ظهرت المسيحية في القرن الأول الميلادي، حيث كان معظم سكان العراق يعتنقون المسيحية، وبعض منهم اليهودية والمجوسية والمانوية وعبادة الأوثان، وبعد دخول المسلمين للعراق تضاءلت أعداد المسيحيين بشكل كبير على مدى عدة قرون لأسباب عديدة منها فرض الجزية واعتناق الناس الإسلام.
بعد الغزو الأمريكي
شهدت كنيسة «سيدة النجاة» هجوما قامت به منظمة دولة العراق الإسلامية عام 2010، وانتهت الحادثة بتفجير المسلحين لأنفسهم وقتل وجرح المئات ممن كانوا بداخل الكنيسة.
منذ بدء حرب العراق عام 2003 حصل عنف طائفي بين الأغلبيّة الشيعيّة والأقلية السُنيّة في البلاد بين عام 2006 وعام 2008، وسبب انتشار الميليشيات العسكرية والتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في البلد واستهدفت المسيحيين، إلى تأزم الوضع الإنساني في العراق بصورة كبيرة حتى أن لجنة الصليب الأحمر الدولي وصفته في مارس 2008 بأنه الوضع الإنساني الأسوأ في العالم.
ضمن هذا الإطار تَرَدَّتْ أيضًا أوضاع المسيحيين بشكل كبير، حيث أشار تقرير نشره موقع «بي بي سي» العربي إلى أن قرابة نصف المسيحيين العراقيين والمقدر عددهم بـ800 ألف نسمة قد فَرُّوا إلى الخارج بسبب أحداث العنف، حيث تعرض قسم منهم لأحداث إجرامية كالخطف والتعذيب والقتل، وتكررت بشكل خاص حوادث اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي.
في 28 يوليو من عام 2014، أعلن وزيرا الخارجية والداخلية الفرنسيان لوران فابيوس وبرنار كازنوف، عن استعداد فرنسا لتسهيل استقبال مسيحيي العراق المعرضين للاضطهاد من الجهاديين، ومع بداية صوم العذراء في 1 أغسطس 2004 تعرضت خمس كنائس للتفجير سويّة، مسلسل تفجير الكنائس لم يتوقف بل استمر وتطور بحيث شمل محلات بيع المشروبات الكحولية والموسيقى والأزياء وصالونات التجميل، وذلك بهدف إغلاق أمثال هذه المحلات، كذلك تعرضت النساء المسيحيات إلى التهديد إذا لم يقمن بتغطية رءوسهن على الطريقة الإسلامية، وحدثت عمليات اغتيالٍ لعدد من المسيحيين بشكل عشوائي.
في عصر 31 أكتوبر 2010 اقتحم مسلحون تابعون لمنظمة دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كنيسة سيدة النجاة للسُريان الكاثوليك بالكرادة في بغداد أثناء أداء مراسيم القداس، انتهت الحادثة بتفجير المسلحين لأنفسهم وقتل وجرح المئات ممن كانوا بداخل الكنيسة، وفي يوم 10 يونيو من عام 2014 سقطت كامل محافظة نينوى تقريبًا في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وفي غضون 24 ساعة هاجر نصف مليون شخص من المدينة. ثم لاحقًا أعطى التنظيم مهلة للمسيحيين حتى 19 يوليو لترك المحافظة أو دفع الجزية أو اعتناق الإسلام.
أعقب ذلك أكبر هجرة من نوعها للمسيحيين في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى، وأصبحت مدينة الموصل خالية من المسيحيين لأول مرة في تاريخها. لاحقًا أحرقت كنيسة عمرها 1836 عامًا من قبل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وفي عام 2018 أشارت تقارير مختلفة إلى عودة العائلات المسيحية إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى، وشهدت الكنائس في المنطقة أول قدس بمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية بعد انقطاع سبعة أعوام.
في يوليو 2019، أكد تقرير لصحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية أن محافظة نينوى في شمال العراق تشهد محاولات تطهير عرقي واضطهاد للمسيحيين على أيدي ميليشيات شيعية مدعومة من إيران بُغية إحلال الشيعة محلهم، وفي أكتوبر من نفس العام، أشار خالد جمال المدير العام لشئون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشئون الدينية بإقليم كردستان، أنه من أصل 1.8 مليون مسيحي في العراق وإقليم كردستان، لم يبق في عام 2019 غير 300 ألف، حيث هاجر 1.5 مليون مسيحي إلى أوروبا وأمريكا والدول المجاورة للعراق.
