاق الشامل حول الاستثمار (CAI) بين الاتحاد الأوروبي والصين، الذي نجحت الحكومة الألمانية السابقة بقيادة أنجيلا ميركل في إبرامه في أواخر عام 2020 من خلال مجلس الاتحاد الأوروبي رغم تحذيرات الإدارة الأمريكية الجديدة آنذاك برئاسة جو بايدن والتي تولت السلطة في يناير عام 2021.
وبحسب المجلة، عندما بدأت الحكومة الألمانية الجديدة العمل، أشار خطاب أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة إلى أن سياسة ألمانيا في الصين في حاجة إلى إصلاح شامل.
لكن الأزمة الروسية ـ الأوكرانية؛ أظهرت بشكل مؤلم مشكلات اعتماد ألمانيا المفرط على الوقود الأحفوري الروسي لاسيما مع تضاؤل إمدادات روسيا من الغاز الطبيعي الرخيص، والذي كان يضمن لعقود من الزمن أداء صناعيا ممتازا لألمانيا. ومع توقفه تماما، كان هناك الكثير من الضغط والبحث عن الذات. وسرعان ما ركز القلق بشأن "الترابط"، و"نقاط الضعف الاستراتيجية"، والبحث عن "مرونة سلسلة التوريد"، ليس فقط على روسيا وإنما على الصين أيضا.
ويبدو أن هذا الأمر، وفقا لمجلة "ذا ديبلومات"، أضفى المزيد من الثقل والزخم للجهود الرامية إلى إعادة تشكيل نهج برلين تجاه الصين. وأصبح تقليل الاعتماد على الصين هو الشعار الجديد ليس فقط لدى حكومة برلين، ولكن أيضا لدى الصناعة الألمانية.
ومع أن عمق اعتماد ألمانيا الاقتصادي على الصين أصبح واضحا تماما، إلا أنه اتضح أن الأقوال أسهل كثيرا من الأفعال. فصناعة السيارات الألمانية تبيع ما يقرب من 40 في المائة من إجمالي إنتاجها في الصين؛ وبالنسبة لمجموعة مثل "فولكس فاجن"، فإنها تبيع 50 في المائة من إنتاجها إلى الصين، وبدون السوق الصينية قد لا تكون هذه العلامة على قيد الحياة كمنتج سيارات مستقل. كذلك افتتحت شركة "باسف" الألمانية، لكيماويات البناء الحديث وأكبر شركة على مستوى العالم في هذا المجال، مصنعا جديدا ضخما للإنتاج في جنوب الصين باستثمارات وصلت إلى 10 مليارات يورو؛ متوقعة أن تحقق نموا وتجني ثلثي إيراداتها المستقبلية من السوق الصينية.
ووفقا لتحليل عينة من الشركات الألمانية، فإن 40 في المائة من الشركات التجارية وما يقرب من نصف الشركات الصناعية تعتمد على الصين في توفير المواد الخام الهامة أو السلع الوسيطة. أما بالنسبة لقطاع السيارات فوصلت هذه الحصة إلى 75 في المائة.
وترى "ذا ديبلومات" أن تقليل هذه المستويات العالية من الاعتماد على الصين سيستغرق الكثير من الوقت. وفي حين أن الشركات الألمانية هنا وهناك تتخذ خطوات لإيجاد مصادر بديلة للأسواق والمنتجات؛ يبدو أن الاتجاه العام هو التمسك بالصين.
وأضافت المجلة أن حقائق اعتماد ألمانيا اقتصاديا على الصين أدت إلى انتكاسة للجهود الرامية إلى تغيير موقف برلين التجاري التقليدي الصديق إزاء بكين.
وأوضحت المجلة أن زيارة المستشار الألماني قد تكون أيضا بمثابة إشارة إلى عودة برلين إلى نهج السياسة الخارجية التجاري مع بكين التي كانت تركز في الأساس على توسيع وتعميق العلاقات الاقتصادية، بغض النظر عن أي مخاوف مزعومة، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وتزايد النفوذ الصيني في شرق آسيا.