الإثنين 16 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

الأمير المظلوم.. "بهاء الدين قراقوش" العبقرية التي قسى عليها التاريخ

بهاء الدين قراقوش
بهاء الدين قراقوش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"قراقوش" اسم تردد على ألسنة المصريين منذ ما يقارب من ألف عام ، وهو اسم يطلق كنايةً عن الظلم في التاريخ العربي، وقد نسبت هذه العبارة إلى الأمير بهاء الدين قراقوش ، وقليل من المؤرخين الذين اهتموا برفع الظلم عن هذا الرجل، والذي يعد أحد كبار المهندسين والبنائين في تاريخ الإسلام .

والغريب أن كل ما تردد من تراث مغلوط وسمعة سيئة نعتت قراقوش بالظلم والاستبداد سببها كتاب وضعه أحد الموتورين من منافسي قراقوش وخصومه الحاقدين في عصره و هو ابن مماتي، الذي كتب عنه كتاب : “الفاشوش في معرفة أخبار قراقوش”، وقد ملأه بالادعاءات الظالمة التي نسبها إلى الأمير قراقوش ، وقد وصفه بالغفلة والحماقة والبطش والاستبداد ، والتي سرعان ما انتشرت على ألسنة العامة داخل وخارج مصر. 

وُلد قراقوش بآسيا الصغرى وهو رومي النسب ، خدم أسد الدين شيركوه القائد العسكري في جيش عماد الدين آل زنكي ، ثم في جيش نور الدين محمود، وقد دخل قراقوش مصر في جيش أسد الدين شيركوه ، وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في تلك الفترة التي شهدت انهيار الدولة الفاطمية ونذر قيام الدولة الأيوبية. 


وقراقوش هو “بهاء الدين بن عبد الله الأسدي”، وسمي بالأسدي نسبة إلى أسد الدين شيركوه قائده ، ومعنى “قراقوش” بالتركية النسر الأسود ، وكان قراقوش ضلعًا في مثلث ارتكزت عليه الدولة الأيوبية في مصر، الضلع الأول هو الفقيه عيسى المهكاري ، والضلع الثاني هو القاضي الفاضل ، والضلع الثالث هو القائد العسكري قراقوش .

وبينما كانت الدولة الفاطمية ذات صبغة مدنية ، واهتمت بإنشاء الدواوين المتعدِّدة ، فإن الدولة الأيوبية كانت ذات صبغة عسكرية، وذلك لظروف مواجهتها لخطر الغزو الأوروبي متمثلاً في جيوش الفرنجة ، لذا اهتمَّ صلاح الدين بالتجهيزات العسكرية من مدِّ الجسور ، وبناء القلاع والحصون وإنشاء الأسوار ، وهي مجالات كان لقراقوش باع طويل فيها.

 وعندما مات الخليفة الفاطمي العاضد كان صلاح الدين قد انتهى من قطع اسمه من الخطبة وذكر اسم الخليفة العباسي بدلاً منه ، وتولى صلاح الدين يوسف الأيوبي الحكم رسميًّا ، وقد حوى القصر الفاطمي كنوزًا هائلة ، خشي صلاح الدين عليها من النهب ، فاختار صلاح الدين قراقوش متوليًا على القصر للحفاظ على خزائنه.

 