التنوع المذهبي والعرقي للمسيحيين
من ناحية الأصول التاريخية والجغرافية والمذهبية، ينقسم المسيحيون العراقيون إلى خمس مجموعات رئيسية:
الكلدان الكاثوليك: وهم يشكلون القسم الأكبر من المسيحيين العراقيين، ويقطن غالبيتهم في بلدات الموصل وعموم شمال العراق، مثل تلكيف والقوش وعينكاوا. كما أن لهم حضورا واضحا في بغداد والبصرة، وكان الكلدان في الأصل على المذهب النسطوري حتى القرن التاسع عشر، ولكنهم تحولوا إلى الكاثوليكية بتأثير عمليات التبشير الأوروبية، ويتكلمون بلهجة خاصة قريبة إلى السُريانية العراقية الفصحى.
الآشوريون النساطرة: وهم من أتباع الكنيسة النسطورية العراقية، وغالبيتهم قد نزحت إلى العراق من المناطق المحاذية للموصل في جنوب تركيا، والتابعة تاريخيًّا وسكانيًّا إلى بلاد النهرين. لكنهم اضطروا إلى النزوح بعد المذابح التي تعرضوا لها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على أيادي الآغوات الأكراد والعسكر الأتراك، والتي كلفتهم مئات الآلاف من القتلى والمشردين، وكذلك كلفت الأرمن في العراق معهم حوالي مليون ضحية، ويختلف الآثوريون عن الكلدان من ناحية المذهب، وكذلك من ناحية طبيعتهم الجبلية، بالإضافة إلى لهجتم الخاصة المشتقة أيضًا من السُريانية، وهنالك من يعتقد أن تسمية الآثوريين ليس لها علاقة بالآشوريين، بل هي مشتقة من التورانيين أي الجبليين بالسُريانية.
السُريان الأرثوذكس «اليعاقبة»: وهم أتباع الكنيسة السورية، ويقطنون في مدينة الموصل ويشكلون عمومًا نخبة حضرية متميزة، وبعضهم تحول إلى الكاثوليكية في القرن التاسع عشر، وسموا أنفسهم السريان الكاثوليكية.
الأرمن: ويعود أصلهم إلى بلاد أرمينيا في منطقة القفقاس التي تقع جغرفيًّا عند أعالي بلاد النهرين، ومنها ينبع نهرا دجلة والفرات، وقد ظل الأرمن على علاقة تاريخية عميقة مع العراق وظلت هجراتهم إليه طيلة التاريخ، وأُجبِروا على الهجرة وانتشروا في سوريا وأقطار المشرق العربي ومنها العراق، وكان عدد من دخل منهم العراق 350.000 ألف نسمة، لكنهم مع الزمن قد هاجروا إلى الخارج، ولم يتبق منهم غير بضعة عشرات من الآلاف يقطنون في الموصل وبغداد والبصرة، وينتمي القسم الأكبر منهم إلى المذهب الأرثوذكسي، وقليل منهم إلى المذهب الكاثوليكي.
أتباع الكنائس البروتستانتية: وهم عدة كنائس مختلفة، مثل الكنيسة الإنجيلية، وهم عمومًا من السُريان العراقيين الذين تحولوا إلى البروتستانتية في العصر الحديث، بتأثير الكنائس البروتستانتية الإنكليزية والأمريكية، وهم أقلية من النخب المدنيَّة الفكرية المتميزة في الموصل وبغداد.
التوزيع الطائفي
يتوزع مسيحيو العراق على عدة كنائس تنتمي إلى عدة طوائف تتبع طقوسًا مختلفة. أكبر الطوائف المسيحية في العراق هي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ومع ذلك تُشكل كنيسة المشرق الآشورية جزءًا مهمًا في التركيبة السكانية، وفقًا لتقرير نشره مكتب دعم اللجوء الأوروبي عام 2019 كان حوالي 67% من مجمل المسيحيين العراقيين أعضاء في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وكان حوالي 20% أعضاء في كنيسة المشرق الآشورية.
