(مَـطْرحْ مَا نِـمْـشي.. يفتَّـح النّــوّار).. إنها عبارة بسيطة؛ ولكنها رائعة، دَالة، فارقة؛ كُتبت عن عظمة المصريين منذ فجر التاريخ وفي متن سطور كتابه؛ منذ شروق أنواره على العالم؛ وصاغها في عبارة رشيقة الشاعر صلاح جاهين في فورة المد الثوري الحقيقي منذ ستين عامًا في ذات قصيدة؛ تحولت إلى أغنية وموسيقى وألحان رياض السنباطي؛ وشدَتْ بها كوكب الشرق أم كلثوم.
وعفوًا ـ عزيزي القارئ ـ إذا ذهب بك الظن بأنني سأحدثك عن حياة "الجوهرة السوداء/بيليه" لاعب الكرة البرازيلي الشهير؛ ولكني سأحدثك عن " ينابيع الخير" التي يفجِّرها "الرئيس عبد الفتاح السيسي" في جنبات مصرنا المحروسة. فلقد افتتح الرئيس منذ أيام؛ مجمع "الرمال السوداء" بمدينة البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ - شمال العاصمة " القاهرة السيساوية".
والجوهرة السوداء: هي الرمال السوداء التي يعُدُّها علماء الصناعة وخبراء الجيولوجيا والتعدين ثروة قومية وإضافة جديدة لسلسلة المشروعات القومية الكبرى التي تهدف إلى تعظيم الاستفادة والاستغلال الأمثل لموارد مصر الطبيعية، وترجع أهميتها لاستخدامها في العديد من الصناعات الدقيقة؛ مما يفتح الآفاق لاستثمارات جديدة لدعم وانتعاش الاقتصاد الوطني والإسهام في عملية التنمية الشاملة.
وعن الرمال السوداء يقول الخبراء ـ بتصرف - هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، تتراكم على بعض الشواطئ بالقرب من مصبَّات الأنهار الكبيرة؛ وتتركز هناك بفعل تيارات الشاطئ على الحمولة التي تصبها الأنهار في البحر؛ وتتكون من المعادن الثقيلة؛ وخاصةً معدني الماجنتيت والألمنيت؛ وتستغل كخامات للحديد؛ كما تحتوي على نسبة صغيرة من المعادن المشعة كالمونازيت وغيره، وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن. بالإضافة إلى عناصر أخرى تستخدم في إنتاج معدن التيتانيوم لصناعة هياكل الطائرات والصواريخ ذات الأرتفاعات العالية لمقاومة الظروف الكونية.
وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال جولته التفقدية التي قام بها سيادته لمكونات هذا المشروع الضخم، إلى أن فكرة هذا المشروع تعود إلى ما يقرب من خمسين عاما؛ حيث بدأت دراسته فى السبعينيات ثم الثمانينيات من القرن الماضي؛ ولكن لم تتح الفرصة قبل ذلك لاتخاذ الإجراءات التنفيذية للمشروع والاستفادة الفورية بجدواه الاقتصادية.
وتقول المصادر الصحافية: إن الرئيس توقف أمام "محطات الضخ" و"المصنع العائم" الذى يبعد حوالى 12 كيلومترًا عن مجمع المصانع والذى يتم من خلاله فصل الرمال السوداء كمرحلة أولى من مراحل الإنتاج، تمهيدا للمعالجة وفصل المكونات بعد ذلك.
وأن فكرة محطات الضخ تشبه إلى حد كبير المضخات فى حرب أكتوبر المجيدة التى أدت إلى انهيار خط بارليف، حيث تقوم الكراكة "تحيا مصر" وهى أول كراكة تعمل بالطاقة الكهربائية، بدفع المياه فى اتجاه الكثبان الرملية لتنساب إلى قاع البحيرة الصناعية، بالإضافة إلى أعمال تكريك بعمق يصل إلى 18 مترا لتسحب الماء المختلط بالرمال إلى المضخة الرئيسية بالكراكة، ليعاد ضخها مجددًا إلى مصنع التركيز العائم داخل البحيرة مرورا بخطوط الأنابيب.
إن هذه الإنجازات الضخمة.. قد تحققت بفضل الله أولًا ؛ ثم بالإرادة السياسية الصلبة وإيمانها الذي لايتزعزع بقدرة وقوة وتطلعات أبناء مصر الشرفاء؛ وإننا بالفعل:
" مطرح مانمشي.. يفتَّح النّـوّار" في كل جنبات وربوع مصرنا المحروسة.
ولعلي أضيف أنه من بين مزايا هذا المشروع أنه مشروع كثيف العمالة، لأنه يستوعب أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل من الشباب خريجي الجامعات في مختلف التخصصات العلمية والعملية؛ وهذا هو الهدف الأساس من اختيار "الرئيس" وحماسه للمسارعة بإحياء هذا المشروع العملاق؛ الذي ظل حبيس أدراج واضابير وزارة " البحث العلمي" سنوات وسنوات.
وإنه من حسن الطالع أن يتم افتتاح مشروع الرمال السوداء؛ مواكبًا لافتتاح المؤتمر الاقتصادي بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ ويسعى هذا المؤتمر إلى رسم استراتيجية وخارطة طريق واضحة لمواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية؛ مع الإسهام في تلبية رغبات رجال الإعمال الوطنيين في خدمة الدولة واتجاهاتها الوطنية في المستقبل.
إنني بكل الثقة والتفاؤل في مستقبل الصناعة والزراعة والاقتصاد في مصرنا المحروسة؛ أقول: إذا كانت رمال أرضنا الخصبة تسمَّى بأنها "الرمال السوداء" ؛ فإنني أختلف مع هذه التسمية لأقول إنها " الجوهرة السوداء" التي تشع نورًا وبهاءً وترصِّع تاج مشروعاتنا القومية التي تتبناها قيادتنا الوطنية المخلصة؛ ولأنها بقيمتها المادية والمعنوية.. تضخ الخير والنماء في جنبات اقتصادنا القومي؛ وعن مفارقات وجماليات لغتنا العربية في هذه التسمية العكسية؛ يحضر في ذاكرتي بيتٌ من الشعر في ذات قصيدة للشاعر عزيز أباظة عن قصة كفاح المصريين في بناء " السد العالي " حين يقول:
"يفتـح الـرِّزق وهو سدٌ فينسـاب جنوبًـا في أرضنا وشمــالا"!!
ونحن ننتظر خيرات هذا المشروع العملاق وانعكاساتها على انتعاش الاقتصاد وأثره الإيجابي على رفاهية الأسرة المصرية العاملة التي تبذل الجهد والعرق من قديم الزمان؛ لإيمان كل فرد بقيمة ومعنى كلمة وطن.