انتهت رسميا في الثانية عشر من منتصف ليل أمس /الاثنين/ الموافق 31 أكتوبر، الولاية الرئاسة للرئيس اللبناني ميشال عون بعد 6 سنوات قضاها في سدة الحكم شهدت خلالها البلاد العديد من التحديات المحلية والإقليمية والدولية، لتبدأ من اليوم مرحلة شغور مقعد الرئيس الذي انتقلت صلاحياته إلى حكومة تصريف الأعمال المكونة من 24 وزيرا يترأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
بدأ عهد الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر عام 2016 ليكون الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال وذلك بعد انتخابه من قبل مجلس النواب اللبناني بأغلبية 83 صوتا من بين 127 نائبا حضروا جلسة الاقتراع في غياب نائب واحد وذلك بعد فراغ رئاسي دام لقرابة 889 يوما (أكثر من 29 شهرا) شهدت 45 جلسة نيابية مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية دون نتيجة، حتى حدثت التسوية بين الفرقاء اللبنانيين والتي أسفرت عن دعم ترشيح عون للرئاسة ليحصل على الأغلبية في الجولة الثانية للتصويت بنتيجة 83 صوتا بعدما فشل في الحصول على أغلبية الثلثين (86 صوتا) في الجولة الأولى التي عقدت في ذات اليوم.
وخلال فترة شغور مقعد رئاسة الجمهورية قبل تولي ميشال عون، أدارت حكومة رئيس الوزراء الأسبق تمام سلام شئون الدولة بعدما انتقلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، حتى تقدمت باستقالتها فور انتخاب الرئيس ميشال عون التزاما بنص الدستور.
على الصعيد الحكومي، شهدت فترة حكم الرئيس ميشال عون أطول فترات الفراغ الحكومي بوجود حكومات تصريف أعمال، حيث قدر عدد من الخبراء أن أكثر من 40% من ولاية عون كانت الحكومات تقوم بمهام تصريف الأعمال فقط وذلك نظرا للخلافات بين رؤساء الحكومات المتعاقبين والرئيس عون حول تشكيل الحكومة الذي يتطلب توقيع الرئيس ورئيس الحكومة المكلف معا.
بدأ عهد الرئيس عون مع حكومة تمّام سلام التي ظلت في مهمة تصريف الأعمال لمدة 48 يوما حين توافق عون ورئيس الحكومة المكلف آنذاك سعد الحريري على تشكيل الحكومة الجديدة من 30 وزيرا، وهي الحكومة التي تقدمت باستقالتها عقب انتخاب مجلس النواب اللبناني عام 2018، وهي أول انتخابات نيابية تجرى في البلاد منذ 9 سنوات بعد انتخابات عام 2009، حيث كان من المفترض أن تنتهي ولاية المجلس في 2013، إلا أنه مدد لنفسه 5 سنوات إضافية لاعتبارات سياسية وأمنية.
بعد الانتخابات النيابية 2018، وإجراء الاستشارات النيابية، كلّف عون للمرة الثانية في عهده سعد الحريري بتشكيل الحكومة في 24 مايو 2018. بعد أكثر من ثمانية أشهر من المفاوضات والتشاورات، تشكّلت الحكومة في 31 يناير 2019 وضمّت جميع الأحزاب السياسية في البرلمان باستثناء الكتائب، ونالت الحكومة في 15 فبراير 2019 الثقة من مجلس النواب.
وفي 17 أكتوبر 2019، اندلعت مظاهرات واسعة في البلاد احتجاجًا على الضرائب المقررة على البنزين والتبغ والمكالمات عبر الإنترنت، وسرعان ما امتدت لتطالب باستقالة الحكومة ورئيس الجمهورية بالإضافة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وتشكيل حكومة متخصصين ومستقلين تقوم بإجراء إصلاحات لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى محاربة الفساد والبطالة وتغيير النظام السياسي اللبناني المبني على الطائفية، وهو ما دفع حكومة الحريري للاستقالة في 29 أكتوبر واستمرت في تصريف الأعمال لمدة تناهز الـ3 أشهر حتى تشكلت حكومة الدكتور حسان دياب في 21 يناير 2020، والتي تقدمت باستقالتها في العاشر من شهر أغسطس من العام ذاته بعد كارثة انفجار ميناء بيروت البحري، وظلت في مهمة تصريف الأعمال لمدة 13 شهرا وهي أطول فترة تصريف أعمال في تاريخ لبنان.
