من أين تتدفق الأموال على جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان الإرهابية، خصوصا منظماتها العاملة في أوروبا؟ سؤال يحتاج للإجابة عليه من خلال رصد هذه المنظمات وتعاملاتها المالية وأين تذهب كل هذه الأموال التي تتدفق على التنظيم الدولي؟.
حول هذا الموضوع نشرت صحيفة "ويسترن إزلاميزم" تقريرا مهما حول النائب السويدي تشارلي ويمرز أحد نواب برلمان الاتحاد والذي يخوض معركة ضارية منذ انضمامه للبرلمان لإجبار الاتحاد الأوروبي على إيقاف تمويل جماعات الإسلام السياسي. وأدَّى الضغط الذي يمارسه على كبار قادة الاتحاد الأوروبي إلى دفعهم للاعتراف، وعلى مضض، بأن تمويل الاتحاد المنهجي للإسلام السياسي أصبح معضلة بحاجة للمعالجة. هذا التحول في النهج أظهر أن محاربة الإسلام السياسي في أوروبا قد بدأت تكتسب زخماً.
وقام ويمرز خلال معركته بالكشف عن حقيقة أن الاتحاد قدم عشرات الملايين من اليوروات لمنظماتٍ مرتبطة بالإخوان المسلمين وجماعات إسلامية، غايتها اقامة دولة للخلافة الإسلامية. على مدى سنتين من ملحمته في الصراع لاختراق متاهات البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي، قام ويمرز بتوثيقها، وذلك بإنتاج فيلم وثائقي بعنوان “الاتحاد الأوروبي يموِّل الإسلام السياسي”. ارتكز الفيلم على تقرير “شبكة من الشبكات: الإخوان المسلمون في أوروبا”.
يقول ويمرز “قد يتبادر لذهنك أنه من الطبيعي أن يكون الاتحاد الأوروبي عدواً طبيعياً للإسلام السياسي، ولكن ذلك ليس صحيحاً. حيث أتاحت الرغبة في حماية الأقليات المسلمة في أوروبا من تبعات التعصب عن الأفراد أو المجتمعات الأوروبية الفرصة لحملة الفكر المتعصب الخطرين للقيام بنشاطاتهم”.
قدمت المفوضية الأوروبية بين عامي 2015 و2017 أكثر من 130,000 يورو لتمويل “التقرير السنوي للإسلاموفوبيا” الذي تقوم بإعداده مؤسسة “سيتا”، وهي مؤسسة فكرية مقرها في أنقرة، ومرتبطة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذه التقارير التي تخلط بين النقد المشروع للإسلام أو الإسلام السياسي، والنقد الناتج عن التعصب الأعمى. عمل ويمرز على تثقيف زملائه كيف عمل الإخوان على اختراق الاتحاد الأوروبي، من خلال إنشاء تحالفاتٍ مع الحركات التقدمية، باستخدام النشطاء السياسيين على مستويات محلية ووطنية وعالمية، وباستغلال شعارات الحرية الدينية مع الادعاء بتمثيل الأقليات والتعددية الثقافية.
في إحدى فقرات الفيلم الوثائقي ينوه خبير الإسلام السياسي، لورينزو فيدينو، أن جماعة الإخوان المسلمين تهدف إلى الحصول على تفويضٍ من الحكومات الأوروبية لإدارة جميع مجالات حياة أبناء الجالية المسلمة فيها، ما يتيح للجماعة أن تضع نفسها على أنها “الصوت الإسلامي الرسمي في النقاشات العامة على وسائل الإعلام”، الأمر الذي يؤدي إلى تهميش القوى الأخرى المنافسة لها”. وكانت نتيجة ذلك أن المؤسسات الأوروبية أصبحت ترى جماعات الإخوان المسلمين على أنها “شريك معتدل”، بالرغم من أنها تعارض “الديمقراطية الليبرالية والقيم الغربية”.
يقول ويمرز لقد وقعت المفوضية الأوروبية -الذراع الإدارية القوية للاتحاد الأوروبي- في هذا الفخ. فهي كثيراً ما تتعامل مع الإخوان المسلمين وكأنهم ممثلو المسلمين المحليين، وقامت بصرف مبالغ طائلة مباشرة أو بشكلٍ غير مباشر للجماعة لتمكين الجماعة وأعضائها.
منظمة “الإغاثة الإسلامية العالمية” التي تربطها بجماعة الإخوان المسلمين علاقاتٌ متينة، والتي عصفت بها الفضائح تُعتبر من المستفيدين الرئيسيين من سخاء الاتحاد الأوروبي، وقد حصلت على ما يزيد على 40 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي، بحسب تقارير المفوضية الأوروبية للشفافية.
كما قدم الاتحاد الأوروبي نحو 300,000 يورو لـ”منظمة منتدى الطلبة والشباب المسلم الأوروبي”، وهي مجموعة مناهضة للإسلاموفوبيا، مقرها بروكسل وتشجع على انعزال المسلمين والفصل بين الجنسين.
