ناقش المفكر والاجتماعي الكبير السيد ياسين، أزمات وجرائم جماعات الإسلام السياسي، ونجح في كشف مشروعهم التكفيري وما يتصل به من عمليات إرهابية تستهدف تخويف المواطنين وتخريب الاقتصاد بالإضافة لهز الاستقرار السياسي، لاتصالهم بشبكات تمويل خارجية.
ياسين، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم الأحد، حيث ولد في 3 سبتمبر 1933م، تطرق لعدد من القضايا المهمة التي مازالت تشغل بال المواطن حتى الحظة الراهنة ضمن كتابه "أسئلة القرن الحادي والعشرين" والذي ضم عددا من المقالات التي نشرها في الصحف في وقت سابق.
المشروع التكفيري ودوي القنابل
أكد "ياسين" في مقال له بعنوان "أزمة المشروع الإسلامي المعاصر" - (نشر في يونيو من العام 1994)، أن جماعات الإسلام السياسي فقدت فرصة الحوار مع المجتمع ومع السلطة السياسية في مصر آنذاك لما تؤمن به من مشروع تكفيري قائم على القتل والعنف.
وقال "ياسين": إمكانية الحوار مع التيار الإسلامي، في مصر على الأقل، قد ضاعت بعد أن علا صخب موجات الإرهاب الإجرامي، وارتفع دوي القنابل، وطلقات الرصاص التي لم توجه فقط إلى رموز السلطة أو الكتاب والمثقفين العلمانيين ولكنها وجهت في الواقع إلى صدر الوطن ذاته متعمدة تخريب اقتصاده وزعزعة أمنه واستقراره.
وحول المشروع التكفيري الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، أوضح "ياسين" أن المشروع حاضر في الساحة بحكم شيوع أفكاره المتطرفة لدى جماعات إسلامية متعددة.
ولفت "ياسين" إلى مصدر هذا المشروع التكفيري، إذ أنه خرج من صلب جماعة الإخوان الإرهابية بحكم أن المنظر الأكبر له سيد قطب الذي كان قطبا بارزا من أقطاب الإخوان، وهو الذي صاغ لأول مرة نظرية في العنف السياسي من وجهة نظر إسلامية تقوم على تكفير الدولة والمجتمع ويسم العصر كله بأنه عصر جاهلي، وأبعد من ذلك تدعو إلى قلب النظم السياسية القائمة بالقوة المسلحة.
وشدد ياسين، على أن خطورة هذا المشروع التكفيري بدت تتعاظم حين خرج أنصاره من حيز الفكر والإيمان بأفكاره إلى ساحة العمل الإرهابي تطبيقا لهذه النظرية.
السين ياسين تنبه مبكرًا لخديعة خطابات الإخوان
وفي وقت مبكر، انتبه "ياسين إلى خديعة خطابات جماعة الإخوان التي تحاول رفع مسئولية الإرهاب عن أفرادها بأن هناك تيار داخل الجماعة يدين العنف ويصدر بيانات يستنكر فيها العنف، حي لجأت بعض فصائله إلى استخدام عبارات ذات دلالة، لكي ترفع المسئولية جزئيا عن الجماعات الإرهابية بحديثها عن ضرورة وقف العنف والعنف المضاد، ويقصدون عنف الجماعات الإرهابية ويشيرون بالعنف المضاد إلى تطبيق السلطة للقانون، فيما يتعلق بالقبض على الإرهابيين ومحاكمتهم وإصدار الأحكام على من يثبت ارتكابه جرائم وتنفيذ هذه الأحكام.
وشدد المفكر الاجتماعي على أن جرائم هذه الجماعات الإرهابية اتضح أنها على علاقة بشبكات دولية تمول وتتصل بالعناصر الإرهابية الداخلية، تستهدف التخريب الاقتصادي والترويع الجماهيري وهز الاستقرار السياسي باعتبارها خطوات أساسية تمهد لإنشاء الدولة الإسلامية كما يزعمون ويخططون.