وتألق نجم قراقوش في ظلِّ قيادة صلاح الدين التاريخية وكان له دورا هاما في تلك الحقبة من التاريخ ، وكان لقراقوش أعمال عسكرية هامة يمكن تقسيمها إلى ثلاث نواح رئيسية :
1- إقامة قلعة الجبل “قلعة صلاح الدين الايوبي” فوق المقطم، التي ظلَّت مقرًّا للحكم في القاهرة حتى عهد محمد علي ، إلى أن استبدل بها الخديو إسماعيل مقرًّا آخر للحكم ، كما أتبعها ببناء قلعة المقسي ، وهي برج كبير بناه قراقوش على النيل ، وبنى بالقرب منه أبراجًا أخرى ، على طراز الأبراج الفرنجية لا الفاطمية ، التي وجدها أقوى وأكثر تقدُّمًا .
2- سور القاهرة : بعد الانتهاء من بناء القلعتين ، قام قراقوش ببناء سور كبير يحيط بالجيزة ناحية الصحراء الغربية من أحجار الأهرامات ، ثم بني سورًا يحيط بالقاهرة ، وبناه من حجارة الأهرامات الصغيرة والمقطم ، وحفر فيه بئرًا وضم مسجدًا . وهذا السور هو السور الثالث الذي أحاط بالقاهرة بعد سور جوهر الصقلي مؤسس القاهرة ، وسور بدر الدين الجمالي الأمير الفاطمي ، وكان السوران من اللَّبِن وليس من الحجارة .
3- سور عكا : فقد استردَّ صلاح الدين عكا بعد بيت المقدس من أيدي الفرنجة ، وتهدَّم سور المدينة من الحصار، وترك لقراقوش مهمة إعادة بناء السور المتهدم ، ومضى ليحرِّر الحصون الأخرى من الفرنجة ، وعكف قراقوش على عمله بجد وعزيمة ، وهو يدرك أهمية هذا العمل في تحرير الأرض العربية من أيدي المغتصبين ، ولكن الفرنجة في محاولة يائسة ، قرروا لمَّ شتاتهم في المنطقة والقيام بعملية التفاف حول قوات المسلمين ، وحاصروا عكا حتى يشتتوا تركيز صلاح الدين ، واستمر الحصار عامين ، وقراقوش يقود المقاومة والصمود داخل المدينة المحاصرة ، حتى غلبهم الجوع والوباء وإمدادات الفرنجة التي أتت من البحر ، لتقع عكا في أيديهم ، ويقع من فيها أسرى وقتلى وجرحى، وأُسِرَ قراقوش نفسه حتى أُفرج عنه في الصلح عام 1192م .

بعد وفاة صلاح الدين ، عمل قراقوش في خدمة العزيز ، وقد أحبط مؤامرة العادل لخلع العزيز بالله بالاتفاق مع قائد أكبر قوات العزيز ، وهو حسام الدين أبو الهيجاء السمين زعيم الأسدية الذي انسحب بقواته من الشام ، وكشف ظهر العزيز بالله ، ولكن قراقوش أحبط محاولة الانقلاب على العزيز بالقاهرة ، وبعد وفاة العزيز تولَّى المنصور وسنه تسع سنوات ، وأصبح قراقوش وصيًّا على العرش ، وعندما انقسم الصلاحية والأسدية واستعانوا بالملك الأفضل عم المنصور ، تنازل قراقوش له عن الوصاية ، ولكن مؤامرات العادل استمرت، وظلت أطماعه في الشام صوب عرش القاهرة ، وعزم على الإغارة على القاهرة ، فلما تبين الأفضل أطماع عمه العادل، جمع قواده وعرض عليهم الأمر ، فقال له الأمير بهاء الدين قراقوش في تصميم : "لا تخف يا مولاي ، فنحن جندك وجند أبيك من قبلك ، مرني أحفظ لك قلعة الجبل ، ثم مرني أحفر لك ما بقي من سور البلد ، ثم مرني أتعمق الحفر ، حتى أصل إلى الصخر ، وأن أجعل التراب على حافة الحفر ، فيبدو كأنه حائط آخر ، ودعني أفعل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقسي، وبذلك لا يبقى لمصر طريق إلا من بابها الذي يصعب أن يفتحه العدو"، ولكن العادل استولى على مصر ، وفَرّ الأفضل من وجهه إلى الشام ، وخلع العادل المنصور ونصب نفسه واليًا .
تواري قراقوش في الظل حتى وافته المنية عام 1200م بعد حياة حافلة بالعطاء والإخلاص ... والآن وبعد ان عرفنا تاريخ قراقوش الذي ظلمه البعض ، بإدعاءات كاذبة فلا نملك الا ان نقول رحم الله الامير بهاء الدين قراقوش .