أمّا النسبة الباقية فكانت تتشكل من السُريان الأرثوذكس، والسُريان الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس والبروتستانت وطوائف مسيحيَّة أخرى، وبحسب التقرير هناك ما يقرب من 3000 إنجيلي في إقليم كوردستان العراق، ويتوزع المسيحيون في العراق على الطوائف التالية:
أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية؛ وهم أكبر الطوائف المسيحية عددًا في العراق
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
الكنيسة السريانية الكاثوليكية
الكنيسة الرسولية الأرمنية وهم غالبية أرمن العراق
الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية
كنيسة المشرق القديمة
كنيسة المشرق الآشورية أو الكنيسة الآشورية
الروم الكاثوليك
الروم الأرثوذكس
الطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية
الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآشورية
طائفة الأدفنتست السبتيين
طائفة اللاتين الكاثوليك
طائفة الأقباط الأرثوذكس «وهم من الجالية المصرية في العراق»
الكاثوليك في العراق
الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هي كنيسة شرقية، وكاثوليكية، تعتبر الكنيسة أيضًا من دوحة التراث السرياني تاريخيًا وطقسيًا وثقافيًا، أما إيمانيًا، فهي جزء من الكنيسة الكاثوليكية التي تقرّ بسيادة البابا، وهي جزء من الكنائس الكاثوليكية الشرقية منذ عام 1552 أو 1830، وتعتبر الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كبرى الطوائف المسيحية في العراق، وتصل أعداد أتباع المذهب الكلداني إلى حوالي 640.828 شخص في عام 2017، ويتواجد معظمهم في شمال العراق، مع وجود أعداد أقل في المناطق المجاورة في شمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا وشمال غرب إيران، وهي الموطن التاريخي آشور القديمة.
هناك أيضًا العديد من الكلدان في الشتات في العالم الغربي. قبل حرب الخليج الثانية، بلغ عدد الكلدان الكاثوليك ما يقرب من 400.000 نسمة من أصل 800.000 إلى مليون مسيحي آشوري، وخلال حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وصل عدد من الكلدان إلى مناصب سياسية حساسة أبرزهم طارق عزيز الذي شغل منصب منصب وزير الخارجية في الفتة من 1983 إلى 1991 ونائب رئيس مجلس الوزراء.
أدى الاضطهاد الديني والعرقي والأوضاع الاقتصادية السيئة بعد غزو العراق في عام 2003، إلى هجرة كبيرة للكلدان، وفرّ ما لا يقل عن 20.000 منهم عبر لبنان طلبًا لإعادة التوطين في أوروبا والولايات المتحدة. في عام 2016 قُدرت أعداد الكلدان المتبقين في العراق بحوالي 241.471 نسمة، ويتوزعون على 17 أبرشية كلدانية. تضم بغداد على أكبر تجمع سكاني للكلدان مع حوالي 150.000 نسمة في عام 2016 «بالمقارنة مع 325.000 نسمة عام 1990»، تليها منطقة أربيل مع حوالي 34.900 نسمة، ومنطقة زاخو والعمادية مع حوالي 18.800 نسمة، ومنطقة ألقوش مع حوالي 17.500، ومنطقة الموصل مع حوالي 14.100 نسمة.
يذكر أن أبرشية الموصل كانت تضم على ثاني أكبر تجمع كلداني في البلاد، لكن أدّى تفريغ الموصل من المسيحيين بعد سيطرة قوات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في يوم 10 يونيو 2014 إلى تهجير العديد منهم.
توجد في العراق حضور لعدد من الكنائس الكاثوليكية الشرقية الأخرى أكبرها الكنيسة السُريانية الكاثوليكية وهي كنيسة شرقية، وكاثوليكية، وتعتبر الكنيسة أيضًا من دوحة التراث السُرياني تاريخيًا وطقسيًا وثقافيًا، أما إيمانيًا، فهي جزء من الكنيسة الكاثوليكية التي تقرّ بسيادة البابا، وهي جزء من الكنائس الكاثوليكية الشرقية منذ عام 1781.
في عام 2016 قدرت أعداد السُريان الكاثوليك بحوالي 50.000 نسمة، أما الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية هي كنيسة شرقية، وكاثوليكية، تعتبر الكنيسة أيضًا من دوحة التراث الأرمني تاريخيًا وطقسيًا وثقافيًا، أما إيمانيًا، فهي جزء من الكنيسة الكاثوليكية التي تقرّ بسيادة البابا، وهي جزء من الكنائس الكاثوليكية الشرقية منذ عام 1742، وقدرت أعداد الأرمن الكاثوليك في العراق بحوالي 1.800 نسمة، ويتركزون بشكل رئيسي في العاصمة بغداد.
تضم العراق على مجتمع صغير من أتباع كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، كما يضم المجتمع الكاثوليكي العراقي على أقلية من تركمان العراق، تُقدّر أعدادها بحوالي 30.000 نسمة، وتقطن في مدينة كركوك بشكل خاص.