وخلال فترة تصريف الأعمال تم تكليف السفير مصطفى أديب بتشكيل الحكومة واعتذر بعد شهر، ثم تم تكليف سعد الحريري واعتذر بعد 9 أشهر للخلافات بينه وبين رئيس الجمهورية حول التشكيل ثم تم تكليف نجيب ميقاتي والذي شكل الحكومة في 10 سبتمبر من العام الماضي حتى تقدمت الحكومة باستقالتها في 21 مايو الماضي بعد انتخاب مجلس نواب جديد واستمرت في تصريف الأعمال حتى نهاية عهد عون رغم إعادة تكليف ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة حالت الخلافات بينه وبين عون دون ظهورها للنور.
وأمنيا، بدأ عون عهده عام 2016 وسط مخاطر متنامية للإرهاب وتواجد تنظيم داعش، فخاض الجيش اللبناني في عام 2017 معركة كبيرة باسم "فجر الجرود" والتي أطلقها قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون لمواجهة إرهابيي داعش في جرود رأس بعلبك – القاع، وقام الجيش بتدميرهم لاستعادة الأرض والانتشار على الحدود، وذلك وفق خطة محكمة وضعتها قيادة الجيش.
ونيابيا، شهد عهد عون إقرار قانون الانتخابات النيابية الجديد والذي كرس الطائفية ووزع المقاعد على أساس طائفي بواقع 64 مقعدا لطوائف المسلمين (سنة وشيعة ودروز وعلويين) و64 مقعدا للمسيحيين (مارونيين وروم أرثوذكس وكاثوليك وإنجيليين وأرمن كاثوليك وأرثوذكس وأقليات)، وعلى أساسه أجريت الانتخابات مرتين عامي 2018 و2022، وذلك بعدما مدد المجلس لنفسه منذ عام 2009 وحتى عام 2017.
كان حراك 17 أكتوبر عام 2019 نقطة تحول هامة في ولاية الرئيس عون، حيث خرج عشرات الآلاف من المواطنين في مختلف أنجاء البلاد مطالبين بالتغيير تحت شعار "كلن يعني كلن" في إشارة إلى المطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة بشكل كامل، رغم أن الدعوة الأساسية للمظاهرات كانت احتجاجا على فرض ضريبة على المكالمات عبر تطبيق واتساب.
وكشفت المظاهرات حجم الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، حيث سرعان ما انهار سعر صرف الليرة في السوق غير الرسمية ليصل إلى 4 أضعاف سعر الصرف الرسمي (سعر الصرف الرسمي حتى اليوم 1500 ليرة لكل دولار)، حتى فقدت الليرة اليوم أكثر من 90 % من قيمتها. كما امتنعت البنوك عن رد أموال المودعين بالعملات الأجنبية وسط انهيار مالي واقتصادي حاد وخسائر فادحة لم تتحدد المسئوليات عنه حتى اليوم. وانعكس ذلك بشكل كامل على الأوضاع المعيشية والحياتية حيث تراجعت قيم الأجور بنسب تجاوزت الـ 90 %، كما تراجعت إمدادات الطاقة الكهربائية وشهدت البلاد أسوأ أزمة معيشية في تاريخها في ظل الأزمة الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي من بين أسوأ 3 أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
وواجه عون خلال فترة ولايته تحديات صحية بدأت بانتشار وباء كورونا حيث أعلن حالة الطوارئ الصحية والتعبئة العامة في لبنان وتم إغلاق المطار أجواءه أمام حركة الملاحة الجوية وفرض حظر تجول بين السابعة مساءً والخامسة صباحًا مع إلغاء الامتحانات الرسمية وعدد من الإجراءات التي عطلت أغلب مظاهر الحياة في البلاد أسوة بما حدث في أغلب مناطق العالم، وهو ما انعكس تزامنه مع الأزمات المالية والاقتصادية على الأمن الغذائي والدوائي في البلاد من حيث النقص في السلع الأساسية والأدوية وبخاصة أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة. ودفعت الأوضاع في البلاد آلاف من المواطنين إلى الهجرة ومغادرة البلاد.