منظمات أخرى تربطها علاقات بالإخوان المسلمين تلقَّت تمويلاً من الاتحاد الأوروبي، منها الجامعة الإسلامية في غزة التي تسيطر عليها منظمة حماس، ومؤسسة لقاحي ومقرها بريطانيا، ومؤسسة الاتحاد الإسلامي الإيرلندي التي حصلت على نحو 500,000 يورو لتمويل مشروع مبني على الشريعة الإسلامية لمحاربة الإرهاب في دول الاتحاد الأوروبي.
وكشف ويمرز عن جهل المسؤولين الأوروبيين بالمنظمات التي يقومون بتمويلها، وعندما توجه بالسؤال إلى مارغريتيس شيناس مفوض “تعزيز قيمنا وأسلوب حياتنا الأوروبي” عما إذا كان بإمكانه ضمان أن الاتحاد الأوروبي يقدم التمويل للمنظمات التي تدعم القيم الأوروبية فقط. أجاب شيناس “إن المفوضية الأوروبية لا تمول متشددين، بل على العكس من ذلك، فنحن نقوم بالرقابة والمراجعة الدقيقة لتمويلاتنا، وإن كان لديك دليل على عكس هذا فسأكون ممتنا إن زودتني به”.
سأل ويمرز في يناير 2022 وزير العدل الفرنسي إيريك ديبون موريتي إن كان على درايةٍ بأن المفوضية الأوربية تمول جماعات تدعو وتروج للانفصاليين الإسلاميين، فأجاب بأنه لا يعلم عن تمويلٍ كهذا، وأقسم أنه سيكون يقظاً إلى أبعد الحدود في هذا الشأن.
وأيضا سأل ويمرز وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين إن كان على استعدادٍ لمناقشة إيقاف ضخِّ أموال دافعي الضرائب للانفصاليين الإسلاميين، فأجاب بأنه سيثير الموضوع مع مدير مفوضية العدل الأوروبية دييير رايندرز. ولم يمضِ وقت طويل حتى دعَت الحكومة الفرنسية في رسالة لها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتوخي الحذر الشديد عند تمويل أي مجموعة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
في يونيو 2022 قلَّل رايندرز من المخاوف بشأن تمويل الاتحاد الأوروبي الجماعات الإسلامية. قائلا “تختار المفوضية الحاصلين على المنح بشكلٍ صارم بعد إخضاعهم لمجموعةٍ من التحريات والتدقيق بناء على معايير الموضوعية، بالإضافة إلى ذلك فإن الشروط القياسية لتقديم المنح تحدد أن يحترم المستفيدون قيم الاتحاد، مثل احترام الكرامة الإنسانية، والحريات، والديمقراطية والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، بما فيها حقوق الأقليات”.
حدثت نقطة تحول في يوليو 2022 عندما قدَّم ويمرز لشيناس دليلاً على أن الاتحاد الأوروبي يقدم تمويلاً لجماعاتٍ إسلامية، وسأله عما إذا كان يفكر بإعادة النظر. فأقر شيناس “بالحاجة لاعتماد معايير أشد صرامة في إجراءات تقديم تمويل من هذا النوع”. وتلك خطوة صغيرة إلى الأمام، ولكنها مهمة.
يرى ويمرز أن هذه الخطوة هي في الاتجاه الصحيح، يقول “من النكران والجهل إلى الإقرار بوجود مشكلة، والإعلان عن رغبة في محاربة الإسلام السياسي، لقد حدث الكثير منذ أن أثار الموضوع الديمقراطيون السويديون لأول مرة. ولن نتوقف حتى يتوقف إرسال أموال دافعي الضرائب للإسلاميين”.
نتيجة لمثابرة ويمرز، سار مشرِّعون آخرون على خطاه، ففي سبتمبر قام عضو البرلمان التشيكي، ومعه 20 من زملائه بإرسال رسالة إلى وزير الداخلية التشيكي فيت راكوشان، وممثل عن الرئيس التشيكي لدى الاتحاد الأوروبي يدعونه فيها للتقدم بمبادرة تشمل كل الاتحاد الأوروبي لوقف التمويل، ونوَّهت الرسالة بأن أعضاء من البرلمان الأوروبي قد تقدموا بسؤال المفوضية الأوروبية 42 مرة على الأقل حول الدعم المقدم لمجموعاتٍ متطرفة. وتعهد راكوشان بأن تقوم الرئاسة التشيكية بالتركيز على هذا الموضوع.
حذر تشايكوفسكي، أحد حلفاء ويمرز، من أن هدف الإخوان المسلمين هو “تقويض وتدمير الديمقراطية الغربية” وأن قيام الاتحاد بتمويل هذه الجماعة إنما هو بمثابة “السعي السخيف والمؤكد نحو التدمير الذاتي الأوروبي”.
ويرى أن “توظيف أموال الاتحاد الأوروبي لأناس غرضهم تدمير حرياتنا هو أمرٌ سخيف للغاية، لا نستطيع أن نتجاهل هذا الأمر بعد الآن، لأن مستقبل الحرية في أوروبا كلها في خطر”