وفي مقالة له بعنوان "الحركة الإسلامية بين حلم الفقيه وتحليل المؤرخ"، قال مفكرنا الاجتماعي، إن ممارسة الفكر المثالي سواء على صعيد المجتمع الواحد من خلال نشر الأوهام عن إمكانية تأسيس مجتمع الفضائل الذي لا تشوبه شائبة بمجرد إعلان حكم الإسلام أو على الصعيد الإقليمي من خلال تبني نظرية تصدير الثورة الإسلامية ليس من شأنه سوى وضع العقبات أمام التفكير العقلاني الذي يسعى للقضاء على الاستقطاب الفكري والتطرف الإيديولوجي والذي يهدد بتفتيت قوى المجتمع وتضييع وقت الأمة في مناظرات عقيمة.
اغتيال العقل المصري
وفي مقالة بعنوان "اغتيال العقل"، أكد "ياسين" أن محاولة اغتيال العقل المصري جاءت عن طريق نشر الفكر المتطرف، واعتماد العنف الدموي وسيلة للتغيير الاجتماعي.
وأشار إلى أن رواد النهضة الذين وضعوا أسس راسخة تقوم على حراسة حرية الفكر من كل عدوان، وخاصة المؤسسات التقليدية التي تعيش على الدفاع عما هو مفارق لروح العصر، مؤكدا في الوقت نفسه أن جماعات التطرف قد استفادت من جهود المؤسسات الدينية التقليدية من ناحية، ومن سلبية ممثلي التفكير النقدي من ناحية أخرى.
ولفت ياسين، إلى أن المؤسسات الدينية التقليدية قانعة بأداء دورها التقليدي في الوقوف سدًا منيعًا ضد الاجتهاد الفقهي الحقيقي، وهي معزولة عن الجماهير، ولا تتصل بها إلا من خلال خطاب ديني شكلي في المناسبات الدينية.
أما الجماعات المتطرفة فقد استطاعت نتيجة سلسلة من القراءات المشوهة للإسلام أن تنتج نصوصًا معتمدة على النص الرئيسي لهم وهو "معالم في الطريق لسيد قطب" لكي تنشر دعوتها وتجند لها الأنصار من الأميين وأنصاف المتعلمين بل والمتعلمين الذين لم يستطع النظام التعليمي أن يدعم في عقولهم ملكات التفكير النقدي.
عدد من العوامل الداعمة لفكر الجماعات المتطرفة، يشير إليها مقال "ياسين"، تمثلت في الأصوات التي تصف نفسها بالاعتدال بينما هي تلعب مباشرة لحساب الجماعات، لأنهم يحلمون بقلب النظام واستعادة الفردوس المفقود المتمثل في الخلافة.
ومن هذه العوامل اختراق الجامعات، التي كانت تاريخيًا معقل الفكر النقدي وممارسة التفكير الحر الإبداعي بغير قيود، لكنها لم تعد كذلك بعدما غزتها مجموعات من الأساتذة ممن يميلون إلى الاتباع ويبتعدون عن الإبداع عجزا أو انحيازا لأفكار محافظة.
وأبرز النقاط التي ينتصر إليها "ياسين" في حديثه عن المثقفين الذين يقاومون التطرف بشكل فردي دون أن ترعاهم الدولة أو أن ينتظموا في مؤسسة أو تيار يحميهم، يصفهم بأنهم يكافحون التطرف ويقفون في العراء.
وحول أزمتهم قال: محنتهم تظهر في عدم إدراكهم الكامل لخطورة تشتتهم، وأهمية انتظامهم في مؤسسات ينشئونها هم بأنفسهم لكي يصوغوا من المشاريع الفكرية على اختلاف أنماطها، ما يمثل الدفاع ضد كل محاولات اغتيال العقل المصري بواسطة تيارات الإسلام السياسي المعادية للحداثة ولكل منجزاتها.