الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رحيل الديب لتلتقى روحه بروح روحه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رحل الأستاذ وتلك الأستاذية حق له اكتسبه بإتقان عمله وسهر لياليه، هو أحد عشاق القانون الذين وقعوا فى شباكه حين دبت أقدامهم كلية الحقوق. فأحبه وأخلص له وبادله القانون الحب ونقله إلى مصاف الفقهاء..فهو معلم وفقيه وفخر للمحاماة المصرية والعربية وربما العالمية، هو المثير للجدل والذى يترفع ولا يعنيه جدل المجادلين!..كل من يعرفه يعرف أنه شعلة ذكاء، ويلاحظ من يجالسه أن جسده يجلس فى المكان ولكن عقله يسبح فى قضاياه!..فكثيرا ما يمر بعقله نقطة ما، فيترك الجالسين أو يترك طعامه أو أيا ما كان، ويسجل الخاطرة، أو يفتح مرجع لتأكيد فكرة ما، أو يعود لكتاب الله ليأتى ببرهان، لم تكن حياته نمطية سهلة أو هادئة وساكنة، فلكل قضية طرفى خيط أحدهما سوف يشعر بالجور فى مكسب الأستاذ لقضاياه..هو قليل الصبر كثير العمل، تشعر مكتبه كالمحراب له قدسية ورهبة.

 ولد الأستاذ فى حى القلعة فى ٢٣ أكتوبر ١٩٤٣، أيام كان من أرقى وأعرق أحياء القاهرة، فى بيت جده  الرجل الثرى حسن الديب، متعدد الزوجات كثير الأبناء، فجده تزوج كثيرا وأنجب أكثر..نشأ فى بيت العائلة، وهو البيت الذى يشبه بيت السيد أحمد عبد الجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ، وكما سمعت من جدتى أن الكاتب الكبير/نجيب محفوظ كان صديقا لأخيها الشاعر المبدع/عباس الديب فى شبابهما، وكانت كثيرا ما تراه، وأنه اقتبس الكثير من شخصية أبيها ووضعه فى شخصية سى السيد..ولأن الشعراء لا يحتملون الأقفاص وإن كانت من الذهب الخالص، انتقل من بيت أبيه  بيت العائلة، ومن تحكم وديكتاورية الأب التى يعامل بها أبنائه وزوجاتهم!..ففر إلى الحرية مضحيا بنعيم الديكتاتور. كان والد فريد  محبا للحرية والانطلاق، فأخذ زوجته الجميلة واعتمد على نفسه فى بناء أسرته، وأنجب خمسة أولاد وأربع بنات، أحسن تربيتهم وتأديبهم بصورة ملفتة لمن يراهم حوله، كان رحمة الله عليه قمة الحنان ومنتهى الشدة، يأمر يطاع، فتح الله عليه أبواب الأنوار وانهال عليه شعر المحبة والعشق لله والرسول، ودأب على عمل الحضرات الأسبوعية والولائم فى الإحتفال بالليلة المحمدية..

كان الشاعر عباس الديب أقرب أصدقاء إبنه فريد، وكان يحترمه ويوقره فوق ما يتخيل أحد، وكان موته كسرة كبيرة لقلبه وروحه، فكان نعم الإبن البار بوالديه، أما أكبر نعم الله عليه ومن حسن حظه زواجه من السيدة الفاضلة/خليدة عبد السلام قريبته وزميلته وشريكة الحياة بكل حلوها ومرها، هى قدوة ونموذج للزوجة والأم والإنسانة الرقيقة الراقية، فهى خير متاع الدنيا التى من بها الله على فريد الديب، أنجب منها إبنتيه وقرة عينيه أستاذة القانون دكتورة/إيمان، ودلوعة أبيها خفيفة الظل دارسة القانون الإعلامية/حنان..كان رحمة الله عليه نعم الأب لإبنتيه، لم يبخل عليهن بشىء كان ما كان، ويتابعهن عن طريق صمام أمان بيته، زوجته الجميلة الصبورة.. مر فريد الديب بالكثير من الانتصارات والانكسارات، ولكن كان دائما قويا حائط صد أمام أى أزمة أو مشكلة، إلى أن جاء الانكسار الأكبر والذى يعد موته قبل إنتهاء أجله، حين فقد ابنته دكتورة/إيمان بعد إصابتها بفيروس كورونا وتمام شفائها منه!.. لتحدث مفاجأة كبيرة بانتكاس الحالة بسبب متاعب بالرئة لم تمهلها ساعات!..رغم خضوعها لمتابعة الأطباء وإقامتها بالمستشفى!..كان موتها صادما لكل أهلها وكل من يعرفها، وكان مريرا على قلب أمها التى حباها الله بالإيمان والصبر، ولكنه كان قاتلا لأبيها ولم يقو عليه!..لم يستطع أن يصبر على هذه المحنة الشديدة، وخاصة أن إبنته البكرية كانت تحمل هموم الأسرة وتتابع دقائق حياة والديها وشقيقتها، بجانب المسؤوليات العائلية والمجتمعية، وكما يقال انكسر جوانا شىء، ولكن انكسر فى فريد الديب كل شىء!..ما عاد يحب الحياة، أصبح لديه شوق للعالم الآخر، ولأنه مريض ازداد عليه المرض وضعفت مناعته!..وبعد مضى عام على وفاتها وفى شهر مولده مع عيد ميلاده التاسع والسبعون إنتقل إلى الرفيق الأعلى وكما كتبت أمى:(اليوم استراح الجسد المنهك بعد غياب الروح بغياب إبنته إيمان فريد..اليوم لقاء روحه بروح روحه إبنته وقرة عينيه ولقاء والديه وإخوته وأحبائه)..مات شيخ المحامين وأسد المحاماة ومازال يثير الجدل في ملفات مختلفة؛ منها النقد واللوم الذي تعرض له لدفاعه عن جاسوس، على الرغم من تبريره ذلك بالرغبة في ضحد حجج أعداء الأمة بالتشيك فى القضاء المصرى بعد صدور حكم الإدانة، ووأيضًا ما صاحب دفاعه عن الرئيس مبارك وأسرته، أو اقتران اسمه بدعوات الدفاع عن الشاب/محمد عادل قاتل الشهيدة نيرة زميلته بالجامعة، على الرغم من تبرير ذلك بأنه نقض الحكم فقط ولم يدافع عن مجرم وكل ما أراده حماية محكمة النقض وقضاتها المبجلين من أى شائبة..فريد الديب كان حريصًا دائمًا على ألا يخطىء، ولكنه حكم ضميره بألا يقبل الخطأ..فالساكت عن الحق شيطان أخرس!..وأعتقد أن الهدف واضح وهو المصلحة العامة ولا يعنيه إعدام المجرم من عدمه..أسباب دفاعه قانونية، فهو يدافع عن مبادىء القانون التى لا يقبل أى إخلال بها، والتى تعتمد على الدراسة والخبرة العملية المكتسبة من الممارسات الطويلة، دفاعه غيرة على محكمة النقض وحماية للقانون الذى يعشقه..رحم الله فريد الديب أسد المحاماة وشيخ المحامين والذى سيظل أسطورة تتعلم من مرافعاته أجيال تلو الأجيال.