قال الدكتور محمد بن سعيد شريفي، شيخ الخطاطين الجزائريين وأحد خريجي مدرسة خليل أغا للخطوط العربية: «لا تزال مصر قبلة للوافدين طلبًا للعلوم والفنون، وشاءت الأقدار أن أكون أحدهم، وفي 19 يناير 1958، اتَّجهتُ رفقة أحد الزملاء إلى مدرسة تحسين الخطوط العربية، واستقبلني الأستاذ محمد علي المكاوي، الذي وافق على طلب الالتحاق بالمدرسة، والتزام الحضور في أول العام الدراسي كطالب حر، والمشاركة في مسابقة الالتحاق، فتعلمت على أيدى كبار الأساتذة منهم: محمد رضوان، وسيد إبراهيم، ومحمد علي المكاوي، ولأول مرة التقى هؤلاء الخطاطين وأقتني أدواتهم».
وتابع شريفي، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز": «وفي إحدى المرات جلست أمام الأستاذ رضوان، الذي لاحظ كتابتي باليسرى، معلقًا: "يا إبني وُضع الخط باليمين ولليمين" وعلى الفور تم نقل القلم لليد اليمنى، لكن لاحقتني أخطاء الإمداد من المحبرة، حتى واصلت التمارين في البيت على الورق والسبورة بالساعات، وشاركت في مسابقة الدخول ونجحت وانتظمت في السنة الأولى حاضرا في كل الدروس، بواقع أربعة أيام في الأسبوع لمدة ساعتان كل يوم، وبعد حصص السنة الأولى أتوجّه إلى فصول الرابعة والتخصص لأشاهد خطوطها على السبورة، وكنت من أواخر المغادرين لهذه الفصول».
وواصل: «كنت طالبا منتظما في كلية الفنون الجميلة بالزمالك، ومساء بتحسين الخطوط وبعدها يومان في دراسة اللغة الإيطالية بمعهد دانتي اليغياري، شرطا من الكلية الالمام بلغتين أجنبيتين غير العربية وهي لغة التدريس، وكان أستاذ الخط بالكلية الأستاذ محمد علي المكاوي، فصارت بيني وبينه صحبة ورفقة، وفي رمضان ننتقل سويًا من الكلية إلى المدرسة وأزوره مرارًا في مصلحة المساحة، فتتلمذت على يد أستاذي سيد إبراهيم، وكان يُثني على بطولة الجزائريين في تحرير وطنهم، وبعد تعليم أعمالنا يشجعنا بقوله: "همّتك"، فكان سكني بشارع الذري بالعجوزة قريبًا من بيته وعندما علم بذلك دعاني إلى مرافقته بسيارة ابنته الحكيمة، تحضر دوما لتوصله إلى بيته، لبيت دعوته اللطيفة مرة أو اثنتين، ثم تحرّجت تقديرا لأستاذيته، وكان رحمه الله يعزني وأعزه وينصحني».
وأضاف شريفي، أنه عندما شرعت وزارة التربية في إقامة معرض للتعليم حضر لتصويره أثناء تدريسه، فدعاه دون زملائه للظهور بجانبه، فأرسل له بعض أعماله منها: المصحف الشريف الذي أعانه الله على إنجازه، وإذا لم يُكتب له مثل هذا الإنجاز فقد تجلى أثر تعليمه في تلاميذه، وعند زيارته في المدرسة يجلس بجانبه وهو يعلّم تلاميذه، رجا أستاذه إجازته، فكتبتها وقوّم خطها ثم زخرفها وذهبها وذيّلها "بإذن الكتبة" وحسب علمه هي ثاني إجازة يمنحها، كانت الأولى لهاشم محمد البغدادي "أذكر هذا ليحقق"، اقترح تسمية إحدى المسابقات باسمه في "ارسيكا" فكانت الخامسة 2002، وعندما توفى رثاه بكلمة نُشرت في جريدة الشروق الجزائرية عدد 45، سنة 1994، وتوجد في كتابه سيد إبراهيم صفحة 20.
وواصل: أن من بين الأساتذة محمد عبد القادر، حتى تمضي السنين لتجمعنا لجنة تحكيم المسابقة الدولية باسطنبول مرتين، واستبشر بحضوري وتوافقنا في تقييم أعمال المتسابقين، واصطحبني إلى مكتبة السليمانية باسطنبول وكان له صلة بمديرها، حيث أطلعنا على بعض كنوزها مثل مصاحف حمد الله الأماسي.
وأوضح شريفي، أنه تعلم فنون الخط على يد كبار أساتذة الخط العربي، ففي السنة الرابعة تعلمت خط "الرقعة" على يد الأستاذ إبراهيم صالح، فقال لي: خطك الرقعي لا يرقى إلى خطك "الثلثي"، فعليك بمشق محمد عزت. استلمته من زميلي عبد الحميد إسكندر، طبعة إسطنبول الأصلية. فنحن المغاربة لا نستعمله. وأفوز به بالأوّلية على المشارقة بالدبلوم.
تعلمت أنواع الخطوط على أيدي كبار الأستاذة آنذاك، هي: الخط الفارسي للأستاذ محمد عبدالقوي، والخط الثلث للأستاذ محمود الشحات، ويذيّله أحيانا بكلمة "أحسنت" وأبدي له عدم اقتناعي فيردّ "ذلك بالنسبة لزملائك"، وأيضا الأستاذ محمد عبدالعال في السنة الأولى، فقدمت له تركيبًا ونصحني بالالتفات إلى المفردات وهي الأساس، وحينها لم ألجأ إلى التراكيب الخطية إلا بعد التخرج تنفيذا لإرشاده، والأستاذ محمد عبدالرزاق سالم، والرسم للأستاذ حسن علي المكاوي، الذي قدمنى لرسم الأشكال على السبورة لزملائي لأني طالب في كلية الفنون الجميلة منبع الرسم، والأستاذ محمد بهجت مصمم العملة وطوابع البريد، وعندما شرعت في تصميم شهادة معهد الحياة شرح لي في بيته العامر طريقة إنجاز زخرفة أرضيتها، وتعلّمت منه تدقيق الرسوم واستعمال أدواتها، والزخرفة للأستاذ صلاح العقاد، الذي وصف أسرار حلّ أوراق الذهب، فدعاني لمنزله العامر لإكمال طريقة استعماله للزخرفة، وعند زيارة مصر مرة أخرى بعد التخرج توجهت للأستاذ سيد إبراهيم لعرض حزمة من الإشكالات التي تواجهني لحلها.
وأوضح شريفي، أنه نال الرتبة الثانية في دبلوم الخط، والأولى في خطين الثلث العادي، والرقعة كما هو مذكور في كتاب "عيد العلم" الثامن عام 1962 صفحة 299" وتسلّم عنهما مكافأتين، وكتاب "عيد العلم"، وأيضًا الرتبة الثانية في شهادة التخصص والتذهيب، والأولى في خط الثلث الجلي، والزخرفة عام 1971، ولم أتسلّم المكافأتين والكتاب كالمرة الأولى، وذلك لانقطاعي عن مصر، شاكرا الله الذي أرشده إليها، وامتنانه لأساتذته الأجلاء، تقديرًا لأرض الكنانة وأهلها التي إستضافتني خمس سنوات وعشرة أشهر وخمسة أيام متواصلة فائزًا مكرمًا.