ولم تكد أزمة كورونا ترفع أوزارها عن لبنان، حتى ظهر في الخامس من الشهر الجاري وباء الكوليرا الذي تجاوز عدد الإصابات المؤكدة والمشتبه بها حتى اليوم 1700 حالة وحوالي 18 حالة وفاة وسط مخاوف من توطن الوباء في البلاد بسبب التدهور الشديد في البنية التحتية وخصوصا في قطاعات مياه الشرب والري والصرف الصحي بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء الحكومية عن عموم البلاد منذ أكثر من شهرين ولا تصل إلا لمناطق محدودة وبساعات محددة باستثناء عدد من المنشآت مثل المطار، فيما يضطر السكان إلى مولدات الكهرباء الخاصة أو التجارية بأسعار باهظة.
وفي 4 أغسطس 2020، تفاقمت الأزمات بعد انفجار 2750 طن من مادة نترات الأمونيوم كانت مخزنة في العنبر 12 في ميناء بيروت البحري، ما خلف نتائج كارثية على لبنان حيث أدّى الانفجار إلى وفاة أكثر من 220 بين لبناني وأجنبي، وأكثر من 6500 مصاب، كما خسرت آلاف العائلات منازلها. وقدّر حجم الخسائر الماديّة بأكثر من 15 مليار دولار أمريكي.
تفاقمت الأزمات في عام 2021، حيث مضى من العام 8 شهور تحت حكومة تصريف أعمال عجزت خلالها عن توفير الكهرباء والوقود وامتدت الطوابير لعدة كيلومترات أمام محطات الوقود، كما تفاقمت أيضا أزمة الدواء والعلاج إلى جانب الأزمات المعيشية الحادة. فيما شهدت البلاد أحداثا أمنية كبرى أبرزها أحداث خالدة جنوبي العاصمة والتي راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى وأحداث الطيونة بالعاصمة بيروت والتي أعادت للأذهان مشاهد الحرب الأهلية التي أنهاها اتفاق الطائف عام 1989.
وشهد العام الأخير من ولاية عون انفراجه في عدد من الملفات في ظل وجود حكومة ميقاتي، حيث أجريت الانتخابات النيابية خلفا لكثير من التوقعات التي رأت صعوبة اجرائها في ظل الظروف الحالية، كما تم التوصل إلى اتفاق مبدئي على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل ضمن خطة للإصلاح الاقتصادي والتعافي في لبنان، إلا أن ما تم الاتفاق عليه لم يتحقق أغلبه حتى نهاية عهد الرئيس عون، حيث كانت أغلب مطالب الصندوق تتعلق بإصلاحات تشريعية تمهد لإصلاحات على أرض الواقع. وقبل أيام من نهاية العهد، تم التوصل لاتفاق تاريخي مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يتيح للبنان بالتنقيب عن البترول والغاز في مياهه الإقليمية.
خرج عون من القصر الرئاسي أمس الأول الأحد بين حشد من مناصريه مثيرا أزمة جديدة بتوقيع مرسوم بقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي في محاولة للحيلوية دون انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال رغم أن الفرصة كانت سانحه لأكثر من 4 اشهر للاتفاق بينه وبين رئيس الحكومة المكلف لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، إلا أن الخلافات بينه وبين ميقاتي عطلت هذا الأمر وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول المسئولية عن التعطيل، إذ رأى عون أن رئيس الحكومة لا يرغب في التأليف، بينما أكد ميقاتي أن رئيس الجمهورية وخلفه رئيس التيار الوطني الحر (الفريق السياسي لرئيس الجمهورية برئاسة صهر الرئيس النائب جبران باسيل) يضع شروطا تعجيزية لتشكيل الحكومة ليضمن السيطرة عليها والتحكم في قراراتها خلال الفترة التي تنتهي فيها ولاية رئيس الجمهورية ليتحكم التيار في صلاحيات رئيس الجمهورية حتى بعد انتهاء ولاية عون.